زيد المصري - Zaid Al-Masri

سجود السهو وبيان الهيئات والأبعاض

الحمد للّه ربّ العالمين، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على أشرف الخلق وسيد المرسلين محمد، وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين ومن تبعهم وسار على منوالهم إلى يوم الفصل والدين.

سجود السهو سنّة من سنن النبي المصطفى ﷺ، وقد تركه اليوم كثير من الناس فأحببتُ أن أذكر بعض ما يتعلق بسجود السهو من الأحكام ليكون تذكيرًا لمن عرفه، وتعريفًا لمن جهله.

وقد وردت في سجود السهو من فعل النّبيّ ﷺ، وأمرِه بعضًا من الصحابة بفعل سجود السهو أحاديثُ عديدة، دلّت على مشروعية سجود السهو في الصلاة لمن حصل منه بعض ما يأتي،

فينبغي لمريد اتباع النّبيّ ﷺ اتباعًا كاملًا مراعاة ذلك بتعلّم أحكامه حتى يأتي به على الوجه الذي ذكره العلماء جزاهم الله عنا خيرًا.

وسأبينُ أسباب سجود السهو باختصار، فسجود السهو يكون إما لترك سنّة من سنن الصلاة، المعبَّر عنها عند علماء الفقه بأبعاض الصلاة، لأن الصلاة فيها هيئات وأبعاض.

وسننُ الصلاة بعدَ الدخولِ فيها (أي أبعاضُها) التي تُجْبَرُ بالسجودِ ستة

(والأبعاض جمعُ بعضٍ والبعضُ الجزء، والجزءُ هو الركن، وإنما سُميَ بَعضًا تشبيها بالركن، أي أنها سُميت أبعاضًا تشبيهًا بالأركانِ فجبرت بالسجود لشدةِ أهميتها، وليس المعنى أنه لا يجوزُ تركُها، ولكنها مُهمَّة حتى أنها جبرت بالسجود ولذلك سَمَّوها بَعضا لتَأكُّدِها)

والأبعاض التي يسجد في تركها للسهو هي:

  1. التشهدُ الأولُ سهوًا أو عمدًا.
  2. ومثلُهُ قعودُهُ (أي قعود التشهد الأول. فمن ترك الجلوس للتشهد الأول ناسيا، فإن كان أقرب للجلوس فيجلس ولا يسجد للسهو، وإن كان أقرب للقيام ناسيا يجلس ويسجد للسهو، وإن صار قائما فلا يجلس ويسجد للسهو.
  3. والصلاة على ءال النّبيّ ﷺ في التشهّد الأخير.
  4. والقنوت في صلاة الصبح. في اعتدالِ الركعةِ الثانيةِ من صلاة الصبحِ. القنوت لغةً: الدعاءُ. قال تعالى: ﴿يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)﴾  سورة ءال عمران. وشرعًا: ذكرٌ مخصوص. ومما ورد فيه: “اللهم اهدني فيمن هديتَ، وعافني فيمن عافيتَ، وتَوَلَّنِي فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضِي ولا يُقْضَى عليك، وإنه لا يذِلُّ من واليت، ولا يَعزُّ من عاديت، تباركت وتعاليت” والقنوت يحصلُ بهذا وبغيره، لكن هذا هو الوارد، هذا قُنوتُ النبي ﷺ. وإذا بدأ الشخص بدعاء القنوت الوارد ولم يُكمله، أو أكمل بدعاء غير هذا الوارد فإنه يسجد للسهو لأنه نَقَصَهُ. أي نقصَ القُنوتَ الوارد بعد أن شرعَ فيه، فلو قرأ مثلا (اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت) ثم قال: رب اغفر لي وللمؤمنين والمؤمنات فإنه يسجدُ للسهو. هو قنتَ ودعا وحصل بما قال القنوت لكن يسجدُ للسهو لأنه نَقَصَ القُنوتَ الواردَ عن النبي ﷺ، أما لو لم يشرع فيه بالمرة وإنما من الأول قال: رب اغفر لي ولوالديَّ رب ارحمهما كما ربياني صغيرا مثلا، فلا يسجدُ للسهو.
  5. والقنوت في ءاخر ركعة الوتر في النصف الثاني من رمضان. والنصفُ الثاني ليلة السادس عشر وما بعدها، وليس ليلة الخامسَ عشر، لأن الخامسَ عشر هو من النصف الأول. وهو كقنوت الصبحِ المتقدمِ في محلِه ولفظِه.
  6. وتسنُّ الصلاة على النبى ﷺ بعده (أي بعد القنوت) وكذا الصلاة على ءال النبي ﷺ.

