زيد المصري - Zaid Al-Masri

الحياء – 2

الحَمدُ للهِ رَبِّ العالمينَ، له النعمةُ وله الفضلُ وله الثناءُ الحسن، والصّلاةُ والسّلامُ على سَيِّدِ المرسَلينَ سَيِّدِنا محمّدٍ وعلى جميعِ إِخوانِهِ مِنَ النّبييّنِ والمرسَلينَ وعلى ءالِهِ الطّيِّبينَ الطّاهِرينَ، ومن تبعهُم وسارَ على منوالهم إلى يوم الفصلِ والدين.

أما بعد:

فإن من نظر في تعاليم دين الإسلام وفي هدي النبي عليه الصلاة والسلام وجد أن الإسلام لم يترك خصلة من خصال الخير إلا وأمر بها، وقد قال حبيب الله صلوات ربي وسلامه عليه: “إنما بُعثتُ لِأُتمم مكارمَ الأخلاق”

وقد تكلمنا عنْ خُلُقٍ عظيمٍ هوَ عمودُ الأخلاقِ كلِّها، والسَدُّ المنيعُ عن الرذائِلِ وهو خُلُقُ الحياءِ. وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ” رواه مسلم.

وقال ﷺ فيما رواه الإمام مسلم: “الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلا بِخَيْرٍ” فَصِدْقُ الحديثِ ونُصْحُ الناسِ وأداءُ الأمانةِ وصِلَةُ الرَّحِمِ والمكافأةُ على الصَّنيعِ وبذلُ المعروفِ وحفظُ الجِوارِ وإكرام الضَّيْفِ وتركُ التشديدِ في المـُطالبَةِ بالدينِ وعدمُ الإلحاحِ بالطَّلِبِ وغيرُ ذلكَ مِنْ مكارِم الأخْلاقِ كلُّ ذلك رأسُه الحياءُ.

وعَنْ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ الله ﷺ: “اسْتَحْيُوا مِنْ الله حَقَّ الحَيَاءِ” قال: قُلْنَا: يَا نَبِيَّ الله إِنَّا لَنَسْتَحْيِي وَالحمدُ لله،

قَالَ: “لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الاسْتِحَيَاءَ مِنَ الله حَقَّ الْحَيَاءِ: أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَتَحْفَظَ البَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ المَوْتَ وَالبِلَى. وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنَ الله حَقَّ الْحَيَاء” رواه الترمذي.

وإِنَّ الوَجْهَ المصُوْنَ بِالحَيَاءِ، كَالجَوْهَرِ المَكْنُوْنِ فِي الوِعَاءِ، وَكَاللَّآلِئِ فِي البِحَارِ. وعَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنه قَالَ: “مَا كَانَ الحَيَاءُ فِي شَىءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا كَانَ الفُحْشُ فِي شَىءٍ إِلَّا شَانَهُ”

فَلَا يَكُونُ الحياء فِي شَىءٍ مِنَ الأَقوَالِ وَالأَفعَالِ إِلَّا زَيَّنَهُ وَجَمَّلَهُ وَحَسَّنَهُ، وَلَا يُنزَعُ مِن شَىءٍ إِلَّا شَانَهُ وَعَابَهُ وَقَبَّحَهُ، وَجَرَّ إِلَيهِ العَيْبَ وَالقُبْحَ، فالحَيَاءُ مِفْتَاحُ كُلِّ خَيْرٍ، وَالفُحشُ مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ.

وَروى أحمد والنسائي وأبو داود عَن يَعلَـى بنِ أُمَيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّـهِ ﷺ رَأَى رَجُلًا يَغتَسِلُ بِالبَـرَازِ بِلَا إِزَارٍ، (والبَراز: الفضاء الواسعُ الخالي من الشَّجر ونحوه) فَصَعِدَ الـمِنبَـرَ فَحَـمِدَ الله وَأَثنَى عَلَـيـهِ ثُمَّ قَالَ ﷺ: “إِنَّ اللَّـهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّـيـرٌ، يُـحِبُّ الـحَيَاءَ وَالسِّتـرَ، فَإِذَا اغتَسَلَ أَحَدُكُم فَلـيَستَتِـر” .

 وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رسول الله ﷺ: “إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت” رواه البخاري.

أي أن هذا مأثور عن الأنبياء المتقدمين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، والناس تداولوه بينهم وتوارثوه عنهم قَرنًا بَعدَ قَرْن، فاشتهر بين الناس حتى وصل إلى هذه الأمة.

وقوله ﷺ: “إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت” معناه أن الذي خلع جلباب الحياء يصنع ما يشاء. وهذا ذمّ لمن لا يستحي، لأن الحياء يمنع من الرذائل فمن ليس له حياء ينطلق في الرذائل.

