زيد المصري - Zaid Al-Masri

التفكر في مخلوقات الله 2

الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي بِيَدِهِ الإِيجَادُ وَالإِنْشَاءُ، وَالإِمَاتَةُ وَالإِحْيَاءُ، وَالإِعَادَةُ وَالإِبْدَاءُ، وَالإِنْعَامُ وَالآلاءُ، وَالْعَافِيَةُ وَالْبَلاءُ، وَالدَّاءُ وَالدَّوَاءُ، خَلَقَ الخير والشرَّ وكل الأَشْيَاء. أوجد الأَرْض وَالسَّمَاء، وَالظُّلُمَات وَالأَضْوَاء، وَالصَّبَاح وَالْمَسَاء، وَالرِّيح وَالْمَاء. وخلق ءادم وَعَلَّمَهُ الْعِلْمَ فَانْجَلَتْ عَنْهُ الظَّلْمَاءُ، وَعَرَّفَهُ خَطَّ الْخَطِّ فَجَاءَ الْهِجَاءُ، الأَلِفُ وَالْبَاءُ، وَالتَّاءُ وَالثَّاءُ، وَالْجِيمُ وَالْحَاءُ وَالْخَاءُ، وَالدَّالُ وَالذَّالُ وَالرَّاءُ، وَالزَّايُ وَالسِّينُ وَالشِّينُ وَالصَّادُ وَالضَّادُ وَالطَّاءُ، وَالظَّاءُ وَالْعَيْنُ وَالْغَيْنُ وَالْفَاءُ، وَالْقَافُ وَالْكَافُ وَاللامُ وَالْمِيمُ وَالنُّونُ وَالْهَاءُ، وَالْوَاوُ وَلامُ الأَلِفِ وَالْيَاءُ. وَبَثَّ مِنْ نَسْلِهِ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ، فَمِنْهُمُ الْعَالِمُ الذَّاكِرُ وَمِنْهُمُ الْجَاهِلُ النَّسَّاءُ، وَأَكْثَرُهُمُ الْغَافِلُونَ وَأَقَلُّهُمُ الأَلِبَّاءُ الأولياء. ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ .

أَحْمَدُهُ تعالى بِتَوْفِيقِي لِحَمْدِهِ الآلاءَ، وَأُقِرُّ بِأَنَّهُ مَالِكُ الْمُلْكِ يُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ وَيَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ يَشَاءُ، وَأُصَلِّي وَاُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ أَشْرَفِ رَاكِبٍ حَوَتْهُ الْبَيْدَاءُ، وَعَلَى صَاحِبِهِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ مُصَاحِبِهِ إِنْ وَقَعَتِ الشِّدَّةُ أَوِ الرَّخَاءُ، وَعَلَى عُمَرَ الْفَارُوقِ الَّذِي دَوَّخَ أهل الْكُفْر فَذَلَّتْ لَهُ الأَعْدَاءُ، وَعَلَى عُثْمَانَ الصَّابِرِ وَقَدِ اشْتَدَّ بِهِ الْبَلاءُ، وَعَلَى عَلِيٍّ صاحبِ الجودِ والوَلاء، وَعَلَى عَمِّهِ الْعَبَّاسِ الَّذِي سَأَلَتِ الصَّحَابَةُ بِهِ الْغَيْثَ فَسَالَتِ السَّمَاءُ.

أما بعد:

فقَد حَثَّ اللهُ تَعالى عِبادَه في كَثِيرٍ مِنْ ءايَاتِ القُرءانِ على النّظَرِ في مَلَكُوتِه لِمَعرفَةِ جَبَرُوتِه، فقَال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَىءٍ وَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)﴾ سورة الأعراف. معناه أَوَلَم يَنظُرُوا نَظَرَ استِدلالٍ.

وهَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّفَكُّرَ فِى مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَطْلُوبٌ مُهِمٌّ. والْمَلَكُوتُ الْمُلْكُ العَظِيمُ. ﴿وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَىءٍ﴾ أي وفيمَا خَلَقَ اللهُ مِمّا يقَعُ علَيهِ اسمُ الشّىءِ مِن أَجْنَاسٍ لا يَحصُرُها العَدَدُ.

