زيد المصري - Zaid Al-Masri

سجود الشكر والتلاوة

الحمد للّه ربّ العالمين، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على أشرف الخلق وسيد المرسلين محمد، وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين ومن تبعهم وسار على منوالهم إلى يوم الفصل والدين.

سجود الشكر

أما بعد:

فإن شكر الله تبارك وتعالى على نعمه يحصل بأنواع من العبادات ومنها سجدة تسمى سجدة الشكر، تُسَنّ عند تجدّد نعمة أو اندفاع نِقمة أو رؤية مبتلى، وهي سجدة واحدة تشبه سجدة التلاوة، لكنها تُشرع خارج الصلاة لا فيها،

فيُسنُ للمسلم عند اندفاع النقم ونزولِ النّ‍ِعَم أن يَخِرَّ ساجدًا متذلّلًا شاكرًا لربّه، معترفًا بفضل الله تعالى على عباده وعظيم كرمه،

وإنما قُيّدت سُنّيّة سجدة الشكر بالنّ‍ِعَم المتجددة لا النّعَم المستمرة كالعافية والإسلام لأنَّ نعمَ الله على عباده كثيرة لا نحصيها، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا﴾ سورة النحل.

فلو أراد العبد أن يسجدَ للّه على كلّ نِعمَةٍ لاستغرق ذلك عمره كلّه. فنِعَمُ الله تتوالى علينا ليل نهار وفي كل لمحة ولحظة وحين. إنما لو فَتح الله على العبد برزق وفير مثلًا،

أو بُشّر بمولودٍ، أو بُشّرَ بعودةِ غائبٍ، وما أشبه ذلك من النعم المفاجئة المُفرحة سواء كانت النعمة نازلة به أم بغيره كولد أم أخ ونحوه، يُسنُّ له أن يسجد شاكرًا للّه على ما أنعم وتكرّم به من العطايا، وكذا لو كانت النعمة حصلت لعموم المسلمين كنزول المطر بعد القحط والجفاف، وكالنصر على الأعداء.

 ففي كل هذا ومثله يُسن له سجدة شكر للّه تعالى. وتسن أيضًا عند اندفاع النقم كنجاة من مصيبة أو هدم أو غرقٍ، وكذا من به مرض عُضال أذهبه الله عنه وشفاه أو عن غيره،

ويسجد للشكر لاندفاع النقم أو بلوغ المؤمن خبر يفرحه كزوال بلاءٍ عن المسلمين أو موت ظالم، أو هلاك طاغية فاجر،

وفي حديث أبي داود عن أبي بَكرَةَ عن رسول الله ﷺ أنه كان إذا جاءهُ أمر سرور أو بُشّرَ به خَرَّ ساجدًا شاكرًا للّه، وفيه أيضًا أنه أتاه بشيرٌ يبشّره بنصر جُندٍ له على عدوّهم فقام عليه الصلاة والسلام وخرَّ ساجدًا شاكرًا.

وفي الحديث عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قال: خرج رسول الله ﷺ فاتّبعته حتى دخل نخلًا فسجد فأطال السجود، حتى خِفتُ أو خشيتُ أن يكون الله قد توفاه أو قبضه، فجئتُ أنظر،

فرفع رأسه فقال: «ما شأنك؟» قال: فذكرت ذلك له فقال: «إنَّ جبريل عليه السلام أتاني فبشّرني فقال: إنَّ الله عزّ وجلّ يقول: مَن صلّى عليك صلّيتُ عليه، ومن سلَّم عليك سلّمتُ عليه، فسجدتُ للّه عزّ وجلّ شكرًا» رواه أحمد،

ومعنى «صلّيتُ عليه» أي أعطيتُه رِفعة وثوابًا.

وذكر البيهقي بإسناده أن عليًّا رضي الله عنه لما كتب إلى النّبيّ ﷺ بإسلام همدان (وهي قبيلة في اليمن أسلموا على يد عليّ) فلما بلغ خبر إسلامهم النّبيّ ﷺ خَرَّ ساجدًا ثم رفع رأسه فقال: «السَّلامُ على هَمْدان، السَّلام على همْدان».

