زيد المصري - Zaid Al-Masri

فضلُ الصلاةِ على النبيِ ﷺ

الحمدُ لله العليّ العظيمِ، الملكِ الحقِ القويّ المتين، الذي قضى فأسقمَ الصحيح وعافى السقيم، وقدّر فأعان َالضعيف وأوهى القويم، قَسَمَ عبادهُ قسمينِ طائعٌ وأثيم، وجعل مآلَهُم إلى دارينِ دار النعيم و دار الجحيم، فمنهم من عصَمَهُ من الخطايا ومنهم من قضى له أن يبقى على الذنوب ويقيم، ومنهم من يتردَّدُ بين الأمرينِ والأعمال بالخواتيم، أحمدُهُ تعالى بأن مَنَّ علينا بالفضل الوافر العميم، وهدانا بمَنِّهِ إلى الصراط المستقيم، وحذرنا بلطفه من العذاب الأليم، فهو مُستَحِقُّ الحمد ومُستَوجِبُ التعظيم، أحمدُهُ وكيف لا يُحمد، وأشهد أنه لم يلد ولم يولد، وأنَّ محمدًا عبده الأمجد، وأقام عيسى يقول “ومُبشرًا برسولٍ يأتي مِنْ بعدي اسمُهُ أحمَد” اللهم صلِّ صلاة كاملة وسلم سلامًا تامّا على سيدنا محمدٍ الذي تنحَلُّ به العُقد وتنفرجُ به الكُرَب وتقضى به الحوائج وتُنالُ به الرغائبُ وحسنُ الخواتيم ويستسقى الغَمامُ بوجهِهِ الكريم وعلى ءالهِ وصحبه وسَلِّم.

أما بعد:

من علامات حب النبي ﷺ

فإن مِن علامات حب النبي ﷺ كثرة الصلاة عليه ﷺ، لأن من أحب شيئًا أكثر من ذكره في كثير من أحواله. يقول النبي ﷺ: “إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ القِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً” رواه البيهقي.

فأكثروا يا أحباب محمد ﷺ من الصلاة عليه فالصلاة عليه ترياق العارفين ولذة عباد الله الصالحين، وهي نعمة عظيمة من الله عز وجل على عباده المؤمنين، جعل الله فيها الهناء والسرور، والفرح والحبور وتيسير الأمور، وهي سيرة مرضية تمحى بها الآثام والذنوب وتنشرح بها الصدور، وتكشف بها الهموم، وتنجلي بها الغموم، وتقضى بها الحاجات، وترفع بها الدرجات، وتكفر بها الخطيئات والزلات وتكثر بها الأرزاق، وهي وسيلة خير مباركة تنال بها بإذن الله تعالى شفاعة الرسول الأعظم ﷺ يوم القيامة.

اللهم صلّ على محمد بعدد من صلى عليه من خلقك، وصلّ عليه بعدد من لم يصلّ عليه من خلقك، وصلّ على محمد كما تنبغي الصلاة عليه، وصلّ على محمد كما تجب الصلاة عليه، وصلّ على محمد كما أمرتنا بالصلاة عليه.

اللهم اجعل صلواتِك وبركاتِك ورحمتَك على سيدِ المرسلين وإمام المتقين محمدٍ عبدِك ورسولِك إمام الخير وقائدِ الخير ورسولِ الرحمة اللهم فكما أمرتنا بالصلاة عليه بلّغ صلاتنا إليه يا رب العالمين واجمعنا به في جنات النعيم مع الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

 

معنى الصلاة على النبي

والله تعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} سورة الأحزاب. فالله تعالى أمرنا بالصلاة والسلام على نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم ولا يكون ذلك بوقت مخصوص دون ءاخر، بل الصلاة عليه عليه السلام في أي وقت وحين، والصلاة من الله على رسوله عليه السلام أن يزيده الله شرفًا وتعظيمًا ورفعة ومكانة وقدرًا،

فمعنى اللهم صلِّ على سيدنا محمد: أي اللهم زد محمدًا شرفًا وتعظيمًا.

وسَلِّم: أي سلِّم أمته مما يخافه عليه السلام عليهم.

وقَال ابْنُ عَبَّاس في قوله تعالى: “إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا” مَعْنَاه أَنّ اللَّه وَمَلَائِكَتَه يُبَارِكُون عَلَى النَّبِيّ.

