زيد المصري - Zaid Al-Masri

الوعي المجتمعي ودوره في مواجهة التحديات

الحَمدُ للهِ رَبِّ العالمينَ، له النعمةُ وله الفضلُ وله الثناءُ الحسن، والصّلاةُ والسّلامُ على سَيِّدِ المرسَلينَ سَيِّدِنا محمّدٍ وعلى جميعِ إِخوانِهِ مِنَ النّبييّنِ والمرسَلينَ وعلى ءالِهِ الطّيِّبينَ الطّاهِرينَ، ومن تبعهُم وسارَ على منوالهم إلى يوم الفصلِ والدين.

أما بعد:

فقد قال الله تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا (143)﴾ سورة البقرة. والوسطية بعيدة عن الغلو والتقصير.

والوحدة بين أبناء الوطن أمر في غاية الأهمية، فإنّ المجتمع الذي تتمزَّق فيه عُرى الأُخوة والوحدة يكون عُرْضَةً للعنف والشتات، فلا بدّ من وحدة الصفّ بين أبناء المجتمع الواحد كما فعل النبي ﷺ في أوّل مَقدمِهِ إلى المدينة المنورة،

فقد ءاخى ﷺ بين المهاجرين والأنصار وبين الأوس والخزرج، ءاخى عليه الصلاة والسلام بين أهلها والمهاجرين وسمى أهلها الأنصار لأنهم نصروا دين الله تعالى، وبه انطفأت فتنة عظيمة كانت بين قبيلتي الأوس والخزرج بيثرب،

فصار المسلمون على قلب رجل واحد لا يُفرق بينهم طمع ولا دنيا ولا يباعدهم حسد ولا ضغينة حتى غَدَوا كالبنيان المرصوص يشد بعضهم أزر بعض.

ولو نظرنا إلى حال المهاجرين قبل أن يدخلوا في دين الإسلام لوجدنا أنهم كانوا في ضياع، فمنهم من كان يئد ابنته ويقطع رحمه، ويفعل الفواحش ويسجد لصنم ينحته بيده، أو يصوره من تمر فإذا جاع أكله،

ولكنهم لما استجابوا لدعوة الله ورسوله ﷺ وهاجروا ابتغاء مرضاته، أعزهم الله تعالى وأرجعهم إلى بلادهم أعزاء فاتحين،

وأنزل فيهم قرءانا يتلا إلى يوم القيامة حيث قال تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8)﴾ سورة الحشر.

وكذلك لو نظرنا إلى حال الأنصار، فهاهم الأوس والخزرج، قبل هجرة النبي محمد ﷺ إليهم، كانوا في نزاع لا ينقطع، وكان اليهود يبثون بينهم أسباب الفرقة والاختلاف،

فتشهب بينهم المعارك كيوم بعاث الذي اقتتل فيه الأوس والخزرج قتالا عظيما، فأصاب كل منهما الآخر، ولكنهم لما ءامنوا بالرسول ونصروه وصدقوا الله تعالى فيما عاهدوه عليه، انظروا كيف صار حالتهم، وكيف غدا شأنهم،

أنزل الله تعالى فيهم قرءانا يتلا إلى يوم القيامة يتعبد بتلاوته حيث قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)﴾ سورة الحشر.

فاستطاع ﷺ أن يحفظ الوطن في أوّل عهد تأسيسه. والله تعالى يقول: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا (103)﴾ سورة ءال عمران.

 وقال سبحانه: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)﴾ سورة الأنفال.

وقال رسول الله ﷺ كما ثبت في صحيح مسلم من حديث النعمان: “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى” فكونوا جميعًا ولا تتفرّقوا ءاحادًا،

وقد قيل:

تأبى الرّماح إذا اجتمعن تكسّرًا

وإذا تفرّقت تكسّرت أفرادًا

والتكافل الاجتماعي يقصد به أن يكون أفراد المجتمع مشاركين في المحافظة على المصالح العامة والخاصة، ودفع المفاسد والأضرار المادية والمعنوية، بحيث يشعر كل فرد فيه بالمسؤولية،

وخاصة في التعامل مع الذين ليس باستطاعتهم أن يحققوا حاجاتهم الخاصة، وذلك بإيصال المنافع إليهم ودفع الأضرار عنهم.