وأما هيئات الصلاة التي لا يسجد في تركها للسهو (والمراد بالهيئات ما يُستحب فيها. أي السنن التي ليست أبعاضا) فهي خمسَ عشرةَ خصلةً:

  1. رفعُ اليدين عندَ تكبيرةِ الإحرامِ إلى حَذْوِ منكِبيه. (أي إلى حِذائِها أي ما يُحاذيها بحيثُ تحاذي أطرافُ أصابعِهِ أعلى أذنيه وإبهاماه شَحمَتَيهِما فيُحاذي الإبهام شحمةَ الأذن ويستقبلُ بهما القبلة).
  2. ورفعُ اليدين كذلك. أي على نفسِ الهيئة عندَ الركوعِ وعند الرفعِ منه.
  3. ووضعُ اليمينِ على الشِّمال. تحتَ صدرِه وفوقَ سرّتِه.
  4. ودعاء الافتتاح. وهو قولُ المصلِي عَقِبَ التَحَرُّمِ: ” وجَّهت وجهيَ للذي فطر السموات والأرض حنيفًا مسلمًا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحيايَ ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرتُ وأنا من المسلمين” ومعنى “وجَّهت وجهيَ للذي فطر السموات والأرض” أي خلقهُما. “حنيفًا مسلمًا” أي مائِلًا عن كلِّ الأديانِ إلى دينِ الإسلام. “وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحيايَ ومماتي لله رب العالمين” فالأفعال الاختيارية والأفعال غير الاختيارية مِلكٌ لله. “لا شريك له وبذلك أمرتُ وأنا من المسلمين” فيسن للمصلي بعد التَحَرُّم أن يقول دعاءَ الافتتاح، وهي هذه الآيات.
  5. والاستعاذةُ بعد الافتتاح. والأفضل أن يقول: “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم” والاستعاذةُ في كلِّ ركعةٍ وليس خاصا بالركعة الأولى.
  6. والجهرُ في موضعِه. أي في موضعِ الجهر. وهو الصبحُ وأُوْلَيا المغربِ (الركعتان الأُوْلَيانِ في المغرب) والعشاءِ، والجمعةُ، والعيدانِ، والخسوف، والاستسقاء، والتراويح، ووِتر رمضانَ، وركعتا الطواف ليلًا أو وقتَ صبحٍ. (أي ركعتا الطواف إذا كانتا في الليل أو وقتَ الصبحِ يجهر وإلا فيُسِر)
  7. والإسرارُ في موضعه. وهو ما عدا ما ذُكِرَ. وفي القضاء العبرة بوقت القضاء لا بوقت المقضية. أي إذا أرادَ أن يقضيَ صلاةً فالعبرةُ بالوقتِ الذي يريدُ أن يصليَ فيه القضاء، وليست العبرةُ بوقتِ الصلاةِ المقضية، فإن قضى الظهرَ في الليلِ يجهر، وإن قضى العشاءَ في النهارِ يُسِر. وهذه المسألة فيها خلاف حتى عند الشافعية، لكن هذا المشهور.
  8. والتأمينُ. أي قولُ ءامين عقبَ الفاتحة لقارئها في صلاة وغيرِها، لكن في الصلاةِ ءاكدُ، (أي التأمينَ في الصلاةِ ءاكد) ويؤمنُ المأمومُ مع تأمين إمامهِ ويجهرُ به في الجهرية، (أي يجهرُ بالتأمين).
  9. وقراءةُ السورةِ بعدَ الفاتحة. لإمامٍ ومنفردٍ في ركعتَي الصبح وأوليي غيرِهِ، (أي غير الصبح) فالإمام يقرأ والمأموم يقرأ، ويستمع المأموم لقراءةِ إمامهِ إذا كان يسمَعُها فلا يقرأ المأموم الفاتحة وإنما يُنصِت، لقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)﴾ سورة الأعراف. أما إذا لم يكن يسمَعُها فيقرأ. فلو قدَّمَ السورة على الفاتحةِ لم تُحسب لأنها وقعت في غير موضِعِها، لكن لا تبطل صلاتُه.
  10. والتكبيراتُ عند الخفضِ والرفعِ. أي عند الانتقالِ من فعلٍ إلى ءاخرَ. وقولُ: (سمعَ الله لمَنْ حَمِدَه) حينَ يرفعُ رأسَه من الركوع. (يعني أولَ ما يرفعُ رأسَه من الركوعِ يقول: سمعَ الله لمن حمده. فإذا اعتدل قال: ربنا لك الحمد) ومعنى سمع الله لمن حمده: تقبّل الله منه حَمْدَه وجازاه عليه. فإذا انتصبَ قائمًا يقول: ربنا لك الحمدُ. ولا فرقَ بينَ الإمامِ والمأموم، فكل واحد منهما يقول سمع الله لمن حمده. وأما ما ما ورد في الحديثِ “إذا قال الإمامُ سمع اللهُ لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد” فمعناه مع ما علمتُم مِن سمع الله لمن حمده. ويوجد أقوال في المسألة في المذاهب الأخرى.
