زيد المصري - Zaid Al-Masri

جمع القرءان الكريم

الحمد لله رب العالمين، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين ومن تبعهم وسار على منوالهم إلى يوم الفصل والدين.

أما بعد:

فإن الله تعالى حفظ القرءان الكريم من التغيير والتبديل والتحريف، فقال عز وجل: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ سورة الحجر. والذكر هو القرءان.

ومعنى: ﴿وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ أي وإنا للقرءان لحافظون من أن يزاد فيه ما ليس منه، أو ينقص منه ما هو من أحكامه وحدوده وفرائضه،

وبهذا يتضح من دلالة الآية أن الله سبحانه تكفَّل بحفظ القرءان وقال سبحانه: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ سورة النحل. فالله سبحانه أنزل القرءان وحفظه من أن يزاد فيه أو ينقص أو يحصل فيه تغيير أو تبديل أو تحريف،

وقد قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ سورة فصلت، وقال تعالى: ﴿لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءانَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءانَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ سورة القيامة.

وكان النبي ﷺ يحض الصحابة على تعلم القرءان وتعليمه، وكان لديه ما يزيد عن أربعين كاتبًا يكتبون الوحي من الذكر الحكيم، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يكتبونه ويسارعون إلى حفظه،

ومن هؤلاء الصحابي الجليل زيد بن ثابت رضي الله عنه، فقد أوكل النبي ﷺ إليه هذا العمل، وكان القرءان كله مكتوبًا في رقاع وغيرها في عهد النبي ﷺ، وكانت مكتوبة بمحضره عليه السلام يحرسها الصحابة في بيوتهم،

وكانت المدينة دارًا للقراء ينزلها الوافدون من أهل القراءة منذ عهد مصعب بن عمير رضي الله عنه. وأمر النبي ﷺ أفذاذًا من قراء الصحابة أن يقوموا بتعليم القرءان لجمهور المسلمين، وأَمَرَ المسلمين بتعلم القرءان حتى امتلأت المدينة المنورة بالقراء،

وكان النبي ﷺ يبعث الجماعات من القراء إلى الجهات التي أسلم أهلها لتفقيههم في الدين ولتعليمهم القرءان، وعدد هؤلاء في غاية الكثرة، ذكرت أسماؤهم في كتب السير والكتب المؤلفة في الصحابة،

واستشهد في بئر معونة فقط نحو سبعين قارئًا غدرًا، واستاء النبي ﷺ غاية الاستياء واستمر يقنُت شهرًا بسبب غدر هؤلاء القوم بهؤلاء القراء.

وقد نزل القرءان الكريم منجمًا أي مُفَرَّقًا، مما سهل على الصحابة حفظه، وكان الصحابة قد اعتادوا أن يحفظوا الأشعار والمواعظ والخطب، ورزقهم الله قوة الذاكرة وسرعة الحفظ، ولهم التفوق البالغ في ذلك،

فأخذ القرءان بمجامع قلوبهم وبهر بصائرهم ببلاغته البالغة ومعانيه العالية، فانكبوا على قراءته وحفظه وتعلُّمه وتعلِيمِه فحَفِظَهُ منهم عدد كبير، ففي عهده ﷺ  كانوا يُعَلِّمُونَ ءاياتِ القرءان ءاياتٍ ءايات،

فوزعوا القرءان على جماعات تكثيرًا لعدد حفاظ القرءان، فمنهم من يحفظ القرءان كله ومنهم من يحفظ سورًا، وقد أنزل الله تعالى قولَه: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ سورة القمر. أي سهلنا حفظه لمن كان طالبا لحفظه.

 وكان من بينهم من يؤم القوم في الصلوات الجهرية لا سيما الفجر بقراءة السبع الطوال، وكان بينهم من يختم القرءان في ركعة واحدة كما فعل سيدنا وحبيبنا عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه.