فقد روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: “مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ” 

وشَتَّانَ مَا بَيْنَ كُرْبَةِ الدُّنْيَا وكُرْبَةِ الآخِرَةِ، فَهَذَا عَطَاءٌ مِنْ صَاحِبِ العَطَاءِ والفَضْلِ. ومَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، ومَنْ فَضَحَ مُسْلِمًا فَضَحَهُ اللهُ ويوم القيامة يفضح على رؤوسِ الأشهادِ.

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ شَهْرًا” يَعْنِي مَسْجِدَه ﷺ في الْمَدِينَةِ. رواه الطبرانبي في المعجم الكبير.

وقَضَاءُ حَوَائِجِ المُسْلِميِنَ سَبَبٌ في بقاء النِّعَمِ لَدَى العَبْدِ، فعَنْ عبدِ اللهِ بْنِ عَمْروٍ رضي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: “إنَّ للهِ عندَ أقوامٍ نِعَمًا أقرَّهَا عندَهُم (أي جَعَلَهَا ثَابِتَةً عِنْدَهُم) ما كانُوا في حَوَائِجِ المسلمينَ ما لم يَمَلُّوهُم، فإذا مَلُّوهُم نقلَهَا اللهُ إلى غيرِهِم” أخرجَهُ الطبرانيُّ في المُعجمِ الكبيرِ.

وعَنْ عبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي اللهُ عنهما قال: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: “إنَّ للهِ أَقْوَامًا اخْتَصَّهُمْ بالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ العِبَادِ، يُقِرُّهُمْ فِيهَا مَا بَذَلُوهَا، فإذا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا مِنْهُمْ فَحَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِم” وهذا حَدِيثٌ حَسَنٌ.

وفي هذا الحَدِيثِ يُبَيِّنُ لنا نَبِيُّنَا ﷺ أَنَّ أَقْوَامًا اخْتَصَّهُمُ اللهُ تبارك وتعالى بالنِّعَمِ لِيَكُونُوا سَاعِينَ في مَنَافِعِ عِبَادِهِ في أَرْضِهِ، ويُقِرُّ اللهُ تبارك وتعالى هؤلاء القَوْمَ في تِلْكَ النِّعَمِ ما بَذَلُوهَا لِعِبَادِهِ في أَرْضِهِ،

فإذا مَنَعُوا النِّعَمَ أَنْ تُبْذَلَ لِأَصْحَابِ الحَاجَاتِ، وَفِي قَضَاءِ حَوَائِجِ المُسْلِمِينَ، نَزَعَ اللهُ تبارك وتعالى النِّعَمَ عن أُولَئِكَ القَوْمِ الَّذِينَ اخْتَصَّهُمْ بالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ العِبَادِ، فَحَولَّهَا إلى غَيْرِهِم.

والله تعالى يفعل ما يريد، فالذي يُعْطَى الْيَوْمَ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ مُعْطِيًا غَدًا، والذي يَأْخُذُ اليَوْمَ يُمكِنُ أنْ يَكُونَ مُعْطِيًا في غَدٍ، والذي يَكُونُ له اليَدُ العُلْيَا في يَوْمٍ، يُمْكِنُ أنْ تَكُونَ يَدُهُ السُّفْلَى في يَوْمٍ،

لِأَنَّ اللهَ تبارك وتعالى يُعِزُّ من يشاء ويُذِلُّ من يشاء ويرزق من يشاء بغير حساب. واللهُ تبارك وتعالى هو الذي يرزق العباد، وهُوَ الَّذِي يُؤْتِي البِرَّ مَنْ يَشَاءُ بِرَحْمَتِهِ، فَيَجْعَلُ ذلك الخَيْرَ عِنْدَ أَقْوَامٍ، فَإِنْ شَكَرُوا نِعْمَةَ اللهِ عليهم، زادَهُمُ اللهُ إِنْعَامًا، وثَبَّتَ النِّعَمَ لَدَيْهِمْ.

وإذا مَا جَحَدُوها فَلَمْ يَبْذُلُوهَا فِي حَوَائِجِ المُسْلِمِينَ، ولَمْ يُرَاعُوا الحقوق، فَشَأْنُهُمْ كَشَأْنِ ذلك الرَّجُلِ الذي ظَنَّ أنَّ اللهَ إنما ءاتَاهُ وأَعْطَاهُ على عِلْمٍ عِنْدَهُ، وأَنَّهُ بقُدُرَاتِهِ قَدْ تَحَصَّلَ على ما تَحَصَّلَ عليه، فَنَزَعَ اللهُ عَنْهُ النِّعْمَةَ، وخَسَفَ به وبِدَارِهِ الأَرْضَ.

