زيد المصري - Zaid Al-Masri

الكبائر

الْحَمْدُ للَّهِ فَالِقِ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَخَالِقِ الْعَبْدِ وَمَا نَوَى، الْمُطَّلِعِ عَلَى بَاطِنِ الضَّمِيرِ وَمَا حَوَى، بِمَشِيئَتِهِ رَشَدَ مَنْ رَشَدَ وَغَوَى مَنْ غَوَى، وَبِإِرَادَتِهِ فَسَدَ مَا فَسَدَ وَاسْتَوَى مَا اسْتَوَى، صَرَفَ مَنْ شَاءَ إِلَى الْهُدَى وَعَطَفَ مَنْ شَاءَ إِلَى الْهَوَى، قَرَّبَ مُوسَى نَجِيًّا وَهُوَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طوَى، وَعَرَجَ بِمُحَمَّدٍ إلى السموات ثُمَّ أعاده وَفِرَاشُهُ مَا انْطَوَى، فحَدَّثَ بِمَا رَأَى وَرَوَى، ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾ أَحْمَدُهُ تعالى عَلَى صَرْفِ الْهَمِّ وَالْجَوَى، وأُصلي وأُسَلِّمُ على رسوله محمد وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ صَاحِبِهِ إِنْ رَحَلَ أَوْ ثَوَى، وَعَلَى الْفَارُوقِ الَّذِي وَسَمَ بِجِدِّهِ جَبِينَ كُلِّ جَبَّارٍ وَكَوَى، وعَلَى ذِي النُّورَيْنِ الصَّابِرِ عَلَى الشَّهَادَةِ سَاكِنًا مَا الْتَوَى، وَعَلَى عَلِيٍّ الَّذِي زَهِدَ فِي الدُّنَيْا فَبَاعَهَا وَمَا احْتَوَى.    

أما بعد:

ليعلم أَنَّ أَهْلَ الْحَقِّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الذُّنُوبَ كَبَائِرُ وَصَغَائِرُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ  فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ (32)﴾ سُورَةَ النَّجْم.

وَقَالَ تَعَالَى ﴿إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا (31)﴾ سُورَةَ النِّسَاء. وَالْمُرَادُ هنا بِاللَّمَمِ وبِالسَّيِّئَاتِ: الذُّنُوبُ الصَّغَائِرُ. ومَعْنَاهُ مَنْ تَجَنَّبَ الْكَبَائِرَ لا يُؤَاخَذُ فِي الآخِرَةِ بِالصَّغَائِرِ.

وروى مسلم في صحيحه أن رسول الله ﷺ قال: “الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ” أَيْ مَا لَمْ تُرْتَكَبِ الْكَبَائِرُ.

وَمَعْنَى اللَّمَمِ فِي الآيَةِ الْمَارِّ ذِكْرُهَا الصَّغَائِرُ، كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ بِمَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ ءَادَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَى أَدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ، فَالْعَيْنُ تَزْنِي وَزِنَاهَا النَّظَرُ وَالْيَدُ تَزْنِي وَزِنَاهَا الْبَطْشُ”

وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ قال: “وَالرِّجْلُ تَزْنِي وَزِنَاهَا الْخُطَى وَاللِّسَانُ يَزْنِي وَزِنَاهُ الْمَنْطِقُ”

وَفِي رِوَايَةٍ عند أبي داود قال: “وَالْفَمُ يَزْنِي وَزِنَاهُ الْقُبَلُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ” شَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هَذِهِ الأُمُورَ بِالزِّنَى لأِنَّهَا مُقَدِّمَاتٌ لِلزِّنَى. وَقَوْلُهُ ﷺ “وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ” بَيَانٌ لِذَلِكَ.

وَلَمْ يَثْبُتْ بِحَدِيثٍ حَصْرُ الْكَبَائِرِ بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّه قِيلَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: كَمِ الْكَبَائِرُ أَهِيَ سَبْعٌ؟ قَالَ: “هِيَ إِلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ”.