وصح عن رسول الله ﷺ أن جبريل عليه السلام كان يُعارضه القرءان في كل سنة مرة في شهر رمضان، وفي عام وفاته كانت المعارضة بينهما مرتين في شهر رمضان، والمعارضة تكون بقراءة هذا مرة واستماع ذاك،

ثم قراءة ذاك واستماع هذا، فتكون القراءة بينهما في كل سنة مرتين وفي سنة وفاته عليه السلام أربع مرات، وجمع النبي ﷺ الصحابة وعرض عليهم القرءان ءاخر عرضة قبل وفاته.

والقراءات الواردة في العرضة الأخيرة المتواترة في كل الطبقات، وهذه القراءات محفوظة مدى الدهر، وترتيب السور والآيات في المصحف المتواتر ليس على ترتيب النزول بل هذا الترتيب المتواتر هو الترتيب المتلقى من النبي صلوات الله عليه في العرض الأخير،

وكان الرسول ﷺ يرشد الأمة كلما نزلت ءاية إلى موضعها بين الآيات في السور كما كان يرشدهم إلى ترتيب السور على ما في الحديث الصحيح عن تجزئة القرءان، فترتيب السور والآيات في السور توقيفي.

جمع القرءان في عهد أبي بكر رضي الله عنه

لم يحصل جمع السور وءاياتها كلها في مصحف واحد في عهد النبي ﷺ ، لقصر المدة بين زمن نزول ءاخر ما نزل من القرءان ووفاة النبي ﷺ ، واستشهاد جماعة كبيرة من قراء الصحابة في اليمامة،

هو الباعث على اقتراح سيدنا عمر رضي الله عنه، وذلك أن يجمعوا القرءان في صحف، ووافقه الصديق وسائر الصحابة رضوان الله عليهم على ذلك، فجمعت ءايات كل سورة في صحف خاصة وقراطيس، بخط زيد بن ثابت رضي الله عنه تحت اشراف جمهرة القراء من الصحابة.

وجروا على طريقة الكتابة من عين ما كُتب بين يدي الرسول ﷺ بعد الثبوت بشهادة عدلين، أن القِطع المكتوبة هي ما كتب بعينه بين يدي رسول الله ﷺ ، والصحابة الذين كانوا يحفظونه كانوا في غاية من الكثرة، فكتبت مئات من المصاحف من تلك الصحف البكرية.

جمع القرءان أيام عثمان رضي الله عنه

ولما اتسع نطاق الفتوحات الإسلامية جدًا وبدأت الأغلاط في التلاوة تذيع في البلاد الشاسعة، أجمع الصحابة في عهد عثمان رضي الله عنه على نسخ مصاحف من صحف أبي بكر وإرسالها إلى أمصار المسلمين تحت إشراف قراء معروفين،

ليقابل أهل كل قطر مصاحفهم بالمصاحف المكتوبة المرسلة إليهم، وليتخذوها أئمة يقتدون بها في التلاوة والكتابة بنبذ ما سوى ذلك من المصاحف التي كتبها أفراد وغلطوا فيها. وتولى زيد بن ثابت رضي الله عنه هذا الأمر،

وكان من المساعدين له في أمر النسخ: أُبي بن كعب رضي الله عنه وهو شيخ القراء من الصحابة، وكان معهما رهط من الصحابة، كما كان زيد هو القائم به أيام أبي بكر رضي الله عنهم،

وكان زيد أكثر كُتَّاب الوحي ملازمة للنبي ﷺ في كتابة الوحي، ولذلك وقع عليه الاختيار في العهدين وذلك أيضا لقوته وجودة خطه وطول ممارسته لمهمة كتابة القرءان فيكون أجدر بذلك، واتحاد الرسم واتباع نمط واحد في الرسم في جميع أدوار كتابة القرءان أمر مطلوب جدًا.

وقد وافق ابن مسعود رضي الله عنه الجماعة على هذا العمل الحكيم رغم مطالبته بإسناد هذه المهمة له، ولكن سيدنا عثمان أسند هذه المهمة لزيد بن ثابت، ولا أحد ينكر فضل ابن مسعود في علم القرءان الكريم

ولكن لم يسند سيدنا عثمان له أمر كتابة القرءان الكريم لأنه كان هو القائم بمهمة عظيمة في الكوفة يفقه أهلها في دين الله ويعلمهم القرءان، وكان من المطلوب أن يستمر على تعهد غراسه لتؤتي أكلها بإذن ربه.

