زيد المصري - Zaid Al-Masri

تفسير ءاية الكرسي

الحمدُ لله الذي وسع كرسيه الأرض والسموات، ودلت على وجودهِ العقولُ والآيات، خالق الليل والنهارِ والأنوار والظلمات، القريبِ من عباده لا بقرب المسافات، المنزّهِ عن الشكل والصورة والكيفيات، تعالى ربنا عن الحدود والغاياتِ والأركان والأعضاء والأدوات، لا تحويه الجهات الستُّ كسائر المبتدعات، والصلاة والسلام على رسول الهدى محمدٍ سيّدِ الساداتِ وفخرِ الكائنات، المبعوثِ رحمةً للعبادِ المُؤَيّدِ بالمعجزات الباهرات، وعلى صاحبه أبي بكرٍ الذي وصلَ بتقوى ربّهِ أعلى الدرجات، وعلى عمرَ المُحَدَّثِ المُبشّرِ بالكرامات، وعلى عثمان الذي صبر على البلاء حتى أتته المَنيّةُ والوفاة، وعلى عليٍّ صاحبِ المواعظ والعظات.

أما بعد: يقول الله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَىءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)} سورة البقرة،

روى البخاري في صحيحه من حديث أُبَيّ بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ءاية الكرسيِّ: ” إنها سيدة ءاي القرءان ” أي أفضل ءاية في القرءان، لِما احتوت عليه من المعاني التي منها توحيد الله تعالى، ولِما فيها من إثبات عِلم الله تعالى الذي أحاط بكل شىء، وأنَّ الله تعالى هو القائم بتدبير أمور الخلق، وأنه تعالى لا يَعتريه عَجز ولا سِنَةُ ولا نوم.

{اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} وفي هذه الآية وصْفُ الله تعالى بأنه لا إله سواه، أي لا أحد يستحق أن يُعبد إلا هو سبحانه وتعالى، وأنه حيُّ أي ذو حياة أزلية أبدية ليست كحياة غيره، بل حياة غيره بالروح والدم واللحم، وفيها إثبات أن الله مُسْتغنٍ عن كل شىءٍ واحتياج كل شىءٍ إليه، وكذلك إثبات أن الله موجود بلا بداية، فالموجود بلا بداية لا يحتاج إلى غيره لأن وجوده بذاته، أما ما سوى الله فوجوده بغيره، وما سوى الله حادث (أي مخلوق) لأنه لم يوجد إلا بإيجاد الله، وكل موجودٍ مخلوق إلا الله تعالى فإنه أزلي، الله تعالى أوجد الأشياء، أبرزها من العدم إلى الوجود، العوالم العلوية والسفلية بما فيها من ذوي الأرواح كالملائكة والإنس والجن لا تستغني عن الله لحظة، فلا موجود بذاته إلا الله، ولا يقال (لا موجود إلا الله) فهذا القول فاسد والصواب أن يقال (لا موجود بذاته إلا الله)

{الحيُّ} فالله تعالى وصف نفسه بهذه الآية الكريمة بأنه حيُّ، ومعنى الحيّ إذا أُطلق على الله: أي ذو حياة أزلية أبدية ليست كحياة غيره، بل حياة غيره بالروح والدم واللحم والعظم والقلب والعقل والشرايين والعروق، وحياة الله تعالى ليست بلحم ولا عظم ولا عقل ولا قلب ولا عروق ولا شرايين، ليست كحياة أي من المخلوقات كالإنس والجن والملائكة وغيرهم، فالذي يجب علينا معرفته أن لله حياة لا تشبه حياة غيره، الله تبارك وتعالى حيّ أي ذو حياة ليست كحياة غيره فنقول عن الله تعالى حيّ لا كالأحياء، الإنسان قبل أن يُنفخ فيه الروح في رَحِمِ أمه، الجنين في بطن الأم لا يكون حيًا حتى يُنفخ فيه الروح، أي أن مَلَكَ الرحِمِ يأخذ الروح التي جعلها الله لهذا الجنين ويضعه في الجنين في رحِمِ أمه، هذه حياة الإنسان، فحياة الإنسان بالروح، والجنين حادث وإن كانت الروح خُلقت قبل الجسد بزمان طويل ولكنها حياة حادثة مخلوقة، لأن الروح كانت معدومة ثم خلقها الله فصارت موجودة .

