زيد المصري - Zaid Al-Masri

الخوف من الله تعالى 1

الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي بِيَدِهِ الإِيجَادُ وَالإِنْشَاءُ، وَالإِمَاتَةُ وَالإِحْيَاءُ، وَالإِعَادَةُ وَالإِبْدَاءُ، وَالإِنْعَامُ وَالآلاءُ، وَالْعَافِيَةُ وَالْبَلاءُ، وَالدَّاءُ وَالدَّوَاءُ. خَلَقَ الخير والشرَّ وكل الأَشْيَاء. وأوجد الأَرْض وَالسَّمَاء، وَالظُّلُمَات وَالأَضْوَاء، وَالصَّبَاح وَالْمَسَاء، وَالرِّيح وَالْمَاء. وخلق ءادم وَعَلَّمَهُ الْعِلْمَ فَانْجَلَتْ عَنْهُ الظَّلْمَاءُ، وَعَرَّفَهُ خَطَّ الْخَطِّ فَجَاءَ الْهِجَاءُ، الأَلِفُ وَالْبَاءُ، وَالتَّاءُ وَالثَّاءُ، وَالْجِيمُ وَالْحَاءُ وَالْخَاءُ، وَالدَّالُ وَالذَّالُ وَالرَّاءُ، وَالزَّايُ وَالسِّينُ وَالشِّينُ وَالصَّادُ وَالضَّادُ وَالطَّاءُ، وَالظَّاءُ وَالْعَيْنُ وَالْغَيْنُ وَالْفَاءُ، وَالْقَافُ وَالْكَافُ وَاللامُ وَالْمِيمُ وَالنُّونُ وَالْهَاءُ، وَالْوَاوُ وَلامُ الأَلِفِ وَالْيَاءُ. وَبَثَّ مِنْ نَسْلِهِ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ، فَمِنْهُمُ الْعَالِمُ الذَّاكِرُ وَمِنْهُمُ الْجَاهِلُ النَّسَّاءُ، وَأَكْثَرُهُمُ الْغَافِلُونَ وَأَقَلُّهُمُ الأَلِبَّاءُ الأولياء. ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ .

أَحْمَدُهُ تعالى بِتَوْفِيقِي لِحَمْدِهِ الآلاءَ، وَأُقِرُّ بِأَنَّهُ مَالِكُ الْمُلْكِ يُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ وَيَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ يَشَاءُ، وَأُصَلِّي وَاُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ أَشْرَفِ رَاكِبٍ حَوَتْهُ الْبَيْدَاءُ، وَعَلَى صَاحِبِهِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ مُصَاحِبِهِ إِنْ وَقَعَتِ الشِّدَّةُ أَوِ الرَّخَاءُ، وَعَلَى عُمَرَ الْفَارُوقِ الَّذِي دَوَّخَ أهل الْكُفْر فَذَلَّتْ لَهُ الأَعْدَاءُ، وَعَلَى عُثْمَانَ الصَّابِرِ وَقَدِ اشْتَدَّ بِهِ الْبَلاءُ، وَعَلَى عَلِيٍّ صاحبِ الجودِ والوَلاء، وَعَلَى عَمِّهِ الْعَبَّاسِ الَّذِي سَأَلَتِ الصَّحَابَةُ بِهِ الْغَيْثَ فَسَالَتِ السَّمَاءُ.

أما بعد:

فإني أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العظيم الْقَائِلِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ سورة ءال عمران.

وقال سبحانه: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (19)﴾ سورة محمد. وفي هذه الآية إشارة إلى أهمية تعلم علم التوحيد وتقديمه على الأحكام.

فقد قدَّم سبحانه ذكر التوحيد المشارَ إليه بقوله تعالى ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ لأهميته وهو أي التوحيدُ سبب لخشية الله تعالى، فالذي عرف ربَّه سبحانه،

أي عرف صفاتِ ربه عز وجل الواردةَ في الكتاب والسنة وأثبت لله تعالى ما يليق به من أوصاف الكمال اللائقة به ونفى عنه النقائص وما يستحيل في حقه فهو الأكثر خشية لله تعالى، وعلى هذا كان أنبياء الله تعالى ودعوتهم،

فقد قال تعالى حكاية عن نبيّه موسى ﷺ أنه قال لفرعون عندما دعاه للإسلام: ﴿وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19)﴾ سورة النازعات. فدلت الآية على أن معرفة الله تعالى تسوق العبد إلى الخوف من الله تعالى فيكون بعد هذا أكثر طاعة لله وأكثر ابتعادا عن معصية الله تعالى.