وَوَرَدَ مِمَّا ثَبَتَ أَنَّهَا تِسْعَةٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْحَصْرَ،

رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ الْمُفْرَدِ بِسَنَدِهِ إِلَى ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا: “إِنَّمَا هِيَ تِسْعٌ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ نَسَمَةٍ (يَعْنِي بِغَيْرِ حَقٍّ) وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالَّذِي يَسْتَسْحِرُ، وَالإِلْحَادُ فِي الْمَسْجِدِ (يَعْنِي الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ) وَبُكَاءُ الْوَالِدَيْنِ مِنَ الْعُقُوقِ”.

وَمَعْنَى الإِلْحَادِ فِي الْحَرَمِ: اسْتِحْلالُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، أَيِ الاِسْتِرْسَالُ فِي الْمَعَاصِي الْكَبِيرَةِ فِي حَرَمِ مَكَّةَ. وَالْحَرَمُ هُوَ الْمَسَافَةُ الَّتِي حَدَّدَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ حَوْلَ الْكَعْبَةِ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهَا.

وَلْيُعْلَمْ أَنَّ السَّيِّئَاتِ لا يُضَاعَفُ شَىْءٌ مِنْهَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ مَسْجِدِ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام إِلا مَنْ عَمِلَ ظُلْمًا كَبِيرًا كَقَتْلِ نَفْسٍ مُؤْمِنَةٍ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ قَطْعِ الطَّرَفِ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَهَذَا الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهِ ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)﴾ سُورَةَ الْحَج.

وَأَمَّا مَا اشْتُهِرَ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّ حَسَنَةَ الْحَرَمِ بِمِائَةِ أَلْفٍ وَسَيِّئَةَ الْحَرَمِ بِمِائَةِ أَلْفٍ فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ.

إِنَّمَا الصَّحِيحُ الثَّابِتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ  أَنَّ الصَّلاةَ فِي الْمَسْجِدِ الأَقْصَى تُضَاعَفُ إِلَى خَمْسِمِائَةٍ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ مِنَ الْمَسَاجِدِ، وَأَنَّ الصَّلاةَ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ بِأَلْفِ صَلاةٍ فِي غَيْرِهِ، وَأَنَّ الصَّلاةَ بِمَكَّةَ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلاةٍ فِي غَيْرِهِ.

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: “اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ” قِيلَ: وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟

قَالَ: “الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَأَكْلُ الرِّبَا وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاتِ”

وَمَعْنَى الْمُحْصَنَاتِ: الْحَرَائِرُ. وَمَعْنَى الْغَافِلاتِ: الْعَفِيفَاتُ.

وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ أنه قيل لرسول الله ﷺ: وَمَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: “هُنَّ تِسْعٌ” (وليس المراد الحصر) قال: “أَعْظَمُهُنَّ الإِشْرَاكُ” وذَكَرَ ما جاء في الحديث السابق إِلا أَنَّ فِيهِ التَّعْبِيرَ بِاسْتِحْلالِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ بَدَلَ الإِلْحَادِ فِي الْمَسْجِد.

وَوَرَدَ فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ ذكر الزِّنَى، وَالسَّرِقَة، وَشُرْب الْخَمْرِ، وَشَهَادَة الزُّورِ، وَالنَّمِيمَة، وَتَرْك التَّنَزُّهِ مِنَ الْبَوْل، وَالْغُلُول، وَنَكْث الصَّفْقَةِ (أَيْ نَقْضِ الْبَيْعَةِ مَعَ الْخَلِيفَةِ كَمَا فَعَلَ بَنُو أُمَيَّةَ مَعَ عَلِيٍّ رضي الله عنه)

وَفِرَاق الْجَمَاعَة (مَعْنَاهُ الْخُرُوجُ عَنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ) وَالْيَمِين الْغَمُوس. كَأَنْ يَكُونَ لِشَخْصٍ عَلَى شَخْصٍ ءَاخَرَ مَالٌ فَأَنْكَرَهُ فَقَالَ لَهُ الْحَاكِمُ احْلِفْ أَنَّ هَذَا الْمَالَ لَيْسَ لَهُ عَلَيْكَ فَحَلَفَ، وَسُمِّيَ بِالْغَمُوسِ لأِنَّهُ يَغْمِسُ صَاحِبَهُ بِالذَّنْبِ.