{القيُّوم} أي القائم بنفسه، الذي لا يحتاج إلى غيره، والله تبارك وتعالى وصف نفسه في هذه الآية بالقيّوم المدبر لجميع الأشياء، فالله تبارك وتعالى هو مُدبِّر كلَّ الأشياء، وليس معنى القيّوم كما يقول البعض (الداخل والحالُّ فينا)  فهؤلاء جعلوا الله حالًّا في أجسادنا والعياذ بالله تعالى، الإسماعلية طائفة نُسبت إلى إسماعيل بن جعفر تعتقد أن الله حال في إسماعيل، تعالى الله عن قول الكافرين هؤلاء وإن ادَّعَوْا الصوفية فهؤلاء كافرين لأن الإسلام توحيد الله تعالى أي إثبات وجود الله مع إعتقاد بأن الله واحد لا شبيه له، مع الإعتقاد أنه لا يمَسُّ شيئًا ولا يحلُّ بشىءٍ ولا شىءُ يحلُّ به، هذا هو التوحيد.

{لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} والسِّنة: النعاس، أي لا يصيبه نعاس ولا نَوْمُ، أي أن الله تعالى منزَّه عن النعاس والنوم، منزه عن التطور والانفعالات وهو خلق فينا الانفعالات والتطورات لأن خالق الشىء لا يكون موصوفًا بما خَلَقَ، الذي خلق النوم والنعاس والتطور والانفعالات لا يكون مثل هذه الصفات، نحن رِضانا وحُبنا وكراهيتنا انفعال نفسي، فأما الله تعالى فلا يجوز أن تكون محبته للمؤمنين انفعال نفسي، فيُفهم من قوله تعالى:  {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} تنزيه الله عن أن يوصف بصفات المخلوقين، فكما ننفي عن الله النوم والنعاس يجب أن ننفي عنه سائر التطورات وصفات الخلق.

{لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} أي أنه مالك ما في السموات وما في الأرض، أي من ذوي العقول كالملائكة والإنس والجن وغير ذوي العقول كالبهائم وغيرها، وهو مالك كلِّ ذلك.

{مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} ومعناه لا يشفع أحد عند الله إلا بإذن الله، فيوم القيامة بعض عصاة المسلمين الذين ماتوا قبل التوبة تنالهم الشفاعة، وكل الأنبياء يشفعون لعصاة المسلمين من أمَمِهم، المسيح يشفع في عصاة المسلمين من أمته من أهل الكبائر لكنه لا يشفع إلا بإذن الله، كذلك موسى يشفع في عصاة أمته وسائر أنبياء الله يشفعون للمسلمين من أممهم، أما الكفار فلا يشفع فيهم أحد من أنبياء الله لا المسيح ولا محمد ولا غيرهما من الأنبياء عليهم السلام، الله لا يأذن للأنبياء أن يشفعوا للكفار، وقد خص الله نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم بالشفاعة العظمى وهي تشمل كل عصاة المسلمين الذين هم من أمته ومن أمم الأنبياء قبله، والملائكة يشفعون والعلماء العاملون والشهداء والطفل يشفع لأبويه المسلمين.

وقال الله تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)} سورة الأنبياء، أي إلا لمن مات على الإيمان. وقال تعالى: {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ (26)} سورة النجم.

{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَىْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} هذه الآية تخبرنا بأن أهل السموات والأرض لا يحيطون بشىء من علم الله من معلومات الله إلا بالقدْر الذي علمهم الله، القدْر الذي شاء الله أن يعلمونه، الملائكة لا يعلمون إلا ما علمهم الله، وكذلك الأنبياء عليهم السلام والأولياء، والجن أيضًا، واعتقادنا أن الله تعالى وحده الذي أحاط بكل شىء علمًا. فقد قال ربنا تبارك وتعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (59)} سورة الأنعام.

ولَمَّا ضَلَّتْ نَاقَتُهُ وَقَالَ بَعْضُ الْمُنَافِقِينَ: إِنَّ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّهُ يُخْبِرُكُمْ بِخَبَرِ السَّمَاءِ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ !! فقَالَ عَلَيْهِ الصلاة والسَّلَامُ : ” وَاللَّهِ إِنِّي لَا أَعْلَمُ إِلَّا مَا عَلَّمَنِي رَبِّي، وَقَدْ دَلَّنِي رَبِّي عَلَيْهَا وَهِيَ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، حَبَسَتْهَا شَجَرَةٌ بِخِطَامِهَا ” فَذَهَبُوا فَوَجَدُوهَا كَمَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فالأنبياء لا يعلمون إلا ما علمهم الله، فكيف الجن الذي ليس فيهم نبي ولكن فيهم أولياء، وإنما الجن يأخذون أمور الدين من أنبياء البشر . وقد أخبر الله عن نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ} سورة  الأحقاف. وَ كما قال الْخَضِر لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ نَقَرَ الْعُصْفُورُ فِي الْبَحْرِ: ” مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا كَمَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنْ هَذَا الْبَحْرِ ” رواه البخاري ومسلم