واعلموا أنَّ المسارعةَ إلى الخيراتِ والمحافظةَ على العباداتِ والمداومةَ على الطاعاتِ دأبُ الأنبياءِ والأولياءِ، لأنهم أعرفُ الخلقِ باللهِ، وأعبدُهم وأطوعُهم وأخشاهم لهُ عزَّ وجلَّ. قالَ تعالى: ﴿إنَّما يَخشى اللهَ مِنْ عبادِهِ العُلماءُ﴾ سورة فاطر. أي العلماءُ الأتقياءُ يخشَوْنَ اللهَ ويخافونَهُ أَكثَرَ مِنْ غيرِهم.

وقد بوَّب الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه بابًا أسماه (بابَ قولِ النبيِّ ﷺ: “أنا أعْلَمُكمْ بالله” قال ﷺ: “أنا أعْلَمُكمْ بالله وأخشاكم له” فقدَّمَ ﷺ العلمَ باللهِ على الخشيةِ منهُ، فالعلم بالله عز وجل سبب في خشية العبد من ربه.

وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قَالَ لي النَّبِيُّ ﷺ: “اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْءانَ” فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَليكَ أُنْزِلَ؟! فقَالَ ﷺ: “إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي” قال: فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى جِئْتُ إلى هذهِ الآيَة: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ فقالَ ﷺ: “حَسْبُكَ الآنَ” قال: فالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَان. متفقٌ عليه.

وهذا يدل على شدة خشيته ﷺ من الله تعالى، وعلى هذا كان الصحابة رضوان الله عليهم، فعن أَنسٍ رضي اللَّه عنه قال: خَطَبَ رَسول اللَّه ﷺ خُطْبَةً ما سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ، فقال ﷺ: “لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قلِيلا ولبَكيْتمْ كَثِيرًا” فَغَطَّى أَصْحابُ رسولِ اللَّهِ ﷺ وجُوهَهمْ وَلهُمْ خَنينٌ. متفقٌ عليه.

قال النووي: والخَنِينُ: هُوَ البُكَاءُ مَعَ غُنَّةٍ وَانْتِشَاقِ الصَّوتِ مِنَ الأَنْفِ .

وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه إذا صلى بالناس لا تكاد تُسمَعُ قراءَتهُ من شِدَّةِ بُكائِه وخوفِه من ربه عز وجل،

وكان في وجه الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه خَطَّان أسودان من كثرة البكاء.

هذا هو حالهم وهم أفضل صحابة النبي ﷺ وهم من الذين بشرهم رسول الله ﷺ بالجنة.

وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه ﷺ: “مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ المنْزلَ، ألا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَاليةٌ، أَلا إِنَّ سِلْعةَ اللَّهِ الجَنَّةُ” رواه الترمذي. قال الإمام النووي: ومعنى “أَدْلَجَ” أي: سَارَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ. وَالمرَادُ التَّشْمِيرُ في الطَّاعَة.

وليعلم يا عباد الله أن الخوف من الله يمنع الإنسان عن المعاصي وعن ترك الواجبات طاعة لله وخوفًا من عقاب الله تعالى وطمعًا بالجنة. قال تعالى في وصف عباده المؤمنين الخاشعين: ﴿تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16)﴾ سورة السجدة.

وقد أمر الله عباده بالخوف منه خوف الإجلال والتعظيم فقال تعالى: ﴿وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (175)﴾ سورة ءال عمران.

وقد قال بعض السلف الصالح: “الخوف سراج القلوب، به يبصر الخير والشر” وقال بعضهم: “أنفع الخوف ما حجزك عن المعاصي”

واعلموا أيضًا أنَّ الخوف من الله من أسبابِ غُفرانِ الذنوب، ومما يدل على ذلك قوله ﷺ فيما أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ: “كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ (أي يكثر من فعل الذنوب والآثام. وفي رواية ابن حبان أن الرجل كان ينبش القبور فيسرق الأكفان عن الأموات ليبيعها)