وَقَال بَكْر الْقُشَيْرِيّ: الصَّلَاة مِن اللَّه تَعَالَى لِمَن دُون النَّبِيّ ﷺ رَحْمة وللنبِيّ ﷺ تَشْرِيف وَزِيَادَة تَكْرِمَة.

 

مما ورد في فضل الصلاة على النبي

ومما ورد في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ما رواه مسلم عن أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً، صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرًا”

وروى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: “صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهَا زَكَاةٌ لَكُمْ، وَاسْأَلُوا اللهَ لِي الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا دَرَجَةٌ فِي أَعَلَى الْجَنَّةِ، لَا يَنَالُهَا إِلَّا رَجُلٌ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ”

وَرَوَى البيهقي عن أَنَس بن مَالِك أَنّ النَّبِيّ ﷺ قال: “من صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ وَحَطَّ عَنْهُ عَشْرَ خَطِيئَاتٍ وَرَفَعَ لَهُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ” وَفِي رِوَايَة: “وَكَتَب لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ”

وعن أنس بن مالك عن النبي ﷺ: “إِنَّ جِبْرِيلَ نَادَانِي فَقَال مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا وَرَفَعَهُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ”

وَمِن رِوَايَة عَبْد الرَّحْمن بن عَوْف عَنْه ﷺ: “لَقِيتُ جِبْرِيلَ فَقَالَ لِي إِنِّي أُبَشِّرُكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ مَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَمَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلَّيْتُ عَلَيْهِ”

وعن زَيْد بن الْحُبَاب قال: سَمِعْت النَّبِيّ ﷺ يَقُول: “مَنْ قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَنْزِلْهُ الْمَنْزِلَ الْمُقَرَّبَ عِنْدَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي”

وَعَن أبَيّ بن كَعْب رضي الله عنه قال أن  رَسُول اللَّه ﷺ قَال: “يَا أيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللهَ جَاءَت الرَّاجِفَة (هي النفخة الأولى) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَة (هي النفخة الثانية) جاء الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ” فَقَال أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ يَا رَسُولَ اللهِ إنّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فكم أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ قَال: “مَا شِئْتَ” قَال: الرّبْعَ؟ قَال: “مَا شِئْتَ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ” قَال: الثُّلُثَ؟ قَال: “مَا شِئْتَ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ” قَال: النّصْفَ؟ قَال: “مَا شِئْتَ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ” قَال: الثُّلُثَيْن؟ قَال: “مَا شِئْتَ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ” قَال: يَا رَسُولَ اللهِ أجْعَلُ لكَ صَلَاتِي كُلَّهَا (والمعنى أصرف جميع أوقات دعائي لنفسي للصلاة عليه) قَال: “إذًا تُكْفَى همَّكَ وَيُغْفَرَ لَكَ ذَنْبُكَ”

وَرَوَى ابن وَهْب أَنّ النَّبِيّ ﷺ قَال: “مَنْ سَلَّمَ عَلَيَّ عَشْرًا فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَ رَقَبَةً”

وَفِي بَعْض الآثار: “لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ مَا أَعْرِفُهُمْ إِلَّا بِكَثْرَةِ صَلَاتِهِمْ عَلَيَّ”

وَعَنْ أَبِي بَكْر الصديق رضي الله عنه: “الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ ﷺ أَمْحَق لِلذُّنُوب مِن الْمَاء الْبَارِد لِلنَّار، وَالسَّلَام عليه أفْضَل من عِتْق الرّقَاب” .

وروى مسلم عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قال سَمِعْتُ رَسُولَ الله ﷺ يقول: “إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا الله لِي الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لاَ تَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ الله، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ له الشَّفَاعَةُ”

وَعَن جَابِر بن عَبْد اللَّه قَال: قَال النَّبِيّ ﷺ: “مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَب هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ ءاتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ”

وَعَن سَعْد بن أَبِي وَقَّاص قال: مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ: “وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا غُفِرَ لَهُ”.

وقال ﷺ فيما رواه أبو داود: “إنَّ مِن أفضلِ أيَّامِكُم يومَ الجمعةِ فيهِ خَلقَ اللَّهُ ءادمُ وفيهِ قُبِضَ وفيهِ النَّفخةُ وفيهِ الصَّعقةُ فأَكْثروا منَ الصَّلاةِ عليَّ فيهِ فإنَّ صلاتَكُم يومَ الجمعةِ مَعروضةٌ عليَّ” قالوا: وَكَيفَ تُعرَضُ صلاتُنا عليكَ وقد أرِمتَ (أي بَليتَ) ؟! فقالَ: “إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ حرَّمَ على الأرضِ أن تأكُلَ أجسادَ الأنبياء”

وقال عليه السلام أيضا فيما وروى الحافظ السخاوي والدار قطني وغيرهما أن النبي ﷺ قال: “من صلى علي عصر يوم الجمعة ثمانين مرة غفر الله له ذنوب ثمانين عامًا”.

