زيد المصري - Zaid Al-Masri

صلة الأرحام

الحمد لله رب العالمين، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، والصلاة والسلام على رسول الله محمد طه الأمين، وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين ومن تبعهم وسار على منوالهم إلى يوم الفصل والدين.

أما بعد:

فإن صلة الرحم تعني الإحسان إلى الأقربين وإيصال ما أمكن من الخير إليهم ودفع ما أمكن من الشر عنهم. وقطيعة الرحم تعني عدم الإحسان إلى الأقارب والإساءة إليهم وترك زيارتهم حتى يحصل إيحاش في القلوب أو ترك الإحسان إليهم في حال الحاجة النازلة بهم.

ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة وقطيعتها معصية من كبائر الذنوب، فقد أمر الله تعالى بالإحسان إلى ذوي القربى وهم الأرحام الذين يجب وصلهم

 

الايات الواردة في صلة الرحم

فقال تعالى في سورةِ النِّساء: “واتقُوا اللهَ الذي تَسَاءَلُونَ به والأرحامَ” أيْ واتقُوا الأرحامَ أنْ تَقْطَعُوهَا.

وقال تعالى: ” وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنا” سورة البقرة.

وقال تعالى: ” وَالَّذِينَ ءامَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَىءٍ عَلِيمٌ “ سورة الأنفال.

وقال سبحانه وتعالى: ” فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ  أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ “ سورة محمد.

وقال سبحانه وتعالى: ” وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ”  سورة الرعد.

وقال تعالى: ” وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ” سورة الرعد.

 

الاحاديث الواردة في صلة الرحم

ووردت أيضًا أحاديث كثيرة فيها الأمر بصلة الرحم وبيان ثواب الواصل والنهي عن قطيعة الرحم وبيان عقاب القاطع.

فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ ؟ قَالَ: ” تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ” رواه البخاري ومسلم.

وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: ” أوصاني خليلي أن لا تأخذني في الله لومةُ لائم، وأوصاني بصلة الرحم وإن أدبرت “ رواه الطبراني في المعجم الصغير.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله “ البخاري.

وقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ” مَنْ أَحَبَّ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقهِ ويُنْسَأَ لهُ في أَثَرِهِ فلْيَصِلْ رَحِمَهُ “ رواه البخاريُّ ومسلم. والنَّسيئةُ في الأَثَرِ طولُ العُمُر.

وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: ” صِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ في العُمُر “ يعني كانَ في عِلْمِ الله تعالى أنه لولا هذه الصِّلَةُ ما كانَ عُمُرُهُ كذا، ولكنْ عَلِمَ الله تعالى بعِلْمهِ الأزليِّ أنه يَصِلُ رَحِمَهُ فيكونُ عُمُرُهُ أَزْيَدَ من ذلكَ بمشيئةِ الله.

وقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ” مَنْ سَرَّهُ أنْ يُمَدَّ له في عُمْرِهِ ويُوَسَّعَ لهُ في رِزْقهِ ويُدْفَعَ عنه مِيتَةُ السُّوْءِ فلْيَتَّقِ اللـهَ ولْيَصِلْ رَحِمَه “ رواه أحمدُ في مسندِه وغيره.

وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا لأَحَدِ أصحابه: ” أَطْعِمِ الطَّعَامَ وصِلِ الأرحامَ وصَلِّ باللَّيْلِ والنَّاسُ نيامٌ تدخلِ الجَنَّةَ بسلامٍ “ رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ في صحيحه بإسنادٍ صحيح.

ورَوَى الطَّبَرَانيُّ والبَزَّارُ أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ” مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بالله واليومِ الآخِرِ فلْيَصِلْ رَحِمَه “.

 

لا يدخل الجنة قاطع

وقاطعُ الرَّحِمِ وَرَدَ الحديثُ الصَّحِيحُ في حَقِّهِ أنه لا يدخلُ الجَنَّةَ مَعَ الأَوَّلين، فقد قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ” لا يدخلُ الجنَّةَ قاطع “ أيْ قاطعُ رَحِم، رواه البُخَارِيُّ ومسلم.

أيْ لا يدخلُها مَعَ الأَوَّلين، معناه لا يدخلُ الجَنَّةَ إلَّا بعدَ أنْ يأخذَ نصيبَه من العذاب، أهلُ الجَنَّةِ ليسَ كُلُّهُمْ يدخلونهَا دُفْعَةً واحدةً، إنما أَوَّلُ مَنْ يدخلُ الجَنَّةَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ أنبياءُ الله عليهم السلام ثمَّ الصُّلَحَاءُ ثمَّ غيـرُ الصُّلَحَاء ممَّنْ عَفَا الله عنهم ثمَّ الآخِرُون.