قال ﷺ: فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ: إِذَا أَنَا مِتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اطْحَنُونِي ثُمَّ ذُرُّونِي فِي الرِّيحِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا (أي لئِن ضيق علي ولم يرحمني وليس معناه أنه شك في قدرة الله)

قال ﷺ: فَلَمَّا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ، فَأَمَرَ اللَّهُ الأَرْضَ فَقَالَ: اجْمَعِي مَا فِيكِ مِنْهُ فَفَعَلَتْ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ، قَالَ يَا رَبِّ خَشْيَتُكَ، فَغَفَرَ لَهُ” أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

وهذا الرجل لم يشك في قدرة الله تعالى، لأن الذي يموت وهو شاك في قدرة الله لا يكون مؤمنًا وهذا لا يَغفر الله له إجماعًا.

ومَعْنَى قَوْلِهِ “لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ” أَيْ لَئِن ضَيَّقَ علي، كَقَوْلِ الله تَعَالَى ﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ﴾ سُورَةَ الطَّلاق. أَيْ ضُيِّقَ .وكقوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30)﴾ سورة الإسراء.

وكقوله تعالى: ﴿وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)﴾ سورة الفجر. أي: ضيّق عليه رزقه.

وكقوله تعالى عن نبيه يونس عليه السلام: ﴿وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)﴾ سورة الأنبياء.

وقوله تعالى: ﴿وذَا النُّونِ﴾ يعني يونس بن متى عليه السلام و(النُّونِ) أي الحوت وأضيف عليه السلام إليه لابتلاعه إياه،

وقوله تعالى: ﴿إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا﴾ أي ذهب مغاضبًا لقومه من أهل نَينَوى الذين كانوا في أرض الموصل بالعراق لأنهم كذبوه ولم يؤمنوا بدعوته وأصروا على كفرهم وشركهم.

ولا يجوز اعتقاد أن نبي الله يونس عليه السلام ذهب مُغاضبًا لله، لأن هذا فيه نسبه الكفر لنبي الله يونس والعياذ بالله، ومعلوم أن الله عصم الأنبياء من الكفر، فمن نسب إلى يونس عليه السلام أنه ذهب مغاضبًا لله فقد افترى على نبي الله ونسب إليه الجهل بالله والكفر به وهو كفر.

وأما قوله تعالى: ﴿فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ أي ظنَّ أن الله تعالى لن يُضيّق عليه بتركه لقومه قبل أن يؤمر بذلك، ولا يجوز أيضًا أن يعتقد أن نبي الله يونس عليه السلام ظن أن الله تعالى لا يقدر عليه.

فأنبياء الله تعالى جميعهم عارفون بالله وهم أفضل خلق الله وقد عصمهم الله تعالى من الجهل به ومن كل فعل وقول واعتقاد ينافي العصمة.

فعجبًا لهؤلاء الذين نسبوا أنفسهم للعلم والمشيخة وهم جهال فقالوا إن هذا الرجل الذي ذكره رسول الله ﷺ في الحديث المذكور ءانفا شك في قدرة الله وغفر الله له! والعياذ بالله تعالى. وكذلك من هؤلاء الجهلة من قال إن نبي الله يونس شك في قدرة الله! نعوذ بالله من تخريف المخرفين ونسأل الله السلامة.

اللهم ارزقنا خشيتك في السر والعلن واجعلها سببًا في بعدنا عن الذنوب والمعاصي واجعلنا من العلماء العاملين ومن الأولياء الصالحين يا رب العالمين.

اللهم إنا نعوذُ بكَ من شرورِ أنفسنَا ومن سيئاتِ أعمالنَا.

اللهمَّ إنكَ عفوٌ كريمٌ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنَّا ربنَا ءاتِنَا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقنَا عذابَ النارِ وأدخلنَا الجنةَ معَ الأبرارِ برحمتكَ يا عزيزُ يا غفارُ.

وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين وسلام على المرسلين وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مواقيت صلوات اليوم

    عمان, الأردن
    الصلاةالوقت
    الفجر2:57 AM
    شروق الشمس4:40 AM
    الظهر11:33 AM
    العصر3:13 PM
    المغرب6:26 PM
    العشاء7:57 PM

إن المعرفة الحقيقية لدخول أوقات الصلاة تقوم على المراقبة، أما ما نذكره هنا فمن باب الاستئناس

إن أوقات الصلاة الظاهرة هي فقط لمدينة عمان، الأردن

قنوات التواصل الاجتماعي