زيد المصري - Zaid Al-Masri

تعريف البدعة (1)

الحمدُ لله الذي طيَّبَ طيبة وشرفها بسيدنا محمدٍ صاحب السيادة، وعطّرَ تربتها بحلولِهِ فيها فَفُضِّلَتْ على البلادِ بزيادة، وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لهُ عالمُ الغيبِ والشهادة، وأشهد أنَّ سيدنا محمدا عبدهُ ورسولهُ من خصَّهُ الله بالشفاعةِ العظمى وبلَّغَهُ مُراده، المصطفى الذي قد اختارهُ الله من العبادِ وزاده، وأعطى الفوزَ لمن ءامنَ بهِ وزارهُ في المدينَةِ وأَعْظِمْ بها من عباده، وبشّرَ من تبعَهُ وعمل بِسُنَّتِهِ بالخير والسعادة، اللهم صلِّ وسلم وأنعم وأكرم على نبيّك وحبيبكَ محمد وعلى الخلفاء الأربعة أصحاب السيادة، أبي بكرٍ أفضل الأولياء والقادة، وعمر الذي توسل بالعباس في عام الرمادة، وعثمان الذي زاد في الجمعة أذانا ثانيا فأنعم بها من زيادة، وعليٍّ الذي بدعوة المصطفى نور الله فؤاده.

أما بعد: فقد كثـر الكلام عن البدعة فمن الناس من يقسمها إلى قسمين، ومن الناس من لا يفرق فيجعل كل محدَث بعد الرسول مهما كان من البدع الضلالة، فأحببتُ توضيح الأمر على حقيقته عند أهل السنة مع ذكر الأدلة الشرعية مع بيان معنى البدعة لغة واصطلاحًا.

 

تعريف البدعة

فالبدعة لغة: ما أحدث على غير مثال سابق. وفي الشرع: المحدث الذي لم يَنُصَّ عليه القرءانُ ولا الحديث.

فليست البدعة والمحدث مذمومين لِلَفظ بدعة ومحدث ولا معنييهما، وإنما يذم من البدع ما يخالف السنة، ويذم من المحدثات ما دعا إلى الضلالة.

 

أقسام البدعة

وتقسم البدعة إلى قسمين: البِدْعَةُ الحَسَنَةُ، وتُسَمَّى السُّـنَّةَ الحَسَنَةَ. والبِدْعَةُ السَّـيِّئَةُ، وتُسَمَّى السُّـنَّةَ السَّـيِّئَةَ.

فالبدعة الحسنة: هي المُحْدَثُ الذي يُوَافِقُ القرءانَ والسُّـنَّة. والبدعة السَّـيِّئَةُ: وهي المُحْدَثُ الذي يخالفُ القرءانَ والحديثَ.

 

الأدلة على أقسام البدعة

ويدل على ذلك من الحديث ما رواه مسلم في صحيحه من حديث جَرِيرِ بنِ عبدِ الله البَجَلِيِّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حَسَـنَةً فلهُ أجرُها وأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بها بعدَه من غيرِ أنْ يَنْقُصَ من أُجُورِهم شىء، ومَنْ سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً سَيِّـئَةً كانَ عليه وِزْرُهَا ووِزْرُ مَنْ عَمِلَ بها من بعدِه من غيرِ أنْ يَنْقُصَ من أَوْزَارِهم شىء”

فهذا الحديث فيه بيان أن من أحدث شيئًا في الدين يوافق شرع الله تعالى فهو مثابٌ على فعله بل وله ثواب يشبه من تبعه في هذا العمل، وأما من أحدث شيئًا في الدين يخالفُ شرع الله فهو عاص وعليه وزر ووزرُ من تبعه في هذا العمل، فليس كل شئ أُحدث لم يفعلهُ الرسول حرام مذموم.

 

وأما حديث البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ أَحْدَثَ في أمرِنا هذا ما ليسَ فيه فهُوَ رَدٌّ” أي مردود. وفي رِوَايةٍ أخرى عند البخاريِّ: “مَنْ عَمِلَ عَمَلًا ليسَ عليهِ أمرُنا فهو رَدٌّ” فأَفْهَمَ رسولُ الله بقولهِ: “ما ليسَ منه” أنَّ الْمُحْدَثَ إنما يكونُ رَدًّا أيْ مَرْدُودًا إذا كانَ على خلافِ الشَّريعةِ وأنَّ الْمُحْدَثَ الموافقَ للشَّريعةِ ليسَ مَرْدُودًا.

وأما حديث أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “وإياكم ومحدثاتِ الأمورِ فإن كلَّ محدثةٍ بدعةٌ وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ وكلَ ضلالةٍ في النار” فمعناه كما قال الإمام النووي في كتابه شرح صحيح مسلم: “قوله صلى الله عليه وسلم: “وكل بدعة ضلالة” هذا عام مخصوص والمراد به غالب البدع” اهـ.

ولا يمنع من كون الحديث عامًا مخصوصًا قوله عليه السلام: “كلَّ بدعة” مؤكدًا بكل، بل يدخله التخصيص مع ذلك كقوله تعالى عن الريح التي أرسها على قوم عاد: {تُدَمِّر كلَّ شىء} سورة الأحقاف. ومعناه تدمر الريح كل شئ مرّت عليه من رجال عاد وأموالهم.