  11. والتسبيحُ في الركوع والسجود. وأدنى الكمال أن يقول في الركوع: (سبحان ربى العظيم) ثلاثًا (يقال ربي وربيَّ، يجوزُ الوجهان، هذه ياء الضمير، يجوز تسكينُها وفتحُها) وأدنى الكمالِ أن يقول في السجود: (سبحان ربى الأعلى) ثلاثًا.
  12. ووضعُ اليدينِ على الفخذينِ في الجلوسِ للتشهد الأول والأخير. فيبسطُ اليدَ اليسرى بحيثُ تُسامتُ (أي تحاذي) رؤوسُ أصابعِها الركبةَ. ويقبضُ اليدَ اليمنى (أي أصابعَها) إلا المسَبِّحةَ من اليمنى فلا يقبضُها فإنه يُرسلُها ويضمُّ الإبهامَ إليها، ويشيرُ بها رافعًا لها مائلةً قليلًا حال كونه مُتَشَهدًا، وذلك عند قوله (إلا الله) ويَبقى رافعا لها حتى يُسلِّم ولا يُحركُها، فَإِنْ حَرَّكَهَا كُرِهَ ولا تَبطلُ صلاتُه في الأصح. والمالكية يُحرِّكونها ولكن ليس كما يفعل كثير من عامة الناس.
  13. والافتراشُ في جميع الجَلَساتِ. (أي جِلسة الافتراش) الواقعةِ في الصلاةِ كجلوسِ الاستراحة والجلوسِ بين السجدتين وجلوسِ التشهدِ الأولِ، وهو: أن يجلسَ الشخصُ على كعبِ اليسرى جاعلًا ظهرَها للأرض ويَنصِبَ قدمَه اليمنى ويضعَ بالأرضِ أطرافَ أصابِعها لجهةِ القبلة.
  14. والتورُّكُ في الجِلسةِ الأخيرةِ من جَلَسَاتِ الصلاة. وهي جلوسُ التشهدِ الأخير، والتوركُ مثلُ الافتراشِ إلا أن الـمُصلِّي يخرِجُ يسارَه على هيئتِها في الافتراش من جهةِ يمينِه ويُلصقُ وَرِكَه بالأرض. والمسبوقُ في تشهدِ إمامهِ الأخيرِ والساهي الذي شَكَّ في عددِ الركعاتِ ويريدُ القيام بعد سلام إمامه يفترشانِ ولا يتوركان (لأنهما سيسجُدان بعد ذلك) فهذا يسجدُ للسهوِ، وذاك سيقوم ليأتيَ بركعة. والعبرةُ بصلاةِ نفسهِ لا بصلاةِ إمامِهِ، فما أدركَهُ مع الإمام هو أولُ صلاتهِ وإن كانَ ءاخِرَ صلاةِ الإمام فلا يتورك بل يفترش، وكذلك الذي يريدُ أن يسجُدَ سجودَ السهو فلا يكون هذا الجلوس هو الأخير في حقهِ لأنه سيسجدُ ثم يجلسُ بعد ذلك، وفي جلوسه الأخير قبل السلامِ يَتوَرَّك.  فهناكَ صورَتان: الأولى: شخص مسبوقٌ دخلَ في الركعةِ الثالثةِ مع الإمام فجلسَ للتشهدِ مع الإمام، وبالنسبة للإمام فهذه هي الركعة الأخيرة، أما بالنسبة له فهي ليست الأخيرة، فيفترش، ثم بعد افتراشه يقوم ويكمل صلاته. وأما الصورة الثانية: منفردٌ تركَ التشهدَ الأول مثلا، ثم أتى بأربعِ ركعات فيستحبُّ له أن يسجدَ للسهو، وفي التشهد الأخير إن كان عازما على سجودِ السهو يفترش ولا يتورك، ثم بعد أن يجلس بعد سجود السهو وقبل السلام يتورك لأنه ءاخرُ سجودٍ في حقه، وكذلك الحكم إن كان حصل ذلك مع إمام.
  15. والتسليمةُ الثانيةُ. وسُنَّ أن يبتدئَ بها متوجِهَ القبلةِ بوجهِهِ، ويُنْهِيَها مع تمامِ التفاتِ وجهِه إلى يسارِه. ومِثلُ ذلك التسليمةُ الأولى إلا أنه يلتفِتُ بوجهه إلى يمينه. ويستحبُّ عند التسليم أن ينويَ بسلامه التسليمَ على الملائكةِ ومَن حضرَ من المسلمين. يعني يجعلُ في نيتِه تسليمَ التحلُّل والخروجَ من الصلاة والسلامَ على من حضرَ من المسلمين من إنس وجنٍّ وملائكة.

