زيد المصري - Zaid Al-Masri

الثبات على العبادة

إنَّ الحمدَ للهِ نحمدهُ ونستعينهُ ونَستهديه ونشكرهُ، ونعوذُ باللهِ منْ شرورِ أنفُسِنا ومنْ سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فهُو الـمُهتد، ومَنْ يُضْلِلْ فلَن تجِدَ له وليا مُرْشِدًا، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريك له ولا مَثيلَ له، ولا ضِدَّ ولا نِدّ له، وأشهدُ أن سيدَنا وحبيبنَا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرةَ أعيُننا محمّدا عبدهُ ورسولُه، وصفيُّه وحبيبهُ، صلَّى الله على سيِّدِنا محمّدٍ وعلى كُلِّ رسولٍ أرسلَه. اللهم صلِّ على محمد النبيّ وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على ءال إبراهيم إنك حميد مجيد.

أما بعدُ:

فإني أوصيكُم ونفسي بِتَقوى اللهِ القائلِ في كتابِه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)﴾ سورة الحج. وهو القائل سبحانه وتعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين﴾ سورة الحجر.

واعلَمُوا أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قد خَلَقَنا وأَوْجَدَنا في هذه الدُّنيا الفَانية الزائلةِ لِحِكْمَةٍ عظيمةٍ بالِغَة، خَلَقَنا سبحانَه لِنَعْبُدَهُ وحدَه ولا نُشْرِكَ بهِ شيئا، لِنُطِيْعَه فيما أمرَ بِه، ونَنتهيَ عمّا نَهَى عنه، والله تعالى هو الذي يَسْتَحِقُّ أنْ يُطاعَ، فهو الآمِرُ فلا ءامِرَ له، وهو النَّاهي فلا ناهيَ له.

قالَ الله تعالى:  ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ﴾ سورة الذاريات.

وقد أوجَبَ تقدَّسَتْ أسماؤهُ علينا أن نُؤديَ الفرائضَ ونجتنِبَ المحرماتِ، فوجَبَ علينا أن نتقربَ إليه بما افترَضَ وأَمَر، ونَنْتهَي عمّا نَهى عنه وحَذَّر، فإنَّ أفضلَ ما يتقربُ به العبدُ إلى ربِه أداءُ الواجِباتِ واجتنابُ المحرمات،

فقد روى البخاريُّ عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه عن رسولِ الله ﷺ فيما يَرْويهِ عن ربه تباركَ وتعالى أنه قال: “وما تَقَرَّبَ إليَّ عَبْدِي بِشَئٍ أحبَّ إليَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عليه”

فدلَّ الحديثُ على عظيمِ فَضلِ المحافظةِ على الفرائضِ، ولا شكَّ أن أَعلى الفرائضِ وأفضلَها الإيمانُ باللهِ ورسولِه ﷺ ، فقد قال عليه الصلاةُ والسلام: “أفّضلُ الأعمالِ إيمانٌ باللهِ ورسُوله” رواه البخاريّ.

 وَلِيُعْلَمَ أنَّ الثباتَ على أداءِ الواجباتِ واجتنابِ المحرَّمات هو السبيلُ إلى النَّجاةِ يومَ القيامةِ ودخولِ الجنةِ بلا عذاب، فَطُوبِى لمن كانتِ التقوى سيرتَه، وأصلَحَ علانِيَتَهُ وسريرتَه فاستقامَ في أيامٍ قليلة لِيفوزَ في أيامٍ طِوال،ٍ يُومَ لا ينفَعُ مالٌ ولا بَنُون إلا مَنْ أتى اللهَ بِقَلْبٍ سَليم،

فقد روى الترمذيُّ عن معاذِ بنِ جَبل رضي الله عنه أنه قال: قُلْتُ يارسولَ الله أًخبرني بِعَمَلٍ يُدْخِلُني الجنة ويُباعِدُني منَ النار؟