﴿أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَىءٍ وَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)﴾ أَوَلم ينظُروا فيها نظَرَ تفَكُّرٍ وتَدَبُّرٍ حتى يَستَدِلُّوا بكَونها محَلّا للحَوادِث والتّغيِيراتِ على أنها محدَثاتٌ،

وأنّ الْمُحْدَثَ لا يَستَغني عن صَانِعٍ يَصنَعُه على هَيئَةٍ، ولا يجُوز علَى الخالق مَا يجُوز على المحدَثاتِ.

وقد استَدلَّ سيدنا إبراهيمُ الخَلِيل عليهِ السَّلام بمِثْل ذلكَ لإقامة الحجة على الكافرين الذين عبدوا الأصنام والأوثان والكواكب والشمس والقمر والنجوم.

فإبراهيم عليه السلام لم يعبُد إلا الله الذي خلق وكون كلَّ الحادثات وأبرزها من العدم إلى الوجود وهو خالق كل شىء ولا خالق إلا الله.

قال تعالى حكاية عن نبيه إبراهيم: ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)﴾ سورة الأنعام. ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67﴾ سوؤة ءال عمران.

ومعنى حَنِيفًا: أي مَائِلا عن الأديانِ البَاطِلَةِ إلى الإسْلام.

فاللهُ تبَارك وتعالى في القرءانِ الكريم أرشَدَنا إلى الاستِدلالِ بمَصنُوعاتِه ومخلوقَاتِه، على وجُودِه وقُدرتِه وعِلمِه وحِكمَتِه

فقال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ معناهُ لماذا لا يَستَدِلُّون على حَقِّيّةِ الإسلام بالتّفكُّرِ في مَلَكُوتِ السّماواتِ والأرضِ.

مَعناهُ كلُّ ما خَلَق اللهُ دليلٌ على وجُودِ اللهِ وعِلمِه وحِكمَتِه وقُدرَتِه وإرادَتِه، لأنّهُ لَولا وجُودُ مَوجُودٍ حَيٍّ قادِرٍ عَالمٍ مُريدٍ (أي ذِي مَشِيئةٍ) ما صَحَّ عقلا وجُودُ هذا العالَم.

وهذا تَوبيخٌ للكُفّار لعدَم تفَكُّرهم في ملَكُوت السّماوات والأرض، يرَون بأعيُنِهم وَلاَ يتفَكّرُون، بل وقَفُوا عندَ ما يجِدُونَه مِن أجدادِهم مِن عبادَة الأوثان، فذمَّهُم اللهُ لأنّهم لم يتفَكّروا.

وفي هذه الآيةِ الأَمرُ بالاستِدلالِ العَقلِيّ عَلى وُجُودِ اللهِ تَبارك وتعالى.

لذلكَ قَالَ عُلَماءُ أهلِ السُّنّةِ: “تَجِبُ مَعرفَةُ الدّليلِ العَقلِيّ على كُلّ مُكَلَّفٍ” فمَنْ لم يَعرفْ دَليلا عَقليًا وجَزَم بالعَقِيدَةِ الحَقّةِ صَحَّ إسلامُه لكنّهُ عَاصٍ بتَركِ الاستِدلالِ.

وقَد احتَجَّ سيدنا إبراهيمُ خَلِيلُ اللهِ علَيهِ وعلى نبِيّنا الصلاةُ والسّلام على إثباتِ وجُودِ اللهِ وتَنزِيهِه عن الحَدّ والهيئَةِ حِينَ استَدلَّ على بُطلَانِ دِينِ قَومِه عِبادَة الكوكَب والقَمر والشَّمس، بأنَّ هؤلاء الثّلاثةَ يتَحَوَّلُونَ مِن صِفَةٍ إلى صِفَةٍ،

دَلَّ ذلكَ على أنّ اللهَ تَباركَ وتَعالى ليسَ حَجمًا، لأنَّ الحَجْم يَقُومُ بهِ دَليلُ الحُدوثِ أيْ دَليلُ أنّهُ مَخلُوقٌ حَدَثَ بَعدَ أنْ كانَ مَعدُومًا، فيجِبُ تَنزِيهُ اللهِ تَباركَ وتَعالى عن الحَدّ أي الحَجْم، لأنَّ الحَجْمَ لا بُدَّ لهُ مِن حَدّ ولا بُدَّ لهُ مِن تغَيُّرِ الصّفَاتِ،

والانتقَالِ مِن صِفةٍ إلى صِفَةٍ، واللهُ تَبارك وتعالى مَدَح حُجَّةَ إبراهيمَ هَذه على قَومِه بقَولِه تَعالى: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ءاتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)﴾ سورة الانعام.

وَأَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى احْتِجَاجِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الأُلُوهِيَّةِ لِلْكَوْكَبِ وَالْقَمَرِ وَالشَّمْسِ، بِكَوْنِ الثَّلاثَةِ جِسْمًا يَتَحَوَّلُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَالتَّحَوُّلُ مِنْ أَوْصَافِ الْجِسْمِ،

فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ جِسْمًا وَلا يَكُونُ مُتَّصِفًا بِصِفَاتِ الْجِسْمِ، كَالتَّحَوُّلِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، كَتَحَوُّلِ الشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ،

وَأَيَّدَ هَذَا بِمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ مِنَ اسْتِدْلالِهِ عَلَى إِبْطَالِ دَعْوَى نُمْرُودَ فِي قَوْلِهِ:

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ ءاتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ  قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)﴾ سُورَةَ الْبَقَرَة.

ومعلوم أن الأنبياء عليهم السلام لا يكفرون بالرحمن، فقد عصمهم الله تعالى من الكفر، وهذه العصمة التي جُعلت للأنبياء قبل النبوة وبعدها.

ومن المفتريات التي طالت سيدنا إبراهيم عليه السلام اتهامُهُ أنه لم يكن عارفا بربه.

فإن من أهل الضلال من قال والعياذ بالله: (وإبراهيم تبدأ قصته فتى ينظر في السماء فيرى نجمًا فيظنه إلهه، فإذا أفلَ قال لا أحبّ الآفلين، ثم ينظر مرة أخرى فيرى القمر فيظنه ربَّه، ولكنه يأفل كذلك فيتركه ويمضي ثم ينظر إلى الشمس فيعجبه كبرها ويظنها ولا شك إلهًا ولكنها تخلف ظنه هي الأخرى) اهـ.

وهذا باطل، وفيه نسبة الشرك والكفر لنبيّ كريم صانه الله منذ الصغر من متاهات الكفر، وعَصَمَه مِن الزيغ والضلال. فسيدنا إبراهيم نبيّ رسول معصوم من الزيغ والإشراك كسائر إخوانه النبيين والمرسلين، فلا يقع في الشك في الإله المعبود،

ويكفي في براءة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ما قاله الله تعالى عنه: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67)﴾ سورة ءال عمران.

 ومعنى ﴿مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ أي أنه كان من طفولته إلى الممات على دين الإسلام، لم يعبد شمسًا ولا قمرًا ولا نجمًا ولا حجرًا ولا نارًا ولا وثنًا ولا شك في قدرة الله كما يفتري عليه الكفار بذلك.

وقال الله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (41)﴾ سورة مريم.

وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ءاتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51)﴾ سورة الأنبياء. فقد ظهر الحق واتضح وبانت براءة إبراهيم وكل الأنبياء من الشرك والكفر واتباع غير الإسلام.

وليس صحيحًا ما قيل ونُسب إليه انه كان يبيع الأصنام مع والده المشرك ءازر صانع الأصنام وعابدها وبائعها، بل سيدنا إبراهيم هو الذي نهى أباه عن عبادتها، كما أخبر الله عن إبراهيم

فقال سبحانه: ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا ءابَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَءابَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (54)

قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَىٰ ذَٰلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (56)﴾ سورة الأنبياء.

وقال عزَّ من قائل: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا (42)

يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43)

يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا (44)

يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)﴾ سورة مريم.

وهذه الآيات فيها الدلالة على أن إبراهيم عليه السلام بيَّنَ لأبيه المشرك بطلان ما هو عليه من عبادة الأوثان التي لا تسمع دعاء عابدها، فكيف تغني عنه شيئًا فهي لا تخلق ضرًا ولا نفعًا، فسيدنا إبراهيم كان عارفا بالله لم يعبد إلا الله تعالى، لم يعبد كوكبًا ولا شمسًا ولا قمرًا ولم يشكّ بربه قط.