 

وقد أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته رجلًا قال ذِكرًا في الصلاة لم يكن الرسول قد علمه لأصحابه، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن رفاعة بن رافع الزُّرقي قال: كنا يومًا نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال: “سمع الله لمن حمده” فقال رجل وراءه: (ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه)

فلما انصرف قال: “من المتكلم؟” قال: أنا. قال: “رأيت بضعة وثلاثين ملكًا يبتدرونها أيهم يكتبها أول” قال الحافظ ابن حجر في الفتح في شرح هذا الحديث: “واستُدل به على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان غير مخالف للمأثور” اهـ.

وقال الإمامُ الشَّافعيُّ رضيَ الله عنه: “المُحْدَثاتُ من الأُمورِ ضربان: أَحَدُهُما ما أُحْدِثَ ممَّا يخالفُ كتابًا أو سُنَّةً أو أَثَرًا أو إجماعًا فهذه البدعةُ الضَّلالة. والثَّانيةُ ما أُحْدِثَ من الخيرِ لا خلافَ فيهِ لواحدٍ من هذا، وهذه مُحْدَثَةٌ غيرُ مَذْمُومَة ” رواهُ البيهقيُّ بالاسنادِ الصَّحيحِ في كتابهِ (مناقب الشَّافعيِّ) (ج1/ص469) .

ويقولُ الحافظ ابنُ حَجَرٍ في كتابهِ (فتح الباري) كتاب الاعتصام بالكتاب والسُّـنَّة: “قال الشَّافِعِيُّ: “البِدْعَةُ بِدْعَتَانِ محمودةٌ ومَذْمُومَةٌ، فَمَا وافقَ السُّـنَّةَ فهو محمودٌ وما خالفَها فهو مَذْمُومٌ”.

 

ويقول الإمام النَّوَوِيُّ في كتاب (تهذيب الأسماء واللُّغات) ما نصُّه: “البِدْعَةُ في الشَّرْعِ هي إحداثُ ما لم يَكُنْ في عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي منقسمةٌ إلى حَسَنَةٍ وقبيحة”.

قال النووي رحمه الله: “وقال الإمامُ الشَّيْخُ الْمُجْمَعُ على إمامتهِ وتمَكُّنهِ في أنواعِ العلومِ وبراعتهِ أبو مُحَمَّدٍ عبدُ العزيزِ بنُ عبدِ السَّلامِ في ءاخرِ كتاب (القواعد): “البدعةُ منقسمةٌ إلى واجبةٍ ومُحَرَّمَةٍ ومندوبةٍ ومكروهةٍ ومباحةٍ، والطَّريقُ في ذلكَ أنْ تُعْرَضَ البدعةُ على قواعدِ الشَّريعةِ، فإنْ دخلتْ في قواعدِ الإيجابِ فهيَ واجبة، أو في قواعدِ التحريمِ فمُحَرَّمَة، أوِ النَّدْبِ فمندوبة، أو المكروهِ فمكروهة، أو المباحِ فمباحة” انتهى كلامُ النَّوَوِيِّ.

 

وقال الفقيهُ ابنُ عابِدِينَ الحنفيُّ في (رَدِّ المحتارِ على الدُّرِّ المختار) (ج1/ص376) ما نصُّه: “فقد تكونُ البدعةُ واجبةً: كَنَصْبِ الأَدِلَّةِ للرَّدِّ على أهلِ الفِرَقِ الضَّالَّةِ وتَعَلُّمِ النَّحْوِ المُفْهِمِ للكتابِ والسُّنَّة. وقد تكونُ مندوبةً: كإحداثِ نحوِ رِبَاطٍ ومدرسةٍ وكُلِّ إحسانٍ لم يَكُنْ في الصَّدْرِ الأَوَّلِ. ومكروهةً: كزَخْرَفَةِ المساجد. ومباحةً: كالتوسُّع بلذيذِ المآكلِ والمشارب والثِّياب” اهـ.

 

وإليك يا طالب الحق يا من أردت اتباع السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ما أحدثه أهل السلف بعد وفاة النبي عليه السلام من أمور لم يفعلها عليه السلام ومنها:

ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن شهاب قال: “فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس على ذلك” قال الحافظ ابن حجر: “أي على ترك الجماعة في التراويح” فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل” ثم عزم فجمعهم على أُبَيّ بن كعب، ثم خرج إليهم وهم يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر: “نعم البدعة هذه”.