فقوله “فَاصْنَعْ مَا شِئْت” ليس على سبيل الأمر وإنما هو على سبيل الذم والنهي، ليس بمعنى الأمر أن يصنع ما شاء، ولكنه على معنى الذم والنهي عنه، فهو بمعنى التهديد والوعيد،

والمعنى: إذا لم يكن عندك حياء فاعمل ما شئت فالله يجازيك عليه، كقول الله تعالى: ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)﴾ سورة فصلت.

وكقوله تعالى: ﴿فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)﴾ سورة الزمر.

أو هو على معنى الخبر. والمعنى: أن من لم يستحي صنع ما شاء.

 فالمانع من فعل القبائح هو الحياء، فمن لم يكن له حياء انهمك في كل فحشاء ومنكر، أي أَنَّ الرَّادِعَ عَنِ القَبِيحِ إِنَّمَا هُوَ الحَيَاءُ، وبِغِيَابِ الحَيَاء تَتَدَمَّرُ الأَخْلَاقُ، وَتُرْتَكَبُ الفَوَاحِشُ وَالمُوْبِقَاتُ، فَمَنْ لَمْ يَسْتَحِ فَإِنَّهُ يَصْنَعُ مَا شَاءَ.

فَالحَيَاءُ هُوَ الحَائِلُ بَيْنَ الإِقْدَامِ عَلَى المَعْصِيَةِ وَالإِمْسَاكِ عَنْهَا، فَالَّذِي لَا حَيَاءَ لَهُ لَا مَاَنِعَ لهُ، فَهَذَا لَا يَمْنَعُهُ مَانِعٌ مِنَ الإِقْدَامِ عَلَى المَعْصِيَةِ لِيَفْعَلَهَا.

كما قال الشاعر:

وَرُبَّ قَبِيْحَةٍ مَا حَالَ بَيــــنِي

وَبَيْــــنَ رُكُــــوْبِهَا إِلَّا الحَيَــــاءُ

 

فَكَانَ هُوَ الدَّوَاءَ لَهَا وَلَكِنْ

إِذَا ذَهَبَ الحَيَاءُ فَلَا دَوَاءُ

 

وَلِلَّهِ دَرُّ القَائِلِ:

 إِذَا لَمْ تَخْشَ عَاقِبَةَ اللَّيَــــــــــالِي

وَلَمْ تَسْتَحِ فَافْعَلْ مَا تَشَـــــــــــاءُ

 

فَلَا وَاللَّهِ مَا فِيْ العَيْشِ خَيْرٌ

وَلَا الدُّنْيَا إِذَا ذَهَـــــــبَ الحَيَاءُ

 

يَعِيْشُ المَرْءُ مَا اسْتَـحْيَا بِخَيْرٍ

 وَيَبْقَى العُودُ مَا بَقِيَ اللِّحَاءُ

أي يَبْقَى العُودُ غَضًّا طَرِيًّا مَا بَقِيَتِ القِشْرَةُ الخَضْرَاءُ، فَإِنْ سَقَطَتْ فَقَد ءاذَنَتْ بِالضُّمُورِ. وَهَكَذَا النَّاسُ يَعِيْشُوْنَ فِي حَيَاةٍ وَسَعَادَةٍ مَا دَامَ فِيْهِمْ خُلُقُ الحَيَاءِ، وَإِذَا فَقَدُوهُ فَقَدْ فَقَدوا خُلُقًا عَظِيمًا، فَتصعبُ الحَيَاةَ بِلَا حَيَاءٍ.

وبعض الناس يكون على هذا الخلق العظيم من صغره، وهذا الحياء يخلقه الله ويوجده في جبلة المرء، بحيث ينشأ من الصغر متصفا بالحياء فيجتنب القبيح ويفعل الحسن منذ نعومة أظفاره كحال نبينا المصطفى ﷺ وهذا من أجمل الأخلاق ولهذا قال ﷺ: “الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ” رواه مسلم.

وقال أحد الصالحين: “تركت الذنوب حياء أربعين سنة ثم أدركني الورع”

فمن رُزق هذا فليحمد الله وليحافظ على هذه النعمة الجليلة.

وبعض الناس يكتسبون الحياء، وذلك بأن يتخلق المرء به ويكتسبه بالتعلم والتربية والمجاهدة والمصابرة والتفكر ولم يكن الحياء من خُلقه.

ثم إن التفكر في ءالاء الله وفي نعم الله مع الاعتراف بالتقصير بشكر الله على هذه النعم يورث المؤمن الحياء. وكذلك معرفة فضائل الحياء وثوابه يعين على الاتصاف بالحياء.