وقطيعةُ الرَّحِمِ من أسباب تعجيلِ العذاب في الدُّنيا قبلَ الآخرة، قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ” ما مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أنْ يُعَجِّلَ اللهُ لصاحبهِ العُقُوبَةَ في الدُّنيا مَعَ ما يَدَّخِرُ له في الآخرةِ من البَغْيِ وقطيعةِ الرَّحِم “ رواهُ التِّرْمِذِيُّ في سننه وصَحَّحَهُ. وفي روايةٍ عندَ أحمد: “ذنبانِ مُعَجَّلانِ لا يُؤَخَّرانِ: البغيُ وقطيعةُ الرَّحِم” والبغيُ معناه الاعتداءُ على النَّاس.

 

ما المراد بالرحم

والمرادُ بالرَّحِمِ الأقاربُ كالآباء والأمهات والجَدَّاتِ والأجدادِ والإخوان وأولادهم والأخوات وأولادهن والخالاتِ والعَمَّاتِ والأخوالِ والأعمامِ وأولادِهم.

فأرحامُ الشَّخْصِ كُلُّ قرابةٍ له من جهةِ الأبِ ومن جهةِ الأُمِّ إنْ كانتْ قَرَابَةً تَرِثُ وإنْ كانتْ قَرَابَةً لا تَرِثُ،

 

معنى الصلة

ومعنى الصِّلَةِ زِيارتهُم لمنِ استطاعَ ومراسلتُهم لمنْ لم يستطعْ والإحسانُ إلى المحتاجِ منهم إنِ استطاع، فمَنْ عَلِمَ أنَّ في رَحِمهِ مَنْ هُوَ فقيرٌ محتاجٌ وكانَ عندَه ما يَزِيدُ ويَفْضُلُ عن حاجاتهِ ولم يُسَاعِدْهُ مَعَ عِلْمهِ بحال رَحِمهِ فإنَّ هذا قاطعُ رَحِم.

ثمَّ إنَّ صلةَ الرَّحِمِ دَرَجَاتٌ، منها أنْ تكونَ صِلَتُكَ لرَحِمِكَ في أوقاتٍ متقاربةٍ ومنها أنْ تكونَ في أوقاتٍ متباعدةٍ بحيثُ لا يَشْعُرُ رَحِمُكَ بالجفاء لو تباعدتِ الأوقات، إنْ كانتْ صِلَتُكَ لرَحِمِكَ في أوقاتٍ متباعدةٍ إلى حَدٍّ لا يشعرُ رَحِمُكَ معهُ بالجفاء فقد حَصَلَتِ الصِّلَةُ، أمَّا إذا قَطَعْتَ مُدَّةً تُشْعِرُ رَحِمَكَ بأنكَ جَفَوْتَهُ فقد قَطَعْتَهُ ولم تَصِلَهُ.

وعادةُ النَّاسِ في هذه الأيامِ جَرَتْ بالصِّلَةِ بالزِّيارة في رَمَضَانَ وفي الأعيادِ وفي أيامِ الحُزْنِ والمشاركة في الأفراح، الرَّحِمِ يراعي هذه الأوقاتَ أكثرَ من غيرِها لأنَّ مَنْ تَرَكَ الصِّلَةَ في هذه الأوقاتِ يكونُ أشعرَ رَحِمَهُ بالجفاء،

واعلمْ أنَّ رَحِمَكَ إنْ كنتَ تستطيعُ أنْ تزورَه فلا بُدَّ أنْ تَزُورَهُ ولا يكفي أنْ تُرْسِلَ السَّلامَ إليه من غيرِ أنْ تَزُورَه، إنما لوقتٍ من الزَّمَنِ يكفي إرسالُ السَّلامِ إليه، فإنْ كانَ ذلكَ الرَّحِمُ لا يُحِبُّ دُخُولَ هذا القريبِ بيتَه ولا يرضَى وكانَ هذا القريبُ يعلمُ أنه لا يرضَى فليسَ عليه أنْ يدخلَ، سَقَطَ عنه، لكنْ بقيَ أنْ يرسلَ إليه السَّلامَ أو يرسلَ إليه مكتوبًا.

وأمَّا إنْ كانَ رَحِمُهُ يُحِبُّ دُخُولَهُ بيتَه وقُعُودَهُ عندَهُ فلا يكفي إرسالُ السَّلام للمُدَّةِ الطَّويلة، هذا في حال لم يَكُنْ للشَّخْصِ عذرٌ ، أمَّا إنْ كانَ له عذرٌ كأنْ كانَ في بلدٍ بعيد ولا يَسْهُلُ عليه أنْ يذهبَ لزيارةِ أقربائهِ لو غابَ مَثَلًا خمسَ سنين وهو يرسلُ إليه السَّلامَ فلا شىءَ عليه.