وكذا إذا رأى مبتليًا ببليّة أو بمعصية فيستحب له أن يسجد شكرًا للّه تعالى على أنه لم يُصب بذلك وأن الله عافاه. ثم إذا سجد لنعمة أصابته أو بليّة اندفعت عنه ولا تعلّق لها بالغير أظهر السجود.

وإن كان لبلاء في غيره نظر إن لم يكن ذلك الغير معذورًا فيه كالفاسق فيظهر السجود بين يديه تعييرًا له فربما ينزجر ويتوب، وإن كان معذورًا كمن به عاهة مزمنة ونحوها فيُخفي كيلا يتأذّى، ويقول: «الحمد للّه الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضّلني على كثير ممّن خلق تفضيلًا» .

وعلى هذا دأبَ المسلمون بعد رسول الله ﷺ يسجدون سجود الشكر للّه فالخليفة الراشد سيّدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه سجد حين جاءه خبر قتل مُسيلمة الكذّاب الذي كان ادّعى النّبوّة،

وكذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه سجدَ شكرًا للّه تعالى حين وجدَ ذا الثُّدية -وهو أحد زعماء الخوارج- في الذين قتلهم في النهروان وهي معركة قام بها الإمام علي رضي الله عنه،

وسَجَدَ الصحابي كعب بن مالك رضي الله عنه لما جاءتهُ البشرى بأنَّ الله قَبِلَ توبته وغفر له خرَّ ساجدًا للّه شاكرًا،

وتوارى الحسن البصري عن الحجّاج سبع سنين فلما بلغه موته قال: “اللّهمَّ قد أمتّه فأمت سنّته” وسجد شكرًا للّه وقرأ: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31)﴾ سورة إبراهيم.

ولا بد لمن أراد أن يسجد للشكر أن يكون على طهارة كاملة ولا بد فيه من ستر العورة واستقبال القبلة.

سجود التلاوة

إن تلاوة القرءان العظيم من أعظم أبواب الخيرات ومن أجلِّ الأعمال، وقارئ القرءان ينبغي له أن يلتزم بآداب وسنن تلاوة القرءان العظيم، ومنها السجود عند قراءة الآيات التي ثبت أنَّ النّبيَّ ﷺ سجَد عَقِبَ تلاوتها في أغلب الأحيان.

وسُمّي بسجود التلاوة لأنه يكون عند تلاوة وقراءة ءايات مخصوصة في القرءان العظيم. وحكم سجود التلاوة أنه سنّة للمصلي والقارئ في غير صلاة والمستمع له أيضًا.

أما المصلي فإذا وصل في قراءته إلى ءاية فيها سجدة، توقف عن التلاوة وسجد قائلًا: “الله أكبر” ويهوي ساجدًا سجدة واحدة، ثم يقول: “الله أكبر” ويعود واقفًا ويكمل القراءة.

ولو كان إمامًا تَبِعَه المأموم بالسجود معه، ومن كان في تلاوة خارج الصلاة وكان متوضئًا يُسن له أيضًا أن يقف متجهًا للقبلة وينوي ويكبّر للإحرام رافعًا يديه ثم يسجد مرة واحدة ثم يرفع ويسلّم، وهذا في مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه.

وكذا يُسن للمستمع أن يسجد لتلاوة غيره عند سماعه ءايات السجود، فمن كان يستمع لتلاوة من قارئ مباشرة وكان على وضوء يُسن له عند وصول القارئ لآية فيها سجدة أن يسجد.

فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: “كان رسول الله ﷺ يقرأ علينا السورة في غير الصلاة فيسجد، ونسجدُ معه، حتى لا يجد أحدنا مكانًا لموضع جبهته”.

ولو قرأ الشخص سورة فيها أكثر من سجدة، سجدَ كل مرة، كما في سورة (الحَجّ) مثلًا، ويشترط لسجدة التلاوة ما يشترط لسجدة الصلاة من ستر العورة والطهارة واستقبال القبلة ونحو ذلك،

ومن كان على غير طهارة لا يسجد ولكن يستحب له أن يقول: “سبحان الله والحمد للّه ولا إله إلا الله والله أكبر” أربع مرات ويكمل القراءة. ولو قرأ ءاية السجدة ولم يسجد لم يكن في تركه إثم،

فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: “قرأت على النّبيّ ﷺ سورة (النجم) فلم يَسجد فيها”.