وكذلك صحبة أهل المروءة والحياء تُكسب الحياء. والتفكر في الآثار المترتبة على ترك الحياء يحمل المرء على التحلي بالحياء. والذي يكون على الحياء يستر العيوب،

ولذلك قال أحد الصالحين: “إن المرء إذا كان على الحياء فإنه يدفن عيوبه” والحياء يجعل لصاحبه مودة بين الناس، وبالضد من ذلك فإن مصاحبة أهل الوقاحة والسفه تُورث السَّفَه وقلة الحياء وقلة الأدب. والجهل بفضل الحياء يزهد المرء فيه، وكثرة الذنوب واتباع الهوى تجعل القلب خال من الحياء.

ولما ترك كثير من الناس الحياء وفضائل الأخلاق، صاروا لا يبالون من ارتكاب قبائح الأمور والمجاهرة بها أمام الناس، وانتشر في كثير من المجتمعات إظهار الفواحش والمنكرات، وهذا سببه ضعف الإيمان والافتتان بحب الدنيا وطول الأمل،

ولهذا قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “من قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه”

وقد كان المسلمون يغلب عليهم الحياء، ويَستَتِرُون ويطلبون رحمة الله وعفوه، وكان الحياء يظهر في مجالسهم وطرقاتهم وأسواقهم، ولذلك ينبغي على الأهل أن يربوا أولادهم على الحياء،

وينبغي على العالِم والمعلم مراعاة ذلك في تلاميذه. وجلباب الحياء أعظم ما تستتر به المرأة، وله أثر عظيم في صلاح أقوالها وأفعالها وتصرفاتها. وإذا تسلحت به خفضت صوتها ولزمت بيتها إلا لحاجة،

واعتزلت نوادي الرجال ولم تزاحمهم حياء من الله، وغلب عليها الستر والصيانة، وربما تركت شيئا من مصالحها خوفا من خدش الحياء، كحال نساء السلف المتعففات العابدات.

وإذا تركت المرأة الحياء فسد طبعها، وقل سترها، وبرزت للرجال وظهرت مساوئها، وتشبهت بالرجل. كحال كثير من نساء اللاتي يكثرن من مخالطة الرجال ويظهرن زينتهن للأجانب ولا يتحرجن عن كل ما يخدش الحياء.

وقوة المرأة وعزها وجمالها في التحلي بالحياء، وضعف المرأة وذلها وقبحها في ترك الحياء، لا كما يظنه السفهاء وأهل الفتنة.

وقد جاء عن رسول الله ﷺ: “المرأةُ عورةٌ فإذا خرجت استشرفَها الشيطانُ (أي حطَّ اهتمامَه عليها ليَفْتِنَ بها غيرَها) وأقربُ ما تكونُ المرأةُ من وجهِ ربها إذا كانت في قعر بيتها” أي أقربُ ما تكون المرأةُ من طاعة ربها إذا كانت في قعر بيتها.

معناه المطلوبُ منها أن تبالغَ بالستر ولا تخرجَ من بيتها إلا لحاجةٍ، مع العلمِ أنه لا يحرمُ عليها خروجُها من بيتها إذا كانت ساترةً للعورة وملتزمةً بالشرع في ذلك.

فللحياء المحمود ءاثار خُلُقية حسنة تظهر على نفس الإنسان، منها: الصد عن الفعل القبيح. والمروءة، وعدم لقاء الناس بما يكرهون، واللين مع الناس، والرأفة بهم، والبشاشة معهم، وحسن الثناء عليهم، والسماحة، والعفّة.

وعاداتُ الساداتِ هي ساداتُ العادات، عاداتُ الأنبياءِ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين هي ساداتُ العاداتِ، فعليكم بالأخلاقِ المحمدية وبالآدابِ النبويةِ الشريفة، وبملازمة الشريعة والعادات الحسنة وبتربيةِ أولادكم على الآدابِ الإسلاميةِ الحميدة وعلى الحياء والحِشمة والعفة والتعفّف.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل الحياء والخلق الحسن، ونسأله تعالى أن يجعلنا من أهل الصفاء والنقاء والورع والتقوى.

اللهم يسر لنا سبُلَ الخيرِ وألهمنا الرشادَ لما فيه مصلحتُنا في الدنيا والآخرةِ، إنك على كلِّ شىء قدير وإنك بعبادك لطيف خبير.

وَصَلَّى اللهُ على سَيِّدِنا محمَّدٍ أَشرَفِ المُرسَلينَ، وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين. وءاخِرُ دَعوانا أَن الحمدُ للهِ رَبِّ العالمين.

مواقيت صلوات اليوم

    عمان, الأردن
    الصلاةالوقت
    الفجر3:16 AM
    شروق الشمس4:53 AM
    الظهر11:34 AM
    العصر3:13 PM
    المغرب6:15 PM
    العشاء7:41 PM

إن المعرفة الحقيقية لدخول أوقات الصلاة تقوم على المراقبة، أما ما نذكره هنا فمن باب الاستئناس

إن أوقات الصلاة الظاهرة هي فقط لمدينة عمان، الأردن

قنوات التواصل الاجتماعي