{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} الكرسيُّ هو جِرم كبير عظيم خلقه الله تعالى، وروى أحمد من حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” مَا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ مَعَ الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ، وَفَضْلُ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ الْفَلَاةِ عَلَى الْحَلْقَةِ “

ومعنى قول الرسول عليه الصلاة والسلام أن السموات السبع التي كل واحدة منها أعظم من أرضنا هذه، كل السموات السبع بالنسبة للكرسيِّ كحلقة ملقاة في فلاة من الأرض، هذا الكرسيِّ الذي يقول الله عنه وسع كرسيه السموات والأرض أي أن ذلك الكرسيِّ وإن كان صغيرًا بالنسبة للعرش يسع السموات والأرض، وهذا العرش الكريم يكون بالنسبة إلى الكرسيِّ زائدًا في إتساع المساحة لعُظْمِ جِرمه كما تكون الحلقة في الفلاة ، وهذا معنى قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}

{وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} فالله تعالى هو الخالق وهو الذي أبرز كل شىء من العدم إلى الوجود كما قال ربنا: {وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} سورة الفرقان، وكلها هينة على الله، كما أن خَلْقَ الذرّة هينة على الله كذلك السموات والأرض والعرش، لا يصعب شىء على الله ولا يصيبه تعب، فالله تعالى خلق السموات والأرض بقدرته، وهو ليس كمثله شىء  يفعل ما يريد ويخلق ما يشاء بلا تعب ولا مشقة تلحقه، لذلك ربنا تبارك وتعالى كذَّب اليهود لما قالوا إن الله تعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم تعب فاستراح على قفاه في اليوم السابع وهو يوم السبت على زعمهم، قالوا انتهى من خلق السموات و الأرض يوم الجمعة فأصابه تعب فاستلقى ليستريح، فالله تعالى كذبهم فقال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39)} سورة ق، فلا يصعب على الله تعالى حفظه للسموات والأرض، لا يصعب على الله شىء .

{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} العلي إذا أطلق على الله معناه علو القدر والدرجة، ليس معناه أنه متحيز في الجهة العليا من العالم، لأن علو المكان من صفات المخلوقين، الملائكة الحافّون بالعرش مقامهم حول العرش، فلا يوجد موضع أربع أصابع في السموات السبع إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد، هذه السموات مع اتساع مساحتها فهي ليست فراغًا بل مشحونة بالملائكة، منهم قيام ومنهم ركوع ومنهم سجود، هذه السموات السبع التي هي مشحونة بهؤلاء الملائكة الكثيرين لا تُتعِب الله بحِفظها، فالله العلي وعلو الله علو قدْر، فالله تعالى عليّ أي أقدر من كل قادر.

وأما فضائل ءاية الكرسي فكثيرة منها: أن الذي يقرأها قراءة صحيحة مضمون له أن يُحرس من الشياطين، وكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ قَرَأَ ءايَةَ الْكُرْسِيِّ فِي زَوَايَا بَيْتِهِ الْأَرْبَعِ، لكن هذا السر لا يكون مضمونًا إلا اذا قرأها كما أنزلها الله تعالى من غير أن يغير بحروفها أو يبدل حروفها. وهناك نفع عظيم لمن عود نفسه على قراءة ءاية الكرسي كل يوم خمسين مرة.

وجاء عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله علي وسلم قال: ” مَنْ قَرَأَ ءايَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا الْمَوْتُ “