وقد استمر عمل الجماعة في نسخ المصاحف مدة خمس سنين، من سنة خمس وعشرين إلى سنة ثلاثين،

وقد شكرت الأمة صنيع عثمان هذا شكرًا عميقًا وفي مقدمتهم عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه، بل كان يقول: “لو وُلِّيتُ لفعلت في المصاحف الذي فعله عثمان” كما روى ذلك أبو عبيد في فضائل القرءان.

وقد احتفظ عثمان بمصحف لأهل المدينة وبمصحف لنفسه غير ما أرسل إلى مكة والشام والكوفة والبصرة. وتاريخ هذه المصاحف مدون.

مساعي الصحابة في الأمصار

 سعى قراء الصحابة المبعوثين إلى الأقطار النائية في تعليم القرءان وتحفيظه، وقد اكتظت كتب التاريخ في أخبار الصحابة وأنباء الأمصار وتراجم قراء البلاد بمساعيهم الحميدة في ذلك كتاريخ دمشق لابن عساكر،

ولم يكن عدد المصاحف في البلاد الاسلامية في عهد الصحابة يقل عن مائة ألف مصحف بالنظر إلى سعة مساحة البلاد المفتوحة وعناية أهلها بتعليم القرءان الكريم.

وكان سيدنا عمر رضي الله عنه يفرض مرتبات من بيت مال المسلمين للذين يستظهرون كتاب الله الكريم إلى أن خشي أن يشتغل الناس بحفظ القرءان ويهملوا أمر التفقه فيه،

وكان جماعة من كبار الصحابة تفرغوا لتعليم الناس القرءان في المدينة المنورة بأمر النبي ﷺ حتى امتلأت المدينة المنورة بالقراء، وكان لمعاذ بن جبل ثم لابن عباس رضي الله عنهم عناية عظيمة بتعليم القرءان وعلومه في مكة المكرمة،

وكان ممن جمعوا بين التحفيظ والتفقيه ابن مسعود وابن عباس رضى الله عنهم، وعلم ابن مسعود القرءان لعدد عظيم من أهل الكوفة، ووصل جملة أتباع ابن مسعود من القراء وحده أكثر من أربعة ءالاف قارىء هم من خيار التابعين من تلاميذه وتلاميذ تلاميذه.

وقد تواترت عن ابن مسعود قراءته بطريق أصحابه من أهل الكوفة، وقد تلقاها عاصم بن ذر بن حبيش عنه رضي الله عنه وهي التي يرويها أبو بكر بن عياش عن عاصم وتواترها البالغ مما لا يتناطح فيه،

وكان أبو موسى الاشعري رضى الله عنه في البصرة يقسم تلاميذه حلقة حلقة ويجعل لكل حلقة نقيبًا يشرف عليهم ثم هو يشرف على الجميع تعليمًا وتحفيظًا كل يوم من طلوع الشمس إلى الظهر في جامع البصرة.

ويفعل مثل ذلك أبو الدرداء رضي الله عنه في جامع دمشق كل يوم إلى أن توفي بالشام. كان يقسم المتعلمين عشرة عشرة ويعين لكل عشرة عريفًا يعلمهم القرءان وهو يشرف على الجميع يراجعونه اذا غلطوا في شىء. وهكذا كان أصحابهم وأصحاب أصحابهم.

نفعنا الله تعالى بالقرءان الكريم ورزقنا تلاوته ءاناء الليل وأطراف النهار إنه نعم المولى ونعم النصير وعليه تكلاننا وإليه المصير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

مواقيت صلوات اليوم

    عمان, الأردن
    الصلاةالوقت
    الفجر3:16 AM
    شروق الشمس4:53 AM
    الظهر11:34 AM
    العصر3:13 PM
    المغرب6:15 PM
    العشاء7:41 PM

إن المعرفة الحقيقية لدخول أوقات الصلاة تقوم على المراقبة، أما ما نذكره هنا فمن باب الاستئناس

إن أوقات الصلاة الظاهرة هي فقط لمدينة عمان، الأردن

قنوات التواصل الاجتماعي