قال ابن الجوزي في بستان الواعظين: “اعْلَمُوا رحمكم الله أَن فِي الصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد ﷺ عشر كرامات: إِحْدَاهُنَّ صَلَاة الْملك الْجَبَّار. وَالثَّانيِة: شَفَاعَة النَّبِي الْمُخْتَار. وَالثَّالِثَة: الِاقْتِدَاء بِالْمَلَائِكَةِ الْأَبْرَار. وَالرَّابِعَة: مُخَالفَة الْمُنَافِقين وَالْكفَّار. وَالْخَامِسَة: محو الْخَطَايَا والأوزار. وَالسَّادِسَة: قَضَاء الْحَوَائِج والأوطار. وَالسَّابِعَة: تنوير الظَّوَاهِر والأسرار. وَالثَّامِنَة: النجَاة من عَذَاب دَار الْبَوَار. والتاسعة: دُخُول دَار الرَّاحَة والقرار. والعاشرة: سَلام الْملك الْغفار”.

وقال أيضا: لم يقسم الله بحياة أحد إِلَّا بحياة مُحَمَّد ﷺ.

 

ابْيَّضَ وجهه بعدما إسْوَدَّ ببركة الصلاة على النبي

رُوِيَ عَن عبد الْوَاحِد بن زيد أَنه قَالَ خرجت حَاجًا إِلَى بَيت الله الْحَرَام فصحبني رجل فِي الطَّرِيق كَانَ لَا يقوم وَلَا يقْعد وَلَا يَجِيء وَلَا يذهب وَلَا يَأْكُل وَلَا يشرب وَلَا يتَطَهَّر وَلَا ينَام وَلَا يتَصَرَّف فِي شَىء إِلَّا أَكثر من الصَّلَاة على مُحَمَّد ﷺ فَسَأَلته عَن ذَلِك فَقَالَ أحَدثك بعجب عَجِيب خرجت مرّة إِلَى مَكَّة ومعي وَالِدي فنزلنا منزلًا فِي مَوضِع من منَازِل الطَّرِيق فَنمت

فَإِذا أَنا بهاتف يَهْتِف بِي وَهُوَ يَقُول يَا فلَان قُم فقد أمات الله والدك وَقد اسود وَجهه فانتبهت فَزعًا مَرْعُوبًا مِمَّا سَمِعت! فَإِذا هُوَ رَاقِد وَقد غطي وَجهه فَكشفت الثَّوْب عَن وَجهه فَإِذا هُوَ ميت وَوَجهه أسود فَاشْتَدَّ حزني لذَلِك وتحيرت فِي أمره، فغلب عَليّ النّوم

فَإِذا أَنا بأَرْبعَة عِنْد رَأسه وَأَرْبَعَة عِنْد رجلَيْهِ بِأَيْدِيهِم أعمدة من حَدِيد من نَار وهم يُرِيدُونَ عَذَابه فَبَيْنَمَا أَنا أنظر فِيمَا يكون من أَمر وَالِدي معهم، إِذا بِرَجُل قد جَاءَ فأشرق من نور وَجهه الْموضع كُله الَّذِي كُنَّا فِيهِ وَأَقْبل عليهم وَقَالَ تنحوا عَنهُ فَتنحّوا عَنهُ من ساعتهم وغابوا عني فَلم أرهم،

ثمَّ أقبل على وَالِدي فَمسح بِيَدِهِ على وَجهه فَإِذا هُوَ أَشد بَيَاضًا من الثَّلج والنور قد علا وَجهه ثمَّ أقبل عَليّ فَقَالَ لي: بيض الله وَجه أَبِيك وَزَالَ عَنهُ السوَاد. فَقلت لَهُ: من أَنْت فجزاك الله عَنهُ خيرا ؟ قَالَ: أَنا مُحَمَّد رَسُول الله. فَقلت لَهُ: يَا رَسُول الله ﷺ مَا كَانَ السَّبَب فِي مجيئك إِلَيْهِ

فَقَالَ ﷺ: أمَّا والدك فَكَانَ مُسْرِفًا على نَفسه غير أَنه كَانَ يكثر من الصَّلَاة عَليّ فَلَمَّا نزل بِهِ مَا نزل اسْتَغَاثَ بِي وَأَنا غياثٌ لمن أَكثر الصَّلَاة عَليّ. قال: فَقُمْت من نومي فَكشفت الثَّوْب عَن وَجهه فَإِذا هُوَ قد ابيض فَأخذت فِي أمره وشرعت فِي دَفنه فَمَا تركت الصَّلَاة على النَّبِي ﷺ بعد ذَلِك.

