كان سيّدُنا ذو النونِ المِصريُّ -واسمُهُ ثوبانُ بنُ إبراهيمَ- من أهلِ الصّلاحِ والتّقوى ءاتاهُ اللهُ علمًا كثيرًا، ومِن أشهرِ أقوالِهِ في تنزيهِ اللهِ تعالى عن صفاتِ المخلوقينَ: “مهما تصوّرتَ ببالِكَ فاللهُ بخلافِ ذلك”
وكان يجمعُ الناسَ ويُعلِّمُهُمُ الخيرَ ليُنقِذَهُمْ من الشَّــرِّ والحرامِ. خرج مرّةً إلى شاطئِ نهرِ النّيلِ ليَغسِلَ ثيابَهُ، وبينما هو يستعدُّ لذلك رأى بطرَفِ عينِهِ عقربًا كبيرًا مُتقدِّمًا نحْوَ الشّاطئِ، ففزِعَ منه واستعاذ باللهِ من شرِّهِ، لأنّ لدغتَه مؤذيةٌ وقاتلةٌ أحيانًا،
فتوارى ذو النّونِ خلفَ شجَرةً ليرى ماذا سيفعلُ هذا العقربُ. توقّفَ العقربُ على الشاطئِ فإذْ بضِفْدَعٍ كبيرٍ يخرجُ من الماءِ ويقتربُ منه، فصعِدَ العقربُ على ظهرِه ِوسبَح به وسَطَ دهْشةِ ذي النّونِ الذي خرج من خلفِ الشجرةِ مُستغرِبًا ممّا يحصلُ،
فعلِمَ أنّ في الأمرِ قصّةً ما، فخلَع رداءَهُ ونزَل إلى الماءِ ولَحِقَ بهِما. وصَل الضِّفْدَعُ والعقربُ على ظهرِهِ إلى الضِّفَّةِ الأخرى، فلمّا وصلا إلى الشاطئِ نزَل العقربُ ومشى مُندفِعًا إلى الأمامِ، وفي هذا الوقتِ كان ذو النّونِ قد وصَل إلى الشاطئِ فلحِقَ بالعقربِ.
كان الجانبُ الآخَرُ للنّهْرِ قد نَبَتَتْ على ضِفافِهِ أشجارٌ خضراءُ، وعلى الأرضِ أعشابٌ طَرِيّةٌ يانِعةٌ وأزهارٌ ملوَّنةٌ تُعجِبُ النّاظِرِينَ، ومشى ذو النّونِ يتْبَعُ العقربَ حتى وصل إلى شجرةٍ كثيرة ِالأغصانِ وافرةِ الظّلالِ،
وهناك تحتَ الشّجرةِ كان شابٌّ نائمًا وفي يدِهِ زجاجةُ خمرٍ قد فرَغتْ، ورائحتُها تَفوحُ في المكانِ، فإذْ بالعقربِ يقتربُ منه اقترابًا شديدًا، فاستغرب ذو النّونِ كيف أتى هذا العقربُ من الجانبِ الآخَرِ إلى هنا ليَلْدَغَ الشّابَّ،
وفي هذه اللّحظةِ خرَجتْ حيّةٌ كبيرةٌ مِن بينِ أغصانِ تلك الشّجرةِ مُتَّجهةً نحْوَ الشّابِّ، وكان ذو النّونِ يراقبُ المنظرَ وهو يحاولُ العثورَ على خشَبةٍ ليَقتلَ بها الحيّةَ والعقربَ، فإذا بالعقربِ يقفزُ على رأسِ الحيّةِ فيَلْدَغُها فتقعُ صريعةً،
ثمّ يعودُ إلى الشّاطئِ ويَصعَدُ على ظهرِ الضِّفدعِ الذي كان ينتظرُهُ، ويعودانِ معًا إلى الجانبِ الأوّلِ، وهنا استيقظ الشّابُّ فأخبرَه ذو النّونِ بما حصَل، فتاب الشّابُّ إلى اللهِ تعالى بعدما عَلِم بهذا الأمرِ العجيبِ.
فسبحانَ اللهِ الذي سخّر بعضَ خلْقِهِ لحفظِ بعضِ خلْقِهِ ولو كانوا فاسقينَ، فكيف بالصّالحينَ!
وصلّى اللهُ على سيِّدِنا محمّدٍ وعلى ءالِه وصحابتِه الطَّـيِّبينَ الطّاهرينَ وسلامٌ على المـُرسَلِيْنَ وءاخِرُ دعْوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.