وَفِيهِ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)﴾ سُورَةَ ءَالِ عِمْرَان.

وقيل: نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَهَمَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ فَنَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنَ الْيَمِينِ وَأَقَرَّ لِلْمُدَّعِي بِحَقِّهِ.

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ”

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه أَنَّهُمْ تَذَاكَرُوا الْكَبَائِرَ فَقَالُوا: الشِّرْكُ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَالسِّحْرُ، وَالْعُقُوقُ، وَقَوْلُ الزُّورِ، وَالْغُلُولُ، وَالزِّنَى.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “فَأَيْنَ تَجْعَلُونَ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا”.

ولا شك أن ترك الصلاة من أكبر الكبائر وكذلك الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. ومن الكبائرَ أيضل الْبُهْتَان، ومن الكبائر مَنْعُ فَضْلِ الْمَاءِ (كَأَنْ أَخَذَ حَاجَتَهُ مِنَ الْمَاءِ الْعَامِّ مِنْ بِئْرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَمَنَعَ النَّاسَ مِنْ أَنْ يَأْخُذُوا بَعْدَهُ حَاجَتَهُمْ مِنْهُ)

وَمن الكبائر أيضًا الأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وورد في الحديث:  “أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ” رواه ابْنُ مَرْدَوَيْهِ.

وكذلك الإِضْرَارُ فِي الْوَصِيَةِ مِنَ الْكَبَائِرِ. وَذَلِكَ كَأَنْ أَوْصَى بِحِرْمَانِ بَعْضِ أَوْلادِهِ مِنَ الإِرْثِ وَحَصَرَهُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ لا تُنَفَذُّ لأِنَّهَا مَعْصِيَةٌ وَهُوَ يَكُونُ عَاصِيًا مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ بِوَصِيَّتِهِ هَذِهِ لأِنَّ هَذَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ وَهِيَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ.

أَمَّا الْهِبَةُ وَالتَّمْلِيكُ فِي الْحَيَاةِ لِوَاحِدٍ مِنْ أَبْنَائِهِ بِغَيْرِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ فَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَ بَعْضِ الأَئِمَّةِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ مَكْرُوهٌ، هَذَا إِذَا كَانَ لا يَحْصُلُ مِنْهُ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ، أَمَّا إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ فَحَرَامٌ أَيْضًا عِنْدَ الأَئِمَّةِ الآخَرِينَ.

أَمَّا إِذَا كَانَ أَحَدُ أَبْنَائِهِ بَارًّا وَالآخَرُونَ عَاقِّينَ لَهُ فَخَصَّ هَذَا الْبَارَّ بِهِبَةٍ فِي حَيَاتِهِ فَهَذَا لا بَأْسَ بِهِ لأِنَّ هَذَا لا يُؤَدِّي إِلَى الْقَطِيعَةِ لأِنَّهُمْ يَعْرِفُونَ السَّبَبَ فَيَقُولُونَ أَبُونَا مَلَّكَ هَذَا مِنْ بَيْنِنَا وَلَمْ يُمَلِّكْنَا شَيْئًا لأِنَّهُ كَانَ بَارًّا بِهِ وَنَحْنُ كُنَّا عَاقِّينَ لَهُ،

كَذَلِكَ إِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ فَقِيرًا وَبَعْضُهُمْ غَنِيًّا فَخَصَّ هَذَا الْفَقِيرَ مِنْ بَيْنِهِمْ بِالتَّمْلِيكِ فِي حَيَاتِهِ فَلا بَأْسَ بِهَذَا أَيْضًا لأِنَّ لَهُ سَبَبًا شَرْعِيًّا.

أَمَّا الْوَصِيَّةُ أَيْ إِسْنَادُ ذَلِكَ إِلَى مَا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “إِنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ” رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ. ولذلك قال الْعُلَمَاء: لا تُنَفَّذُ الْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ أَبَدًا. مَعْنَاهُ لا تُوصُوا لِلْوَارِثِ لأِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَسَمَ الْمِيرَاثَ فِي كِتَابِهِ فِي الْقُرْءَانِ الْكَرِيْمِ.