 

الصلاة على النبي تنوير للوجوه والقلوب

قال ابن الجوزي رحمه الله: فَإِذا كَانَت الصَّلَاة على النَّبِي ﷺ تورث تنوير الْوَجْه بعد الْمَمَات فَأولى أن تورث تنوير الْقُلُوب فِي الْحَيَاة،

وَقد سَمَّاهُ الله فِي كِتَابه سِرَاجًا منيرا

وَوصف من اتبع أمره وسنته وأحبه بِنور الْقلب، قَالَ الله تَعَالَى: {أَفَمَن شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ}

وَوصف من خَالف دينه وَمن لم يُؤمن بِهِ بظلمة الْقلب فقَالَ تَعَالَى: {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} 

فمالكم عباد الله غافلون عَن هَذِه الْفَضِيلَة وَالنعْمَة الدائمة الجزيلة، عباد الله تَعَاهَدُوا الصَّلَاة على حبيبنا مُحَمَّد ﷺ لِأَن الله تَعَالَى إِذا أَرَادَ بِعَبْدِهِ خيرًا يسر لِسَانه للصَّلَاة على مُحَمَّد ﷺ وَإِذا أَرَادَ بِعَبْدِهِ شرًا حبس لِسَانه عَن الصَّلَاة على مُحَمَّد ﷺ فَيكون ذَلِك سَببًا لسواد وَجهه كَمَا أَن الصَّلَاة لتنوير الْقلب.

 

فائدة:

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “من صلى علي في يوم ألف مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة” أورده الحافظ السخاوي في كتابه القول البديع. وقال الإمام أحمد بن حنبل: لا بأس به.

 

قُضِيّ ديْنه وأصبح غنيًا ببركة الصلاة على النبي

وأذكر قصة رجل ابتليَ بالدّيْن ولم يستطع أن يسدد الدّين الذي عليه وتكالب عليه أصحاب الدّين، فذهب إلى أحد التجار واستدان منه خمسمائة دينار حتى يسدد الدّين الذي عليه وضرب له أجلًا، وذهب بالمال ووزعه على الدائنين، وازداد حاله سوءًا حتى جاء موعد سداد الدّين للتاجر وليس معه شىء حتى جاءه التاجر وطالبه بالمال، فقال له: والله لا أملكُ منه شىء،

فشكاه للقاضي وقال له: لم لا ترد المال الذي عليك ؟ فقال له: والله لا أملك منه شيئًا. فأمر بحسبه !  فقال له: أمهلني للغد حتى أذهب لعيالي فأخبرهم وأودعهم ثم ءاتيكَ ! فقال له القاضي: وما الضمان أن تأتي وقد حكمتُ عليك بالسجن ؟! فسكتَ بُرهةً وقال: ضمانتي رسولُ الله ﷺ ! فوافق القاضي، فذهب لبيته،

فجلس هو وزوجته يصلون على النبي ﷺ حتى نام، فرآى رسول الله ﷺ (وتعلمون أن رؤية النبي ﷺ في المنام فيها البشارة وقد قال ﷺ: “من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي” متفق عليه.) رآى رسول الله في المنام يقول له: إذا كان الصباح فاذهب إلى السلطان واقرءهُ مني السلام وقل له يقول لك رسول الله سدد عني ديني لفلان، وقل معي علامتان: إنك أيها الوالي تصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليلة الواحدة ألفَ مرة، وفي الليلة الأخيرة أخطأت في عدها وأخبره بأنها قد وصلت كاملة.

فاستفاق الرجل وذهب للسلطان وقال له: لقد أفلستُ وضاقت بيَ الدنيا وليس معي ما أسدد به ديني (وأخبره بقصته وما جرى معه) ثم قال له: ولقد رأيت رسول الله ﷺ البارحة يقول لي: اذهب إلى فلان (وذكر اسمه) وأقرءهُ مني السلام وقل له يقول لك رسول الله سدد عني ديني لفلان، وقال لي بأنك تصلي عليه في كل ليلة ألف مرة وفي الليلة الأخيرة قد أخطأت العدد، ويخبرك بأنها قد وصلت كاملة ! فبكى الوالي، فأعطاه الخمسمائة دينار ليسد به دينه وأعطاه زيادة على المال ألفان وخمسمائة دينار.