فقد كان قوم سيدنا إبراهيم عليه السلام يعبدون الكواكب من دون الله سبحانه، فأراد سيدنا إبراهيم أن يبيّن لقومه أن عبادتهم لها فاسدة وباطلة، وأنها لا تصلح للعبادة أبدًا،

لأنها مخلوقة مسخّرة متغّيرة، تطلع تارة وتغيب أخرى، وتتغّير من حال إلى حال، وما كان هذا حاله لا يصلح أن يكون ألهًا، لأن المتغير يحتاج إلى من يغيره وهو الله تبارك وتعالى الدائم الباقي الذي لا يتغيّر ولا يزول ولا يفنى ولا يموت لا إله إلا هو ولا ربَّ سواه.

قال الله تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي  فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76)

فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي  فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77)

فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ  فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا  وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)﴾ سورة الأنعام.

ومعنى قول سيدنا إبراهيم عن الكوكب: ﴿هَذَا رَبِّي﴾ هو على تقدير الاستفهام الإنكاريّ، فكأنه قال: أهذا ربي كما تزعمون؟

قال الفخر الرازي في (التفسير الكبير) في تفسير قول إبراهيم ﴿هَذَا رَبِّي﴾: ما نصه: “معناه هذا ربي في زعمكم واعتقادكم”

ثم قال: “المراد منه الاستفهام على سبيل الإنكار إلا أنه أسقط حرف الاستفهام استغناء عنه لدلالة الكلام عليه” اهـ.

لذلك لما غاب الكوكب قال: ﴿لا أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾ أي لا يصلح أن يكون هذا الكوكب ربًّا لأنه يأفل ويتغيّر فكيف تعتقدون ذلك.

ولما لم يفهموا مقصوده وظلوا على ما كانوا عليه، قال حين رأى القمر مثل ذلك، فلمّا لم يجد بغيته أظهر لهم أنه بريء من عبادته أي من القمر لأنه لا يصلح للعبادة ولا يصلح للربوبية،

ثم لما أشرقت الشمس وظهرت قال لهم مثل ذلك، فلمّا لم يرَ منهم بغيته أيضًا ووجد أنهم أصحاب عقول سقيمة وقلوب مظلمة مستكبرة، أيس منهم وأظهر براءته من هذا الإشراك الذي وقعوا به وهو عبادة غير الله تعالى

فقال ﴿يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا  وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)﴾

فسيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان كغيره من الأنبياء منذ صغره ونشأته مُسلمًا مؤمنًا عارفًا بربه معتقدًا عقيدة التوحيد مُنزهًا له عن مشابهة المخلوقات، ومُدركًا أنَّ هذه الأصنام التي يعبدها قومه لا تغني عنهم من الله شيئًا،

وأنها لا تضر ولا تنفع لأن الضار والنافع على الحقيقة هو الله تعالى وحده. لا يشك بوجود الله طرفة عين.

ولم يكن كما يفتري عليه بعض أهل الجهل والضلال من قولهم إنه مرّ بفترات وأوقات شكّ فيها بوجود الله!

ثم الذي قال ﴿لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾ كيف يكون عبد النجوم؟! والذي اعترض على قومه لعبادتهم الأصنام كيف يعبد الصنم والنجوم؟!

وقد ناظرتُ رجلا من أدعياء العلم فبرأتُ نبي الله إبراهيم من أن يكون عبد كوكبا فقال لي: إن إبراهيم ظن أن القمر إلها قبل النبوة! فقلتُ له إن الأنبياء عصموا من الكفر قبل النبوة وبعدها.

فقال لي: هو لما رأى القمر قد غاب قال ﴿لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾ فتراجع! وقال ذلك لما رأى الشمس قد غابت! فقلتُ له: قوله ﴿هَذَا رَبِّي﴾ استفهام إنكاري، أي أهذا ربي كما تزعمون، فكان عليه السلام يرد على قومه ويقيم الحجة عليهم لبيان أن هذه الأشياء يستحيل أن تكون إلها،

ثم قلتُ له: أليس هو يرى الشمس تغيب في كل يوم؟! فهو يعلم قبل ذلك أنها تغيب وليس في ذاك اليوم فقط وهذا دليل واضح على أنه كان يبين لقومه الحق بأن الله هو الخالق الإله. والله الموفق لما يحب ويرضى.