وقد حذَّرَ ﷺ من هَذَا الأَمْرَ فقال ﷺ: “ما مِنْ عَبْدٍ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ نِعْمَةً فَأَسْبَغَهَا عليه، ثم جَعَلَ مِنْ حَوَائِجِ النَّاسِ إِلَيْهِ فَتَبَرَّمَ فَقَدْ عَرَّضَ تِلْكَ النِّعْمَةَ لِلزَّوَالِ”

يَتَبَرَّمُ مِنَ الناسِ ويَرُدُّهُم، ولا يُحْسِنُ اسْتِقْبَالَهُمْ، وإنما يُصِيبُهُ المَلَلُ، فَيُعْرِضُ عنهم، ويُغْلِظُ في الكَلَامِ الوَاصِلِ إليهم، ويَخْشُنُ في مُعَامَلَتِهِ مع الخَلْقِ في أَرْضِ اللهِ، فقَدْ عَرَّضَ تلك النِّعْمَةَ لِلزَّوَالِ، لِأَنَّ اللهَ إِنَّمَا جَعَلَهُ مُوَصِّلًا للنِّعْمَةِ إلى الخَلْقِ في الأَرْضِ.

وقال النَّبِيُّ ﷺ: “عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ” قِيلَ: أَرَأيْتَ إِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: “يَعْتَمِلُ بِيَدَهِ، فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ” قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَالَ: “يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ” فقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَالَ: “يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أَوِ الخَيْرِ” قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: “يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ” متفق عليه.

ويُعدُّ الوعي الاجتماعيُّ ركيزةً من ركائز تقدُّمِ أيِّ مجتمع، بل وله دوره الكبير والرئيس في استقرار المجتمع والنهوض به، وذلك بالرفع مِن شأن أفراده، وإذا تأمَّلنا تعريف الوعي الاجتماعيِّ وأنه الإدراك الواعي لكوننا جزءًا من مجتمعٍ مترابط مع الآخرين،

وجدنا أنَّ هذا التعريف يرقى بالفرد باعتباره يعي تمامًا بأنه جزءٌ من كلٍّ، وهذا يعني تأثُّر الفرد بالآخرين وتأثيرَه فيهم، وحين يصل كلُّ فرد في المجتمع إلى إدراك هذا المفهوم الكبير الواسع،

يصبح أفراد المجتمع أكثرَ ترابطًا وتعاطفًا، وقيامًا بدورهم في التفكير الإيجابيِّ في مجتمعاتهم.

ولهذا نقول إن الوعي مقياس من مقاييس ارتقاء المجتمعات، وحين ينحو الأفراد إلى التعبير عن سلوكيَّاتهم في كلِّ مناحي الحياة تعبيرًا إيجابيًّا، فإنهم بهذا يكونون قد حمَلوا هَمَّ الوعي، وسعَوا إلى نشره، ونجحوا في مقاصدهم، وهذا ما فعله الإسلام، وحرَص عليه.

وكل هذا من أخلاقيات الوعي التي ثبَّتها الإسلام وجعلها دعائمَ لمجتمعه القائمِ على المحافظة على النفس. وكم نحن بحاجةٍ إلى التمسُّك بهذه القِيَم والتشبُّث والتقيد بهذا المبدأ، مبدأ الوعي، لما له من دور كبير في استقرار المجتمع والنهوض به، والرفع من شأن أفراده، ونشر الأخلاقيَّات.

ولا شك أن الوعي المجتمعي بمعناه العام، حالة إيجابية تعكس فهم المرء لواقعه من صعوبات وتحديات وفرص، ومجالات القوة ومواطن الضعف، لتحديد الخطوات ورسم السياسات واتخاذ القرارات بما يحقق الوصول للمراد في أقرب وقت وبأدنى كلفة وأقل خسارة،

وإذا كان الوعي مطلوبا على المستوى الفردي لتحقيق النجاح، فإنه سيكون ءاكد على المستوى المجتمعي للنهوض وتحقيق المراد وتحصيل المصالح الكبرى وتجاوز العقبات، وستتجسد حالة الوعي في طريقة قياداته الإدارية والاجتماعية الفاعلة سواء كانوا أفرادا أو مؤسسات.