فسجود السهو يكون إما لترك سنّة من سنن الصلاة، وهي المعبَّر عنها عند علماء الفقه بأبعاض الصلاة. وإما بفعل ما يُبطِلُ عمدُه الصلاةَ ساهِيًا كأن نسي ركنًا من أركان الصلاة كركوعٍ أو سجدة ثم تذكره ففعله،

فإنه يسن له السجود للسهو عنه، وكذا لو زاد ركنًا ساهيًا سجد للسهو عنه، أو شك في عدد الركعات أو هل ركع أو لا فيبني على اليقين وهو الأقل بأن يعتبر ما هو متيقن ويأتي بما يتم به فرضه.

كأن شك في الصلاة الرباعية هل هذه الركعة هي الثالثة أو الرابعة فالمتيقَّنُ هو الثالثة فيأتي بركعة ثم يسجد للسهو في ءاخر صلاته، وكذا إن شك هل سجد سجدتين أو واحدة فالمتيقَّنُ واحدة فيسجد أخرى ثم يسجد للسهو في ءاخر صلاته.

وأما محل سجود السهو فهو في ءاخر الصلاة بعد التشهد والصلاة على النّبيّ ﷺ قبل التسليم بنية سجود السهو، سواء كان لنقصان أم زيادة. وهي كسجدة الصلاة في هيئتها وأذكارها.

وإِنْ ترك الشخص سجود السهو ساهيًا فتذكر بعد السلام وقَصُرَ الفصلُ بين السلام والتذكر فله السجود للسهو وتَرْكُهُ. ومن صلّى مع إمامه فسها المأموم، لم يسجد للسهو بعد صلاة إمامه، إلا أن يكون ما سها فيه المأموم حالة كونه منفردًا عن إمامه فيسجد للسهو في ءاخر صلاته هو بعد سلام الإمام.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

مواقيت صلوات اليوم

    عمان, الأردن
    الصلاةالوقت
    الفجر3:16 AM
    شروق الشمس4:53 AM
    الظهر11:34 AM
    العصر3:13 PM
    المغرب6:15 PM
    العشاء7:41 PM

إن المعرفة الحقيقية لدخول أوقات الصلاة تقوم على المراقبة، أما ما نذكره هنا فمن باب الاستئناس

إن أوقات الصلاة الظاهرة هي فقط لمدينة عمان، الأردن

قنوات التواصل الاجتماعي