وقد قال أبو الحسن علي بن أحمد السبتي الأموي المعروف بابن خُمَير في كتابه (تنزيه الأنبياء عما نَسَبَ إليهم حُثالة الأغبياء) ما نصه:

“وأما قولهم: نظر في الكوكب فقال: ﴿هَذَا رَبِّي﴾ مُعتقدًا لذلك فباطل. فإن هذا القولَ كُفرٌ صُرَاح، وما كَفَر نبيٌّ قطُّ ولا سَجَد لِوَثَنٍ قبل النبوة ولا بعدها، ولا تَفَوَّه أحدٌ من الأمة بذلك قط”

وقال: “فحاشاهم أن يكفروا اعتقادًا أو يتلفَّظوا بكلمةِ كُفر” اهـ.

فالأنبياء والرسل جميعهم يستحيل عليهم الكفر والضلال قبل النبوة وبعدها، لأنهم بعثوا هداة مهتدين ليعلموا الناس الخير،

فقد كان إبراهيم عليه السلام قبل مناظرته لقومه وإقامة الحجة عليهم وقبل دعوتهم إلى الإسلام والإيمان يعلم علمًا يقينًا لا شك فيه أن له ربًّا وهو الله تبارك وتعالى الذي لا يشبه شيئًا،

والدليل على ذلك من القرءان الكريم قوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ءاتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)﴾ سورة الانعام.

 فكيفَ غَابَ عن قُلُوبِهم أنَّ الخَالِقَ الذي خلقَ كلَّ شىء في هذا الكون فأبرزَهُ مِنَ العَدم إلى الوجودِ لا يُشبِهُ مَا يَخلُقُه.

وهَذا تَوبِيخٌ للكُفّارِ لأنّهم لم يتَفَكَّرُوا في مَخلُوقَاتِ اللهِ حتى يَعرِفُوا أنّهُ مَوجُودٌ وقَادِرٌ وعَلِيمٌ وحَكِيمٌ وأنّهُ لا يَستَحِقُّ أنْ يُعبَدَ أحَدٌ إلا هوَ، ولَو تَفَكَّرُوا لَعَلِمُوا أنَّ اللهَ مَوجُودٌ وأنّهُ قَادِرٌ على كُلّ شَىءٍ وأنّهُ لا يَستَحِقُّ أنْ يُعبَدَ أحَدٌ إلا هوَ،

فالتّفَكُّرُ في مَصنُوعَاتِ اللهِ يؤدّي إلى زِيَادَةِ اليَقِينِ بوُجُودِ اللهِ وعِلمِه وقُدرَتِه على كُلّ شَىءٍ، لأنّ الذي يَنظُر إلى حَالِ نَفسِه وحَالِ هَذه الأرض التي يَعِيشُ علَيها وسَائرِ المخلُوقاتِ يَزدَادُ يَقِينًا بوجُودِ اللهِ وأنّه لا يُشبِهُ شَيئًا،

لأنَّهُ لَو كانَ يُشبِهُ شَيئًا مَا خَلَقَ هَذه الأشيَاءَ. كُلُّ نَوعٍ خَلَقَه على شَكلٍ مَخصُوصٍ، خَلَقَ الأجسَامَ الكَثِيفَةَ وجَعَلَ بَعضَ خَلقِه متَحَيّزِينَ في جِهةِ فَوقٍ وبَعضَ خَلقِه مُتَحَيّزِينَ في جِهَةِ تَحت،

فمَنْ تفَكَّر في مَخلُوقَاتِ الله يَعرِفُ أنّ خَالِقَ العَالَم ليسَ جِسمًا كَثِيفًا كالإنسَانِ ولا جِسمًا لطِيفًا كالضَّوء والرّيْح، وأنّه ليسَ متَحيّزًا في جِهَةِ فَوق كبَعضِ خَلقِه، لأن الله منزه عن صفات المخلوقين

بدليل قوله تعالى: ﴿فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ  لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)﴾ سورة الشورى.

وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى ءاله وأصحابه وسلم وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

مواقيت صلوات اليوم

    عمان, الأردن
    الصلاةالوقت
    الفجر2:57 AM
    شروق الشمس4:40 AM
    الظهر11:33 AM
    العصر3:13 PM
    المغرب6:26 PM
    العشاء7:57 PM

إن المعرفة الحقيقية لدخول أوقات الصلاة تقوم على المراقبة، أما ما نذكره هنا فمن باب الاستئناس

إن أوقات الصلاة الظاهرة هي فقط لمدينة عمان، الأردن

قنوات التواصل الاجتماعي