زيد المصري - Zaid Al-Masri

الأضحية

الحمد لله رب العالمين، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على أشرف الخلق وسيد المرسلين سيدنا محمد طه الأمين، وعلى ءاله وصحابته الغر الميامين، ومن تبعهم وسار على نهجهم ومنوالهم إلى يوم الفصل والدين.

أما بعد:

الأدلة على الأضحية

اعلموا رحمكم الله برحمته أن الأضحية ما يُذبحُ من النَّعَم تقربًا إلى الله تعالى، سمِّيَت بأولِ أزمِنَةِ فِعلِها وهو وقتُ الضُّحى. وقد شُرِعَت في السنة الثانية للهجرة وأنزل الله تبارك وتعالى قوله: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ سورة الكوثر.

ورَوَى الإمامُ مسلمٌ في صحيحه أنَّ النبيَّ ﷺ ضَحَّى بكَبْشَينِ أَمْلَحَينِ أَقْرَنَينِ ذَبحَهُمَا بيدِه وسَمَّى وكَبَّرَ. والأملحُ: الأبيضُ. والأَقْرَنُ: الكَبْشُ الذي له قرنانِ معتدلان. وقد أجمع المسلمونَ على مشروعيَّة الأُضْحِيَّة.

وقد روى عبد الرزاق في مصنَّفِهِ أن النبي ﷺ حث على الأُضحِيَّة فقال: “ضَحُّوا وَطَيِّبُوا أَنْفُسَكُم فَإِنَّهُ لَيِسَ مِنْ مُسْلِمٍ يُوَجِّهُ ضَحِيَّتَهُ إِلَى القِبْلَةِ إِلَا كَانَ دَمُهَا وَفَرْثُهَا وَصُوفُهَا حَسَنَاتٍ مُحْضَرَاتٍ في مِيزِانِهِ يَومَ القِيَامَةِ”

وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْلُه تَعَالَى: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ من شَعَائِر اللهِ﴾ وَقَولُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ .

 

سنة مؤكدة

وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكّدَةٌ لمن قَدَرَ عليها أي في حَقِّ الـمُوسِر للحاج ولغير الحاج عِنْدَ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَالأَكْثَرِيْنَ إِنْ لَم تَكُنْ مَنْذُورَةً. وَذَهَبَ مَالِكٌ رَحمَهُ اللهُ إِلَى وُجُوبِهَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُقِيْمِ بِالبَلَدِ الَّذِي يَمْلِكُ النِّصَابَ كَمائَتَيْ دِرهَمٍ فِضَّةً.

ويصِحُّ النَّذْرُ فِي الأُضْحِيَّةِ، فَالأُضْحِيَّةُ إِمَّا مَنْذُوْرَةٌ أَوْ مُتَطَوَّعٌ بِهَا. فَالْمَنْذُوْرَة لَا يَجُوْزُ لَهُ أَن يَأْكُل مِنْهَا شَيْئا، وَأمَّا التَطَوُّعُ بها فَلَهُ أن يَأْكُل مِنها اسْتِحْبَابًا لَا وُجُوبًا وَيُهْدِي مِنْهَا حتَى الأغنِياءَ إِنْ شَاءَ. والأضحية لَا تُعْمَلُ عَن مَيِّتٍ إن لم يُوصِ بها. لكن يجوز إهداء الميت ثوابها بعد فعلها.

 

ما يجزئ في الأضحية

ويجزئ في الأضحية الجذعة من الضأن والثنية من المعز والإبل والبقر، الجَذَعُ مِنَ الضَأْنِ (أَيِ الخَرُوْفِ) وَهُوَ الذي استكمل سنة، عَلَى الأَصَحِّ أو أَسْقَطَ مُقَدَّمَ أسنَانهِ، وقيل: لَهُ سِتّةُ أَشْهُرٍ، وقيلَ: ثَمانيةٌ. وأما الثَّنِيُّ مِنَ الْمَعزِ وَهُوَ مَا لَهُ سَنَتَانِ ودَخَل فِي الثَّالِثَةِ. ومِنَ البَقَرِ مَا لَهُ سَنَتانِ. ومِنَ الإِبلِ مَا لَهُ خَمْسُ سِنِينَ كَامِلَة. وَيُجْزِئُ الذَكَرُ وَالأُنْثَى.

ويشترط أن لا تكون عمياء ولا عوراء بيّنٌ عورها ولا مريضة بيّنٌ مرضها ولا عرجاء تعجز عن المشي في المرعى.