وبعدها ذهب الرجل للقاضي وكان القاضي ينتظره بشوق، فما وصل عنده قال له القاضي: ببركتك رأيتُ رسول الله ﷺ البارحة في الرؤيا، وإذ بالقاضي يجهز خمسمائة دينار من ماله ويقول خذ هذا المال وسدد به دينك فإني رأيتُ رسول الله ﷺ يقول لي: إذا سددت عن هذا دينَه وفَّينا عنك يومَ القيامة.

فدخل صاحب الدّين وهو يقول: لقد رأيتُ رسولَ الله ﷺ يقول لي: إذا عفوتَ عن هذا عفونا عنك يوم القيامة ! وأخرج خمسمائة دينار أخرى وأعطاها للرجل.

قد جاء الرجل قبلها بيوم وهو مديون بخمسمائة دينار ورجع إلى بيته بأربعة ءالاف دينار. وهذا معنى من معاني بركات وأسرار الصلاة على النبي ﷺ.

 

في مدح النبي

حب النَّبِي على الْأَنَام فَرِيضَة … وَلَا تنس ذكر الْهَاشِمِي الأكرم

إِن الصَّلَاة على النَّبِي وَسِيلَة … فِيهَا النجَاة لكل عبــد مُسلــم

صلوا على الْقَمَر الْمُنِيـر فَإِنَّـهُ … نور تبدى فِي الْغَمَــام المظلــم

 

ورد في ذم من لم يصل على النبي

وقد ورد فِي ذم من لَم يصل عَلَى النَّبِيّ ﷺ ما رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: “رَغِم أنْفُ رجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ علَيَّ” (والمراد هنا أنه فوَّت على نفسه خيرًا كثيرًا)

وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: “الْبَخِيلُ الَّذِي ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فلم يُصَلِّ عَلَيَّ” رواه الترمذي.

وَعَن قَتَادَة أن رسول الله ﷺ قال: “مِنَ الْجَفَاءِ أَنْ أُذْكَرَ عِنْدَ الرَّجُلِ فَلَا يُصَلَّي عَلَيَّ” رواه الترمذي.

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: “لَا يَجْلِسُ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَا يُصَلُّونَ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً وَإِنْ دَخَلُوا الْجَنَّةَ لِمَا يَرَوْنَ مِنَ الثَّوَابِ” رواه الترمذي. ومعناه يقول ياليتني ما فَوَّتُّ ذلك لِعِظَمِ الثواب الذي يُرى لمن فعل ذلك.

فإذا ذُكر النبي ﷺ في مجلس وفارقته دون أن تصلي وتسلم عليه فاعلم أنك قد وقعت في كراهة شديدة، فإذا صليت دون أن تسلم تكون وقعت في كراهة أيضًا لأن هذا فيه مخالفة لظاهر قوله تعالى: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِمُوا تَسْلِيْمًا} .

 

ورد فِي تخصيصه ﷺ بإبلاغه الصَلَاة والسلام

وقد ورد فِي تخصيصه ﷺ بإبلاغه الصَلَاة والسلام مِن أمته ما جاء عَن أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: “من صَلَّى عَلَيَّ عِنْدَ قَبْرِي سَمِعْتُهُ وَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ نَائِيًا بُلِّغْتُهُ”

وَعَنِ ابن مَسْعُود عن النبي  ﷺ قال: “إنَّ للهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الأَرْضِ يُبَلِّغُونِي عَنْ أُمَّتِي السَّلَامَ”

فكثرة الصلاة على النبي ﷺ هي من علامات تعلق القلب به ﷺ  .

 

صيغة المكيال الأوفى

والصلاة على النبي ﷺ تصح بأي صيغة من الصيغ الموافقة للشرع، وقد دلنا عليه السلام على صيغة عظيمة فيها أجر كبير لمن قالها، فقد روى أبو داود في سننه أنه ﷺ قال: “من سره أن يَكتالَ بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل: اللهم صلِّ على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على ءال إبراهيم إنك حميد مجيد”

وهذه الصيغة مجربة لرؤية النبي ﷺ في المنام، فمن قالها مائة مرة على سبع ليال على نية رؤية النبي في المنام فإنه يرجى له أن يراه ﷺ.