وروى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَوَجَدَ أَثَرَ كَفٍّ كَأَنَّهُ قَدْ أُخِذُ مِنْهُ، فشَكَا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: ” إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَأْخُذَهُ فَقُلْ: سُبْحَانَ مَنْ سَخَّرَكَ لِمُحَمَّدٍ ” قَالَ: فَقُلْتُهَا فَإِذَا أَنَا بِهِ قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيْ فَأَخَذْتُهُ !! وقلتُ: والله لَأَرْفَعَنَّكَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أَيْ: لَأَذْهَبَنَّ بِكَ أَشْكُوكَ، يُقَالُ: رَفَعَهُ إِلَى الْحَاكِمِ إِذَا أَحْضَرَهُ لِلشَّكْوَى، فقال أي الجني: (إِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ ولي حاجة شديدة) أَيْ: نَفَقَةُ عِيَالٍ، وَفِي رِوَايَةِ قَالَ: (إِنَّمَا أَخَذْتُهُ لِأَهْلِ بَيْتٍ فُقَرَاءَ مِنَ الْجِنِّ وَلَا أَعُودُ) قال: فخليت عنه فأصبحت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة ؟” قال قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالًا فرحمته فخليت سبيله، قال: ” أما إنه قد كذبك وسيعود ” فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إنه سيعود ” فَرَصَدْتُهُ: أَيْ رَقَبْتُهُ، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (دعني فإني محتاج وعلي عيال لا أعود) فرحمته فخليت سبيله، فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” يا أبا هريرة ما فعل أسيرك ؟” قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالًا فرحمته فخليت سبيله، قال: ” أما إنه قد كذبك وسيعود ” فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا ءاخر ثلاث مرات أنك تزعم لا تعود ثم تعود، قال دعني، (وفي رواية قال: خَلِّ عَنِّي) أعلمك كلمات ينفعك الله بها !! قُلْتُ: مَا هُنَّ ؟ قال: (إذا أويت إلى فراشك فاقرأ ءاية الكرسي: الله لا إله إلا هو الحي القيوم حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح) (وفي رواية قَالَ: ءايَةُ الْكُرْسِيِّ وَءاخِرُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ قَوْلِهِ ءامَنَ الرَّسُولُ إِلَى ءاخِرِهَا) (وفي رواية قال: إِذَا قُلْتَهُنَّ لَمْ يَقْرُبْكَ ذَكَرٌ وَلَا أُنْثَى مِنَ الْجِنِّ) فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ما فعل أسيرك البارحة ؟” قلت: يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله قال: ما هي؟ قلت: قال لي: (إذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ) (وفي رواية قال: عِنْدَ كُلِّ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ) فاقرأ ءايَةَ الْكُرْسِيِّ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ حَتَّى تَخْتِمَ الْآيَةَ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” أما إنه قد صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ ”  وفِي رواية قال: ” صَدَقَ الْخَبِيثُ وَهُوَ كَذُوبٌ ” وَفِي رِوَايَة أخرى قال: ” أَوَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ كَذَلِكَ “

وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ: أَنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَعْلَمُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُؤْمِنُ، وَأَنَّ الْحِكْمَةَ قَدْ يَتَلَقَّاهَا الْفَاجِرُ فَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا وَتُؤْخَذُ عَنْهُ فَيَنْتَفِعُ بِهَا، وَأَنَّ الشَّخْصَ قَدْ يَعْلَمُ الشَّىْءَ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ، وَأَنَّ الْكَافِرَ قَدْ يَصْدُقُ بِبَعْضِ مَا يَصْدُقُ بِهِ الْمُؤْمِنُ وَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ مُؤْمِنًا، وَأَنَّ الْكَذَّابَ قَدْ يَصْدُقُ، وَأَنَّ الشَّيْطَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكْذِبَ، وَأَنَّهُ قَدْ يَتَصَوَّرُ بِبَعْضِ الصُّوَرِ فَتُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ، وَأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} مَخْصُوصٌ بِمَا إِذَا كَانَ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا، وَأَنَّ مَنْ أُقِيمَ فِي حِفْظِ شَىْءٍ سُمِّيَ وَكِيلًا، وَأَنَّ الْجِنَّ يَأْكُلُونَ مِنْ طَعَامِ الْإِنْسِ، وَأَنَّهُمْ يَظْهَرُونَ لِلْإِنْسِ لَكِنْ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، وَأَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامِ الْإِنْسِ، وَأَنَّهُمْ يَسْرِقُونَ وَيَخْدَعُونَ، وَفِيهِ فَضْلُ ءايَةِ الْكُرْسِيِّ وَفَضْلُ ءاخِرِ ءايتين من سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَأَنَّ الْجِنَّ يُصِيبُونَ مِنَ الطَّعَامِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

مواقيت صلوات اليوم

    عمان, الأردن
    الصلاةالوقت
    الفجر3:16 AM
    شروق الشمس4:53 AM
    الظهر11:34 AM
    العصر3:13 PM
    المغرب6:15 PM
    العشاء7:41 PM

إن المعرفة الحقيقية لدخول أوقات الصلاة تقوم على المراقبة، أما ما نذكره هنا فمن باب الاستئناس

إن أوقات الصلاة الظاهرة هي فقط لمدينة عمان، الأردن

قنوات التواصل الاجتماعي