زيد المصري - Zaid Al-Masri

حكم الحج وفوائده

الحمد لله الملك الجليل، المنزه عن النظير والعديل، والشبيه والمثيل، المنعم بقبول القليل، المتكرم بإعطاء الجزيل، تقدس عما يقول أهل التعطيل، وتعالى عما يعتقد أهل التمثيل، نصب للعقل على وجوده أوضح دليل، وهدى إلى وجوده أبين سبيل، أمر ببناء بيت وجل عن السكنى الجليل، ثم حماه لما قصده أصحاب الفيل “وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ” أحمده تعالى كلما نطق بحمده وقيل، وأصلي وأسلم على نبيه محمد النبي النبيل، وعلى صاحبه أبي بكر الذي لا يبغضه إلا ثقيل، وعلى عمر وفضل عمر فضل طويل، وعلى عثمان وكم لعثمان من فعل جميل، وعلى علي وجحد قدر علي تغفيل، وعلى عمه العباس المستسقى بشيبته فإذا السحب تسيل.

أما بعد:

 

فقد قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)﴾ سورة الحج.

وقد استجاب الله دعوة نبيه إبراهيم ﷺ وجعل الكعبة البيت الحرام مقصد الملايين من المسلمين يؤمونها كل عام من كلّ فج عميق من مشارق الأرض ومغاربها، على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وألوانهم لا فرق بين فقير وغني وكبير وصغير، ولا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى.

يقول الله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا  إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ  إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾ سورة الحجرات.

واعلموا أن لأعمال الحج وشعائره فوائد وحكمًا عظيمة ومزايا جليلة لو أدرك كثير من المسلمين مغزاها لتسابقوا إليها، فالحج مؤتمر إسلامي سنوي هائل، يجتمع فيه مئات الآلاف من المسلمين، يدعون ربهم وخالقهم ويتعارفون ويأتلفون ويصبحون بنعمة الله إخوانا،

وتتجلى معاني الأخوة في أجلى صورها، فالحجاج جميعهم خلعوا الملابس والأزياء المزخرفة ولبسوا لباس الإحرام الذي هو أشبه ما يكون بأكفان الموتى قائلين: “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إنّ الحمد لك والملك لا شريك لك”

وهم متجردون من مباهج الحياة الدنيا الفانية، صغيرهم وكبيرهم، غنيهم وفقيرهم، كلّهم سواء لا يتفاضلون إلا بالتقوى كما أخبرنا الحبيب الأعظم المعلّم الأكبر سيدنا محمد ﷺ فقال: “لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى “ رواه الإمام أحمد.

والحجّ تمرين عملي للإنسان على الصبر وتحمل المشاق والمصاعب لمواجهة مشاكل الحياة، والجهاد في سبيل الله لنيل الدرجات العلى والفوز بجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، فهو باب واسع للخيرات والثواب، وتنافس على فعل الطاعات التي هي زاد للآخرةكما قال سبحانه: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ﴾

وإن لشعائر الحج والمشاهد والمواقف التي يقوم بها الحاج أثناء أداء مناسك الحج حكم عظيمة وعبر جليلة، فالحاج عندما يرفع صوته بالتلبية قائلا: (لبيك اللهم لبيك) هذا الموقف والنداء يذكرنا بيوم القيامة عندما ينفخ إسرافيل عليه السلام بالصور وتنشق القبور ويخرج الناس من قبورهم أفواجًا

وهم على ثلاثة أصناف وأقسام، قسم طاعمون كاسون راكبون وهم المسلمون الأتقياء الذين أدوا الواجبات واجتنبوا المحرمات، وقسم يكونون حفاة عراة وهم المسلمون العصاة أصحاب الذنوب الكبيرة، وقسم يحشرون ويجرون على وجوههم إهانة لهم وهم الكفار.

والله تعالى يقول: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)﴾ سورة الزلزلة.

 

الحكمة من الطواف

والطواف فيه من حكمة عظيمة، فالطواف حول الكعبة مظهر من مظاهر العبودية لله وحده وامتثال لأمره، لأنه هو الذي أمرنا بالطواف حول بيته المشرّف كما أمرنا باستقبال القبلة وهي الكعبة عند الصلاة، ثم إنّ من حكم الطواف حول الكعبة تعظيم هذا البيت الذي عظمه الله وأمر بتعظيمه، وهو رمز لجمع قلوب المسلمين وتوحيدها على عبادة الله وحده الذي يستحق العبادة،

وأما ما يفتريه أعداء الإسلام من قولهم: إنّ الإسلام دين وثنية لأنّ المسلمين يتشبهون بعبدة الأصنام عندما يطوفون حولها !!