وَمِنَ الأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ: “ثَلاثَةٌ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالدَّيُّوثُ، وَرَجُلَةُ النِّسَاءِ” رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَيَحْسُنُ عَدُّ الْجِمَاعِ لِلْحَائِضِ فِي الْكَبَائِرِ.

وَمِنَ الْكَبَائِرِ الْقِيَامُ بِصُورَةِ الصَّلاةِ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ عَمْدًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِكُفْرِ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ.

وَمِنَ الْكَبَائِرِ النِّيَاحَةُ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ. فَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الذي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ الرَّسُولَ سَمَّى النِّيَاحَةَ وَالطَّعْنَ فِي الأَنْسَابِ كُفْرًا أَيْ يُشْبِهَانِ الْكُفْرَ. وَمَعْنَى الطَّعْنِ فِي الأَنْسَابِ كَقَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ فُلانٌ ابْنُ زِنًى.

وَمِنَ الْكَبَائِرِ أَنْ يَقُولَ الشَّخْصُ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَذَا وَهُوَ لَمْ يَرَ كَالَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ فِي الْمَنَامِ وَقَالَ لَهُ كَذَا وَكَذَا وَهُوَ لَمْ يَرَ. فَفِي الْحَدِيثِ: “مَنْ تَحَلَّمَ بِمَا لَمْ يَرَ كُلِّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَمَا هُوَ بِعَاقِدٍ” رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ.

هَذَا وَبَعْضُ النَّاسِ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ بِقَوْلِهِمْ لَهُمْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ فِي الْمَنَامِ وَهُوَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُعْطِيَنِي كَذَا وَكَذَا مِنَ الْمَالِ والعياذ بالله. وَيَكْذِبُ بَعْضُهُمْ فَيَقُولُ لِشَخْصٍ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ فِي الْمَنَامِ وَهُوَ يَأْمُرُكَ بِأَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكَ فَيُصَدِّقُهُ وَيُزَوِّجُهُ بِنْتَهُ.

وَمِنَ الْكَبَائِرِ تَحْرِيفُ لَفْظِ الْجَلالَةِ “اللَّهِ” إِلَى ءَاهٍ كَمَا يَفْعَلُ كَثِيرٌ بعض الجهال. مَعَ أَنَّ ءَاهٍ مِنْ أَلْفَاظِ الشِّكَايَةِ وَالتَّوَجُّعِ كَمَا ذَكَرَ عُلَمَاءُ اللُّغَةِ وَمَنْ تَعَمَّدَهُ فِي الصَّلاةِ بَطَلَتْ صَلاتُهُ كَمَا ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ.

فَلَوْ كَانَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ لَمْ يُبْطِلِ الصَّلاةَ وَلَوْ كَانَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ مَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ الْمُتَثَائِبَ عَنْ قَوْلِهَا عِنْدَ التَّثَاؤُبِ. وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ تَحْرِيفُ لَفْظِ الْجَلالَةِ اللَّه إِلَى اللاَّ كَمَا يَفْعَلُ أَكْثَرُ النَّاسِ الْيَوْمَ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ عَنِ الرَّزَّاقِ الرَّزَّاءُ.

وَأَمَّا عَدُّ نِسْيَانِ الْقُرْءَانِ مِنَ الْكَبَائِرِ فَلا يَصِحُّ، لأِنَّ حَدِيثَ: “نَظَرْتُ فِي الذُّنُوبِ فَلَمْ أَرَ أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْءَانِ أُوتِيَهَا رَجُلٌ فَنَسِيَهَا” ضَعَّفَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي، فهو ضَعِيفٌ وَهُوَ مُشْكِلٌ مَعْنًى، أَيْ لا يَصِحُّ.

إِلا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا جَاءَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي مِنْ تَفْسِيرِ ذَلِكَ بِتَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ.وَمَعْنَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ إِضَاعَةُ الْفَرَائِضِ وَارْتِكَابُ الْمَعَاصِي.

