يُروى أن الروم أمسكوا رجلًا من جيش المسلمين فأخذوه أسيرًا، فطلبوا منه أن يكتب رسالة إلى قائد جيش المسلمين ليشجعه وينصحه فيها على القدوم إلى الروم ويذكر فيها أن الروم ضعفاء، وأن لا يستعينوا بأحدٍ. وإلا قتلوه.
و كان الروم قد نصبوا كمينًا لجيش المسلمين، وكان قد عُرِفَ بالفصاحة بين قومه،
فكتب هذا الجندي الأسير هذه الرسالة لقائد الجيش: “عزيزي القائد، أُفيدكم أنني ولله الحمد قد استرحتُ من العناء، كما أفيدكم أنكم الفئة الغالبة، فلقد استضعفتهم بالنسبة إليكم، سيدي، أكتب لك من القلب، نصحتُ فدَعْ ريبك ودَعْ مهلك”.
فلما وصلت الرسالة إلى القائد قال: إن الرجل فصيح، ولا أظن أنه عنى ما كتب، وخاصة أنه قال: “عزيزي القائد” وعادة لا يكون الخطاب للقائد بهذه العبارة، فعرَف أن هناك محتوى غير ما هو ظاهر،
فتمعن في معنى الرسالة فكان المقصود بقوله: “استرحتُ من العناء”: أي أمسَكوا بي وحبسوني.
وقصد بقوله: “كما أفيدكم أنكم الفئة الغالبة”: قول الله تعالى: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ سورة البقرة.أي: إنكم فئة قليلة.
وقصد بقوله: “فلقد استَضْعَفتُهُم بالنسبة إليكم”: أي إنهم ضِعف عددكم.
وقصد بقوله: “أكتب لك من القلب: أي اقلب الجملة. وكانت الجملة التي قالها: “نصحتُ فدَعْ ريبك ودع مهلك” فقرأها بالعكس فكانت تحذيرا لقائد جيش المسلمين، فإنها لو قُرِأت معكوسة تكون: كلُّهم عدوٌّ كبيرٌ عُد فتحصَّن.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين وسلام على المرسلين وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.