فيقال لهؤلاء المشوشين: هل تقولون إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خالف الدين وخالف حديث النبي عليه السلام: “وكل بدعة ضلالة”!!! فالرسول صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ والنَّاسُ على تَرْكِ الجماعةِ في التراويح،

ثمَّ كانَ الأمرُ على ذلكَ في خلافةِ أبي بكرٍ وصَدْرًا من خلافةِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنه، إلى أنْ جَمَعَهُمْ عُمَرُ بعد زَمَنٍ من خلافتهِ على قارِئ واحدٍ  ولم يعترضْ على ما فَعَلَهُ عُمَرُ أحدٌ من الصَّحابة، وكانَ أَوَّلَ مَنْ جَمَعَهُمْ عُمَرُ عليهِ من القُرَّاء أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ،

وقال عُمَرُ بعدَما جَمَعَهُمْ في التَّراويح: “نِعْمَ البِدْعَةُ هذهِ” هذه روايةُ البخاريِّ. وعند مالكٍ في (الْمُوَطَّإ) أنه قال: “نِعْمَتِ البِدْعَةُ هذه” فلو لم يكن في البدعة إلا ما هو قبيح لما قال سيدنا عمر: “نعم البدعة هذه”.

وقال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في الفتح/ كتاب صلاة التروايح ما نصُّه: “والتحقيقُ أنها (أي البدعة) إنْ كانتْ ممَّا تندرجُ تحتَ مُسْتَحْسَنٍ في الشَّرْعِ فهي حَسَنَة، وإنْ كانتْ ممَّا تندرجُ تحتَ مُسْتَقْبَحٍ في الشَّرْعِ فهيَ مُسْتَقْبَحَةٌ، وإلَّا فهيَ من قسمِ المباحِ، وقد تنقسمُ إلى الأحكامِ الخمسة” ا.هـ. ومرادُه بالأحكامِ الخمسةِ: الفَرْضُ والمندوبُ والمباحُ والمكروهُ والحرام.

وروى البخاري في صحيحه عن السائب بن يزيد قال: “كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كان عثمان رضي الله عنه وكثر الناس زاد النداء الثاني على الزوراء”

فهذه بدعة أحدثها عثمان رضي الله عنه لا تخالف أصلًا من أصول الشريعة، فهل يَقْتَصِرُ هؤلاء الذينَ يقولونَ لا تكونُ البدعةُ إلَّا بدعةَ ضلالةٍ على أذانٍ واحدٍ يومَ الجُمُعَةِ كما كانَ الأمرُ أيَّامَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ويعتبرون أن عثمان مبتدع ضال!! أمْ يُؤَذِّنُونَ أذانَينِ كما فعلَ عثمانُ،

فما هذا التناقضُ بينَ فِعْلِهِمْ وقولهِم. فإن قالوا لا، نقول إذًا، أنتم تناقضون أنفسكم فتقولون شيئًا وتفعلون عكسه. فسيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه هو زاد أذانًا ثانيًا يومَ الجُمُعَةِ، وكانَ الأمرُ قبلَه أنَّ المُؤَذِّنَ كانَ ينادي للصَّلاةِ يومَ الجُمُعَةِ أَوَّلُهُ إذا جلسَ الإمامُ على المِنْبَرِ،

ثمَّ عثمانُ في خلافتهِ زادَ الأذان الثاني وجَعَلَهُ قبلَ هذا، ومِنْ ذاكَ الوقتِ والمُؤَذِّنونَ يومَ الجُمُعَةِ يُؤَذِّنُونَ مَرَّتَينِ لصلاةِ الجُمُعَةِ، الأَوَّلُ عند دخولِ الوقتِ والثَّاني إذا جلسَ الإمامُ على المِنْبَرِ. وهذا ثابتٌ عند البخاريِّ في صحيحه/كتاب الجُمُعَة/باب الأذان يومَ الجُمُعَة.

 

وها هو الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وهو الذي شهد له الرسول بالصلاح، كان يزيد في التشهد (وحده لا شريك له) ويقول: “أنا زدتها” رواه أبو داود في سننه.

 

ومما يدل على أنه ليس كل ما أحدث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مما لم يُنَص عليه بدعة ضلالة إحداث خُبَيب بن عَدِي ركعتين عندما قدم للقتل، كما جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “فخرجوا به من الحرم ليقتلوه” (أي أن المشركين خرجوا بِخُبَيب من الحرم لقتله)

فقال لَهُمْ خُبَيْبٌ: “دَعُونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ” فَتَرَكُوهُ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ: “وَاللَّهِ لَوْلَا أَنْ تَحْسِبُوا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ لَزِدْتُّ” ثُمَّ قَالَ: “اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا وَاقْتُلْهُمْ بدَدًا وَلَا تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا” ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:

فَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًــــا

عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي

 

وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَـــــــــأْ

يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِـــلْوٍ مُمَزَّعِ

 

ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَتَلَهُ، فكَانَ خُبَيْبٌ رضي الله عنه أول من سن الركعتين عند القتل.

 

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

مواقيت صلوات اليوم

    عمان, الأردن
    الصلاةالوقت
    الفجر3:02 AM
    شروق الشمس4:42 AM
    الظهر11:33 AM
    العصر3:13 PM
    المغرب6:23 PM
    العشاء7:53 PM

إن المعرفة الحقيقية لدخول أوقات الصلاة تقوم على المراقبة، أما ما نذكره هنا فمن باب الاستئناس

إن أوقات الصلاة الظاهرة هي فقط لمدينة عمان، الأردن

قنوات التواصل الاجتماعي