وحين يكون المجتمع واعيا ومدركا لواقعه كما هو دون مغالطة أو تزييف، ومُلِمًّا بما يتطلبه النجاح من تضحيات، ومنتبها للمخاطر المتربصة به، فإنه حينها سيكون أقوى في مواجهة التحديات لأجل النهوض والارتقاء،

ولكن المصيبة حين لا يكون المجتمع واعيا أصلا بواقعه وظروفه ومكائد أعدائه، فيعيش على غير وضوح، وتراه متخبطا في أزماته متنقلا بينها دون خطوات حقيقية تأخذه للأمام، بل تمضي السنوات الطوال والعقود المتتابعة وهو يراوح مكانه وربما تراجع إلى الوراء،

وما أصعب أن تجد المجتمعات تعيش غيابا حقيقيا مرعبا في وعيها وتخلفا كبيرا في واقعها لا يعكس ما فيها من عناصر القوة، بل تجد أن بعضها وبكل أسف يتوهم حالة من السلامة من هذا الداء وهو واقع فيه.

وما أخطر أن يستمر الحال ويمتد على هذا النحو فيتجذر الضعف في هذه المجتمعات. ويتباعد الفارق وتتسع الهوة بينها وبين غيرها من المجتمعات التي توافرت على أسباب الوعي واستثمرته استثمارا جادًّا فأورثها تفوقا كبيرا. ومَن تأمل حال المجتمع الإسلامي في بداية الدعوة الإسلامية،

 حين كان ﷺ يراعي أمر التمسك بالدين والأخلاق الرفيعة يرى كيف تحقق أسباب النهوض وكيف ارتقت هذه المجتمعات. وفي ظل هذه الظروف التي نمرُّ بها فإننا ثابتين على إيماننا متوكلين على الله مع الأخذ بالأسباب،

ولا كاشف للضر إلا الله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)﴾ سورة يونس.

فمن كان على هذا الاعتقاد وعلى التوكل على الله يكون في أنسٌ وارتياح، فالله تعالى هو الخالق سبحانه وتعالى، وفي الوصية العظيمة التي أوصى بها النبي ﷺ ابن عباس رضي الله عنهما فائدة عظيمة:

فعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي ﷺ يومًا فقال: “يا غلام، إني أعلمك كلماتٍ: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعـوك بشىءٍ لم ينفعوك إلا بشىءٍ قد كتبه الله لك،

وإن اجتمعوا على أن يضروك بشىءٍ لم يضروك إلا بشىءٍ قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام، وجفَّت الصحف” رواه الترمذي

وقال: حديث حسن صحيحٌ. وفي رواية عند الإمام أحمد قال: “تعرَّفْ إلى الله في الرخاء يعرفك فـي الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبَك، وما أصابك لم يكن ليخطئَك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يُسرًا”.

فبقوة الإيمان والتوكل على الله والذكر والاعتصام بحبل الله ننتصر بإذن الله، ومن أحسنِ الأذكار التي ينبغي أن نداوم عليها في كل يوم ما ورد عن عُثْمَانَ بن عَفَّانَ رضي الله عنه

حيثُ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: “مَنْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَىءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ”

وقد ورد أن رجلا أصابه الْفَالِجُ فقال: الْيَوْمَ الَّذِي أَصَابَنِي فِيهِ مَا أَصَابَنِي نَسِيتُ أَنْ أَقُولَهَا. رواه أبو داود بإسناد حسن .

أسأل الله القدير أن يحفظنا وأن يحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين، إنه نعم المولى ونعم النصير وعليه تُكلانُنا وإليه المصير.

اللهم اجعلنا ممن يعي ويوعّي فترتفع رايات عز أوطانه في الدنيا، ويكون من أهل الجنة في الآخرة.

 وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين وسلام على المرسلين وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مواقيت صلوات اليوم

    عمان, الأردن
    الصلاةالوقت
    الفجر3:15 AM
    شروق الشمس4:52 AM
    الظهر11:34 AM
    العصر3:13 PM
    المغرب6:15 PM
    العشاء7:42 PM

إن المعرفة الحقيقية لدخول أوقات الصلاة تقوم على المراقبة، أما ما نذكره هنا فمن باب الاستئناس

إن أوقات الصلاة الظاهرة هي فقط لمدينة عمان، الأردن

قنوات التواصل الاجتماعي