فقال ﷺ: “لقدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيم، وإنه لَيَسِيْرٌ على مَن يَسَّره اللهُ تعالى عَلَيه، تَعْبُدُ اللهَ لا تُشْرِكُ به شَيئا، وتقيمُ الصلاةَ، وتُؤتي الزكاة، وتصومُ رمضان، وتحجُّ البيتَ إنِ استطَعْتَ إليه سَبيِلًا”

فهذا الصحابيُ الجليلُ وهو معاذُ بنُ جبل رضى الله عُنْه وهو معروفٌ مشهورٌ بالفَضْلِ والقَدْرِ العَالي، دَفَعَه حِرْصُه على الخيرِ إلى أن يسألَ رسولَ الله ﷺ هذا السؤَالَ العَظيم، فأرشَدَه رسولُ الله ﷺ إِلى خَيْرٍ كبيرٍ، أمرهُ بالثباتِ على عبادةِ اللهِ وعدمِ الأشراكِ به شيئا.

والعبادةُ كمَا عرّفَها أهلُ العِلْم: هي أَقْصَى غايةِ الخُشُوعِ والخُضوع. كما نقلَ ذلك الزَّبيديُّ في شرحِ القاموس عنِ السبكي رحمه الله. فمَن صرفَ العبادةَ لِغَيْرِ اللهِ تعالى لا يكونُ منَ المؤمنين قال اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ سورة الأنبياء.

فينبغي علينا جميعا أن نثبت على طاعةِ الله تعالى وأن نلتزم الالتزام التامِّ بالشَّرعِ، وأن نبقى على التكاتُفِ والتعاضُدِ والتعاوُنِ على طاعةِ الله تعالى، والاعتصامِ بِحَبْلِ اللهِ المتين، لاسِيَّما في هذا الزمنِ العصِيب الذي عَظُمَ فيه الخَطْبُ، واسْتَشْرَى فيه الشر، وزادَ فيه الفسادُ، فَصِرْنا نرىَ القابِضَ فيه على دِينْهِ كالقابضِ على جَمر،

فعلينا أن نعمل بالحدِيْثِ الذي رواه مُسْلمٌ عن مَعْقِلِ بنِ يَسار ٍرضي الله عنه أن َّرسولَ اللهِ ﷺ قال: “العِبادَةُ في الهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إليَّ” فهنيئا لمن عَمِلَ بما حثَّ عليه النبيُّ الأكرمُ ﷺ،

وقَدْ حَثَّنا عليه الصلاةُ والسلامُ في هذا الحديثِ على الاشتغالِ بالعبادةِ في أيامِ الهرج، والهرجُ معناه شِدَّةُ القَتْلِ، وها نحنُ نعيشُ زمنَ الهَرْج، نعيشُ زمنِ الفِتنَ التي مازالت تتوالَى كَقِطَعِ الليلِ الـمُظْلم، فليَشْغَلِ الواحِدُ منا نفسَه في هذه الأيامِ بعبادةِ رَبِّهِ لينالَ تلكَ الفضيلةَ العظيمةَ،

فقد شبَّه رسولُ الله ﷺ أجرَ المتعبِّدِ في الهَرْجِ بأجْرِ مَنْ هاجرَ إليه، حين كانتِ الهجرةُ فَرْضًا على الـمُستطيع منَ المسلمين، كانَ واجبا على مَنِ استطاعَ الهجرةَ أن يُهاجِرَ إلى رسولِ الله ﷺ في المدينة المنوَّرةِ، ثم نُسِخَ هذا الحكمُ بعدَما فتحَ رسولُ الله ﷺ مكةَ المكرمة، أي لم تَعُدِ الهجرةُ بعد ذلك فَرْضا،

فمنِ اشتغلَ بالعبادة في الهَرْج كانَ له أجر يُشْبِهُ أجرَ المهاجرِ في سبيلِ الله إلى رسولِ الله ﷺ. يُشبهُ أجرَ مَنْ هاجرَ في الصحراء وتحمَّل وعْثَاءَ السَّفر وأعباءَ الرَّحيِل ومشقاتِ الطّريق طاعةً لله ورسوِله.