 

شرط نيل ثواب الصلاة على النبي

ويشترط لنيل ثواب الصلاة على النبيﷺ عدم زيادة الياء في كلمة (صلِّ) فإن من الناس من يقول اللهم صلي على النبي وهذا غلط شنيع، وقد قال عبدُ الله بنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: “مَنْ قال في تَشَهُّدِهِ اللَّهُمَّ صَلِّي لَمْ يُجْزِهِ ولو جاهلًا أو ناسيًا” بلِ العامدُ العَالِمُ بالعربيَّة يَكْفُرُ بهِ لأنه خطابُ مؤنَّث،

ويشترط تصحيحُ حرفِ الصَّادِ مُمَيَّزَةً عن السِّين فمَنْ لا يميِّز بينَهما في النُّطْقِ فلا ينالُ ثوابَ الصَّلاةِ على النبيِّ عليه السلام، ولا يقال سل على محمد بل صل، فالعنايةُ بحِفْظِ مخارجِ الحروفِ أمرٌ مُهِمٌّ، وَقَدْ مَرَّ عُمَرُ بن الخطاب باثْنَيْنِ يَتَبَارَيَانِ بالرَّمْيِ فقَالَ أَحَدُهُمَا للآخَرِ: أَسَبْتَ، بَدَلَ أَنْ يَقُولَ أَصَبْتَ، فَقَالَ لَهُ سَيِّدُنَا عُمَر: “سُوءُ اللَّحْنِ أَشَدُّ مِنْ سُوءِ الرَّمْي” رواه البُخَاريُّ في الأَدَبِ الْمُفْرَد.

 

الرد على من حرَّم قول سيدنا محمد

وأما تحريم بعض الجهال قول (سيدنا) محمد في الصلاة الإبراهيمية فمردود فيجوز للشخص أن يقول في الصلاة وغيرها (اللهم صل على محمد) أو أن يقول (اللهم صل على سيدنا محمد) كلاهما جائز، ولا حجة لهم بحديث: (لا تسيدوني في الصلاة) فإنه مكذوب وهو مخالف للُّغة ورسول الله ﷺ لا يقول ما يخالف به اللغة، فيقال (ساد يسود) وليس (ساد يسيد) فلو كان صحيحًا لقال (لا تسودوني) وليس (لا تسيدوني)

 

الرد على من حرَّم الصلاة على النبي

ومما يجب الحذر منه أيضا تحريم بعضهم الصلاة على النبي بعد الأذان، فقد ظهرت طائفة ضالة حرمت على المسلمين ذلك واعتبروها بدعة ضلالة، بل ومنهم من قال والعياذ بالله بأن الذي يصل على النبي بعد الأذان كالذي ينكح أمه تحت جدار الكعبة، فيظهر منهم عداء وبغض واضح للنبي عليه السلام، وقد صرح بعضهم فقال وهو يتحدث عن ناحية: استطعنا بفضل الله أن نطهر سبعين بالمائة من المساجد من الصلاة على النبي بعد الأذان. والعياذ بالله !! وكأن الصلاة على النبي عندهم دنس يُتطهر منها فحاربوها وتركوا محاربة أعداء الدين.

وأول من أحدث الجهر بالصلاة على النبي بعد الأذان القائد الإمام الشجاع صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، وليس بها تغيير في الأذان لأن المؤمن يصلي على النبي بعد الأذان، بل يسن عند ذكر النبي الصلاة عليه عليه السلام والمؤذن يقول في الأذان أشهد أن محمدا رسول الله فهو يصلي عليه بعده، وهذا له أصل من الحديث وهو قوله عليه السلام: “إذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ” ولم يقل عليه السلام صلوا علي سرًا ولا تصلوا علي جهرًا.. وفي إطلاق ذلك دليل على الجواز.

 

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

مواقيت صلوات اليوم

    عمان, الأردن
    الصلاةالوقت
    الفجر2:59 AM
    شروق الشمس4:41 AM
    الظهر11:33 AM
    العصر3:13 PM
    المغرب6:25 PM
    العشاء7:55 PM

إن المعرفة الحقيقية لدخول أوقات الصلاة تقوم على المراقبة، أما ما نذكره هنا فمن باب الاستئناس

إن أوقات الصلاة الظاهرة هي فقط لمدينة عمان، الأردن

قنوات التواصل الاجتماعي