وروى البخاري عن عمر رضي الله عنه أنه قرأ يوم الجمعة على المنبر بسورة (النحل) حتى إذا جاءَ السجدة نزَلَ، فسجدَ وسجدَ الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها،

حتى إذا جاءت السجدة قال: “يا أيّها الناس، إنّما نَمرُّ بالسجود، فمن سَجدَ فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثمَ عليه” ولم يسجد عمر رضي الله عنه. وهذا يدلّ على أنها غير واجبة بل تسن،

وفي سجود التلاوة يقال من الأذكار ما يقال في الصلاة، ويُستحب أن يقول في سجوده: “سَجَدَ وجهي للذي خَلقه وصوَّرهُ وشَقَّ سَمعهُ وبصرهُ بحولِهِ وقوتهِ” ذكره النووي.

وإن زاد يقول: “اللّهمَّ اكتب لي بها عندَكَ أجرًا واجعلها لي عندَكَ ذُخرًا، وضع عَني بها وِزرًا، واقبَلها مني كمَا قَبِلتَها من عَبدك داود عليه السلام” ثم يرفع رأسه مُكبّرًا كما يرفع من سجود الصلاة. ولو رفع وكان في غير صلاة سَلمَ.

 وسجود التلاوة عبادة، فيها من الخير الكثير، فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله ﷺ: “إِذَا قَرَأَ ابْنُ ءادَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي، يَقُولُ: يَا وَيْلَهُ! وَفِي رِوَايَةٍ: “يَا وَيْلِي، أُمِرَ ابْنُ ءادَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِي النَّارُ” رواه مسلم.

وسجدات التلاوة في المصحف الشريف أربعة عشر موضعًا، أما في سورة (ص) في قوله تعالى: ﴿وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۩ (24)﴾ فهي سجدة عند أبي حنيفة ومالك.

وهذه المواضع الأربعة عشر أُشيرَ إليها في بعض نسخ المصاحف بكلمة (سجدة) أو بحرف (س) أو بوضع خط تحت الكلمة. أو برسم علامة للسجدة.

والآيات التي يُسجد عندها هي:

1ـ سورة الأعراف: ﴿إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206) ۩﴾.

2ـ وسورة الرعد: ﴿وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (15) ۩ ﴾.

3ـ وسورة النحل: ﴿وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50) ۩ ﴾.

4ـ وسورة الإسراء: ﴿قُلْ ءامِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109) ۩ ﴾.

5ـ وسورة مريم: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ ءادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءايَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) ۩ ﴾.

6ـ وسورة الحج: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء (18) ۩ ﴾.

7 – وسورة الحج: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) ۩ ﴾.

8ـ وسورة الفرقان: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60) ۩ ﴾.

9ـ وسورة النمل: ﴿أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) ۩ ﴾.

10ـ وسورة السجدة: ﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) ۩ ﴾.

11ـ وسورة فصلت: ﴿وَمِنْ ءايَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (38) ۩ ﴾.

12ـ وسورة النجم: ﴿فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62) ۩﴾.

13ـ وسورة الانشقاق: ﴿وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْءانُ لا يَسْجُدُونَ (21) ۩ ﴾.

14ـ وسورة العلق: ﴿كَلا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19) ۩﴾.

وما ذكرناه من الأحكام فعلى مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، ولعل عند غيره من الأئمة اختلافًا في حكم سجود التلاوة فليتنبه لذلك.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

مواقيت صلوات اليوم

    عمان, الأردن
    الصلاةالوقت
    الفجر3:15 AM
    شروق الشمس4:52 AM
    الظهر11:34 AM
    العصر3:13 PM
    المغرب6:15 PM
    العشاء7:42 PM

إن المعرفة الحقيقية لدخول أوقات الصلاة تقوم على المراقبة، أما ما نذكره هنا فمن باب الاستئناس

إن أوقات الصلاة الظاهرة هي فقط لمدينة عمان، الأردن

قنوات التواصل الاجتماعي