وَقَدْ تَكَلَّفَ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ تَعْدِيدَهَا إِلَى أَنْ أَوْصَلَهَا إِلَى أَرْبَعِمِائَةٍ وَزِيَادَةٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْهُ بِجَيِّدٍ لأِنَّ فِي خِلالِ مَا عَدَّهُ مَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً.

 ثُمَّ إِنَّهُ عُرِّفَتِ الْكَبِيرَةُ بِأَلْفَاظٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَمِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ: كُلُّ ذَنْبٍ أُطْلِقَ عَلَيْهِ بِنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ أَوْ عَظِيمٌ أَوْ أُخْبِرَ فِيهِ بِشِدَّةِ الْعِقَابِ أَوْ عُلِّقَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَشُدِّدَ النَّكِيرُ عَلَيْهِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ.

وَكَذَا كُلُّ ذَنْبٍ وَرَدَ فِي الْقُرْءَانِ أَوِ الْحَدِيثِ أَنَّ فَاعِلَهُ مَلْعُونٌ أَوْ شُبِّهَ فَاعِلُهُ بِالْكَافِرِ. وَقَدْ أَوْصَلَ عَدَدَهَا تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ إِلَى خَمْسَةٍ وَثَلاثِينَ مِنْ غَيْرِ ادِّعَاءِ حَصْرٍ فِي ذَلِكَ،

ونَظَمَ ذَلِكَ السُّيُوطِيُّ فِي ثَمَانِيَةِ أَبْيَاتٍ وَهِيَ:

كَالْقَتْلِ وَالزِّنَى وَشُــــرْبِ الْخَمْرِ

وَمُطْلَقِ الْمُســــــْكِرِ ثُمَّ السِّـــحْرِ

 

وَالْقَـــذْفِ وَاللِّوَاطِ ثُمَّ الْفِطْرِ

وَيَــأْسِ رَحْمَةٍ وَأَمْـــنِ الْمَــكْـــرِ

 

وَالْغَصْبِ وَالسِّرْقَةِ وَالشَّـــــهَادَةِ

بِالزُّورِ وَالرِّشْـــوَةِ وَالْقِيَادَةِ

 

مَــنْــعِ زَكَـاةٍ وَدِيَــــاثَةٍ فِــــرَارْ

خِيَانَةٍ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ ظِهَــــارْ

 

نَمِيْمَةٍ كَتْمِ شَـــــهَادَةٍ يَمِينْ

فَـــاجِــــرَةٍ عَلَى نَبـــِيِّنَـا يَمِيـــنْ

 

وَسَبِّ صَحْبِهِ وَضَرْبِ الْمُسْلِمِ

سِـــعَايَةٍ عَقٍّ وَقَطْعِ الرَّحِمِ

 

   حَرَابَةٍ تَـــقْدِيْمِهِ الـــصَّلاةَ أَوْ

تَأْخِيرِهَا وَمَــــالِ أَيْتَــامٍ رَأَوْا

 

وَأَكْــلِ خِـــنْزِيرٍ وَمَيْـــتٍ وَالرِّبَا

 وَالْغَلِّ أَوْ صَـغِيرَةٍ قَـــدْ وَاظَبَا

نسأل الله تعالى أن يحفظنا من الشرور والذنوب والآثام وأن يرزقنا توبة نصوح، لا نعودُ بعدها إلى عصيانه إنه نعم المولى ونعم النصير وعليه تُكلاننا وإليه المصير.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

مواقيت صلوات اليوم

    عمان, الأردن
    الصلاةالوقت
    الفجر3:15 AM
    شروق الشمس4:52 AM
    الظهر11:34 AM
    العصر3:13 PM
    المغرب6:15 PM
    العشاء7:42 PM

إن المعرفة الحقيقية لدخول أوقات الصلاة تقوم على المراقبة، أما ما نذكره هنا فمن باب الاستئناس

إن أوقات الصلاة الظاهرة هي فقط لمدينة عمان، الأردن

قنوات التواصل الاجتماعي