فأيُّ خَيْرٍ وأيُّ أجر وأي فَضْلٍ هذا الفضلُ العظيم الذي ينالُه ويحوزُه مَنْ تشاغَلَ بالعبادةِ في تلك الحال وتركَ ما تشاغَلَ كثيرٌ منَ الناسِ بهِ.

وقد أنزل اللهُ تعالى على حبيبه المصطفى ﷺ قوله: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ سورة الحجر. أي اثبت على طاعة الله إلى أن تموت. واليقينُ هنا معناه الموتُ، لأن العِلْمَ بِوُقًوعِ الموتِ يَقين، لا يَمْتَرِي فيه عاقلٌ،

والمعنى اِشْتَغِلْ بالعبادةِ ما دُمْتَ حَيَّا، طالما أنت ما زلت حيا فاشغَلْ نفْسَكَ بالعبادة، وإنْ نزلَ بكَ خَطْب أوِ اشتدَتْ بكَ النوائِب فأرِحْ نفسِك بالصلاة، فإنها أفضَلُ العباداتِ بعدَ الإيمانِ باللهِ ورسولِه.

فقد روى أحمدُ في مُسندِه أنَّ رسولَ الله ﷺ كان إذا حَزَبَهُ أمرٌ صَلَّى. ومعنى حَزَبَهُ: أي نَابَه واشتَدَّ عليه، فَمَنْ عرفَ حقيقةَ الدُّنيا كان جَدِيرا به أن يَعْمَلَ بطاعةِ الله تعالى، ويَقْطَعَ العُمُرَ في تَقْوى رَبِهِ والإكثارِ منَ الخيرِ،

وإذا رأى الناسَ تدْخُلُ في الفِتَن لم يَدْخُلْ معهم بل يثبتُ على البِرِّ والعبادةِ، ولقَد قيل: الدنيا ساعة، فاجعَلْها طاعة، والنفس طماعة فعلمها القناعة.

ورُوي عن الإمامِ البُخاريِّ رضي الله عنه أنه قال:

إِغْتَنِمْ في الفَرَاغ فَضْـــــلَ رُكوعٍ

فَعَسى أنْ يَكُونَ مَوْتُكَ بَغْته

 

 كم مِنْ صِحيحٍ ماتَ مِنْ غيرِ عِلَّةٍ

ذهبت نفسُـــه الصحيحةُ فَلْتَه

فالتقوى أصل السلامة، والزمان لا يثبت على حال كما قال عزّ وجلّ: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ فتارة فقر وتارة غنى، وتارة عز وتارة ذل، وتارة يفرح الموالي وتارة يشمت الأعادي.

فالسعيد من لازم أصلًا واحدًا على كل حال وهو تقوى الله عز وجل، فإنه إن استغنى زانته، وإن افتقر فتحت له أبواب الصبر، وإن عوفي تمت النعمة عليه، وإن ابتلي حملته، ولا يضره إن نزل به الزمان أو صعد، أو أعراه أو أشبعه أو أجاعه،

لأن جميع تلك الأشياء تزول وتتغير والتقوى أصل السلامة، حارس لا ينام. فمَنْ لم يعرف من نفْسه النّقصان فكلّ أوقاته نُقصان.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين وسلام على المرسلين وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مواقيت صلوات اليوم

    عمان, الأردن
    الصلاةالوقت
    الفجر2:57 AM
    شروق الشمس4:40 AM
    الظهر11:33 AM
    العصر3:13 PM
    المغرب6:26 PM
    العشاء7:57 PM

إن المعرفة الحقيقية لدخول أوقات الصلاة تقوم على المراقبة، أما ما نذكره هنا فمن باب الاستئناس

إن أوقات الصلاة الظاهرة هي فقط لمدينة عمان، الأردن

قنوات التواصل الاجتماعي