 

من الاعذار في عدم زيارة الرحم

ومن الأعذارِ في عدمِ زيارةِ الرَّحِمِ أنْ يَكُونَ سَمِعَ من قريبهِ هذا رِدَّةً كسَبِّ الله أو الأنبياء أو الملائكةِ أو الاستهزاء بالقرءانِ وما أشبهَ ذلكَ فإنَّ هذا لا صِلَةَ له.

وكذلكَ يجوزُ لكَ قَطْعُهُ إنْ كانَ فاسقًا يشربُ الخمرَ أو يتركُ الصَّلاةَ أو يزني وما أَشْـبَهَ ذلكَ ولكنْ هذا لا تَقْطَعُهُ إلَّا بعدَ إعلامهِ بالسَّببِ لِتَزْجُرَهُ عن مِثْلِ هذه الأفعال، إذا أردتَ أنْ تهجرَ رَحِمًا تعلمُ منه الفسقَ بنيَّة أنْ يَنْزَجِرَ عن فسوقهِ وأشعرتَه بأنكَ تجفوهُ لأجلِ ذلكَ فلو جَفَوْتَهُ كانَ ذلكَ جائزًا لأنه قد يَتَأَثَّرُ لذلكَ فيتركُ ذلكَ الفسوقَ الذي من أجلهِ جفوتَه.

 

الاحسان للرحم التي ادبرت

وممَّا ينبغي للمؤمنِ أنْ يُحْسِنَ إلى رَحِمهِ التي أدبرتْ لأنَّ الله تعالى يحبُّ للمؤمنِ أنْ يَعْمَلَ المعروفَ مَعَ الذي لا يعرفُ له المعروفَ، فالمؤمنُ الذي يُحْسِنُ إلى رَحِمهِ الذي يُحْسِنُ إليه له أجرٌ ، والذي يُحْسِنَ إلى رَحِمهِ التي أدبَرَتْ له أجر أكبر، لأنَّ هذا فيه كَسْرُ النَّفْسِ في طاعةِ الله، والله يحبُّ كَسْرَ النَّفْسِ في طاعتهِ.

فقد قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ” ليسَ الواصلُ بالمكافِئ ولكنَّ الواصلَ مَنْ وَصَلَ رَحِمَهُ إذا قَطَعَتْ “ رواهُ التِّرْمِذِيُّ وقال:حديثٌ حَسَنٌ صحيح.

 

الصدقة على الرحم

فينبغي أن تذهب إلى أرحامك في أماكنهم وتتودد إليهم وتستضيفهم عندك وتكرمهم. وتفقدهم وتسأل عن أحوالهم، وإن كانوا بحاجة وكنت موسرًا فأعطهم من مالك سواء كان هذا الإعطاء صدقة إذا كان الموصول محتاجًا، أو هدية إن لم يكن محتاجا،

وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إن الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم اثنتان، صدقة وصلة “ رواه النسائي واللفظ له والترمذي وحسنه.

 

الاحسان للرحم

وكذلك ينبغي أن توقير كبيرهم وتلاحم ضعيفهم. وأن تشاركهم في أفراحهم بتهنئتهم ومواساتهم في أحزانهم بتعزيتهم. وأن تعود مرضاهم وأن تتبع جنائزهم. وأن تجيب دعوتهم إذا وجهوا لك الدعوة فلا تتخلف إلا لعذر.

وكذلك أن تعفو عمن أساء إليك منهم فلا تحمل الحقد عليهم. وأن تصلح ذات البين بينهم، فإذا علمت بفساد علاقة بعضهم ببعض، فبادر بالإصلاح وتقريب وجهات النظر ومحاولة إعادة العلاقة بينهم.

وعود نفسك على الدعاء لهم، وهذا يملكه كل أحد ويحتاجه كل أحد. وكذلك ينبغي أن تدعوهم إلى الهدى وأن تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر بالأسلوب الحسن. فمن وُفق لذلك فقد وُفق إلى خير خير. ونسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى هذا الخير العظيم إنه نِعم المولى ونِعم النصير وعليه تُكلاننا وإليه المصير.

 

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

مواقيت صلوات اليوم

    عمان, الأردن
    الصلاةالوقت
    الفجر3:02 AM
    شروق الشمس4:42 AM
    الظهر11:33 AM
    العصر3:13 PM
    المغرب6:23 PM
    العشاء7:53 PM

إن المعرفة الحقيقية لدخول أوقات الصلاة تقوم على المراقبة، أما ما نذكره هنا فمن باب الاستئناس

إن أوقات الصلاة الظاهرة هي فقط لمدينة عمان، الأردن

قنوات التواصل الاجتماعي