فالرد على هؤلاء أن نقول: إن المسلمين لا يعبدون الكعبة عندما يطوفون حولها وإنما يعبدون الله وحده، لأنّ الطواف حول الكعبة امتثال لأمر الله الذي أمر بالطواف حولها، وأَمَرَ بتعظيمها وجعلها رمزا لتوحيد قلوب المسلمين على عبادته سبحانه.

 

والحكمة من الطواف أننا مهما درنا وإلى حيث توجهنا فإننا ثابتين على طاعة الله تعالى.

 

الله لا يسكن الكعبة

وليس الطواف حول الكعبة على معنى أنّ الله ساكن في الكعبة حالٌّ بها، لأنّ عقيدة المسلمين أنّ الله سبحانه وتعالى موجود بلا كيف ولا مكان ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فالله تعالى لا يسكن الكعبة ولا يسكن السماء وليس منحلا في الأمكنة،

بل عقيدة المسلم أنّ الله الذي خلق جميع المخلوقات لا يشبه المخلوقات ولا يشبه شيئا، ليس هو جسما وليس هو ضوءا وليس له صورة وهيئة وكيفية موجود بلا مكان، مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك.

هذه عقيدة المسلم في الإيمان بالله سبحانه وتعالى فاثبتوا عليها وتمسّكوا بها، فهذه هي العقيدة التي كان عليها الرسول ﷺ وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم تكن من المفلحين والله يتولى هداك.

 

السعي بين الصفا والمروة

والسعي بين الصفا والمروة يذكِّر بمكة مهبط الوحي التي جعلها الله ءامنة مطمئنة، ويذكر بجهاد رسول الله ﷺ وصحابته في الدعوة إلى دين الله، وفي هذا المكان كانت هاجر أم إسماعيل، وقد تركها نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع ولدها إسماعيل في ذلك المكان المبارك من مكة بغير ماء بأمر من الله،

فما زالت تتردد في هذه البقعة المباركة بحثا عن الماء لها ولابنها بين الصفا والمروة متوكلة على الله حتى كشف الله كربتها وفرج شدتها وأخرج لها ماء زمزم الطيب المبارك، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ  وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ (3)﴾ سورة الطلاق.

 

الوقوف بعرفة

وأما الوقوف بعرفة ففيه حكمة عظيمة وذكرى جليلة، فرؤية الحجاج بالآلاف فوق عرفات، يذكرنا بيوم القيامة وما فيه من مواقف عظيمة، نرى شدة ازدحام الناس على جبل عرفة ونسمع ارتفاع أصواتهم بالدعاء لله الملك الديان، متذللين خاشعين يرجون رحمته ويخافون عذابه، يدعون الله خالقهم ومالكهم وهم على لغات شتى وألوان وأحوال مختلفة،

كل هذا يذكّرنا بيوم القيامة ومواقفها المهيبة الهائلة، حيث يقف الجميع متذللين مفتقرين لخالقهم مالك الملك الواحد القهار،

في هذا الموقف يتذكر الحاج أيضًا اجتماع الأمم مع أبنائهم ويتذكر كيف يفرّ المرء في ذلك اليوم من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرىء يومئذ شأن يغنيه.

يقول تعالى: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ ءامَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ  وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ (73)﴾ سورة الزخرف.

 

رمي الجمار

 وأما رميّ الجمار فلنا فيه حكمة عظيمة أيضا، ففيه إنقياد وامتثال لأوامر الله تعالى حيث أمر برمي الجمار فعند رمي الجمرات يتذكر الحاج كيف ظهر الشيطان لسيدنا إبراهيم ليوسوس له عند كل واحدة، فرماه سيدنا إبراهيم ﷺ بالحصى كما أمره الله إهانة له،

فنحن معاشر أمة محمد ﷺ أمرنا بهذا الرمي إحياء لسنة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وفي ذلك رمز لمخالفة الشيطان وإهانته، وكأن الرامي يقول في نفسه للشيطان لو ظهرت لنا كما ظهرت لإبراهيم لرميناك إهانة لك، وليست هذه الأماكن مسكنا للشيطان كما يظن بعض الناس.

 

نسأل الله العظيم ربّ العرش العظيم أن يجعلنا من حجاج البيت الحرام ومن زوّار حبيبه المصطفى ﷺ ومن التائبين المتقين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

مواقيت صلوات اليوم

    عمان, الأردن
    الصلاةالوقت
    الفجر3:02 AM
    شروق الشمس4:42 AM
    الظهر11:33 AM
    العصر3:13 PM
    المغرب6:23 PM
    العشاء7:53 PM

إن المعرفة الحقيقية لدخول أوقات الصلاة تقوم على المراقبة، أما ما نذكره هنا فمن باب الاستئناس

إن أوقات الصلاة الظاهرة هي فقط لمدينة عمان، الأردن

قنوات التواصل الاجتماعي