 

وقت الأضحية

ويَدْخُلُ وَقْتُ الأُضحِيّةِ بعد مُضِيِّ قَدْرِ رَكعتينِ وخُطبتينِ بعد طُلوعِ الشَّمْسِ يومَ عيد النحر أي في العاشر من ذي الحجة، أي يدخُلُ وقتُ الأُضْحِيَّةِ إذا ارتفعتِ الشَّمْسُ قَدْرَ رُمْحٍ ومَضَى قَدْرُ وَقْتِ صلاةِ العيدِ والخُطْبتين.

فإن ذبح قبل ذلك لم يجزئه وذلك لحديث الشيخين عن البراء رضي الله عنه قال: خطب رسول الله ﷺ يوم النحر بعد الصلاة فقال: “مَنْ صَلَى صَلَاتَنَا هَذِهِ وَنَسَكَ نُسُكَنَا فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ صَلَاتِنَا فَتِلَكَ شَاةُ لَحْمٍ فَلْيَذْبَحَ مَكَانَهُ” رواه البخاري ومسلم.

وَيَبْقَى وقتها إلى غُروبِ الشَمْسِ مِن ءاخِرِ أيامِ التَشْرِيقِ أي الثالثَ عَشَرَ مِن ذِي الحُجَّة، وإنْ كان حَاجًّا فالأفضَلُ أن يَذْبَحَ عَقِيبَ رَمْيِ جَمْرة العَقَبة قبلَ الحَلْق. ويصح الذبح ليلا أو نهارًا بعد دخول وقتها. وَأَمَّا مَحَلُّ التَّضْحِيَة فَبَلَدُ الْمُضَحِّي، وَفِي جَوَازِ نَقْلِهَا إلى بَلَدٍ ءَاخَرَ وَجْهَانِ.

 

المشاركة في الاضحية

وتُجْزِئ الشَّاةُ عَن شَخْصٍ وَاحِدٍ، ويصح اشتراك سبعة في الأضحية وذلك باشتراكهم في ذبح ناقة أو بقرة ولو اشترك أقل من سبعة صح. فالبَدَنةُ مِنَ الإِبِلِ عَن سَبْعَةِ أَفْرادٍ وَالبَقَرةُ عَن سَبْعَةٍ، لَكِنِ الشَّاةُ الوَاحِدَةُ عَنِ الفَرْدِ الوَاحِدِ أَفْضَلُ مِنَ الْمُشَارَكَةِ بِسُبُعِ بَدَنَةٍ أَوْ سُبُعِ بَقَرةٍ.

 

أفضل الأضحية

وَأَفْضَلُ الأُضْحِيّةِ أَحْسَنُها وأَسمنُها وأَطْيَبُها وأَكْمَلُها. وَالأَبْيَضُ أَفْضَلُ مِنَ الأَغْبَرِ (أَيِ الَّذِي يَعْلُو بَياضَهُ حُمْرَةٌ)، وَالأَغْبَرُ أَفْضَلُ مِنَ الأَبْلَقِ (أَيِ الَّذِي بَعْضُهُ أَبْيَضُ وَبَعْضُهُ أَسْوَدُ)، وَالأَبْلَقُ أَفْضَلُ مِنَ الأَسْوَدِ.

 

شروط الذبح

والذَّبْحِ له شُرُوْط، فلصِحَّةِ ذكاة المأكُول لا بدَّ من قطعِ الحُلقومِ والمريء جميعًا بآلةٍ لها حَدٌّ ، فلو بقيَ شىءٌ منهما لم يحِلَّ المذبوح. ويُشترطُ أنْ يكونَ في الحيوانِ حياةٌ مستقرَّة قبلَ ذبحه، ومن أَماراتها انفجارُ الدَّم بعد قطعِ الحُلقومِ والمريء. ويُشترطُ لحِلِّ الذَّبيحةِ أنْ تكونَ ممَّا يحِلُّ أكلُها وأنْ يكُونَ الذَّابحُ مسلمًا أو يهوديًّا أو نصرانيًّا، فلا تحِلُّ ذبيحةُ مرتدٍّ أو مجوسيٍّ أو وثنيٍّ.

 

يستحب عند الذبح

ويُسْتَحَبُ عِنْد الذَّبْحِ خَمْسَةُ أَشْيَاء: التَّسْمِيَةُ، وَالصَّلَاة علَى النَّبِي ﷺ، واسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالذَّبِيْحَةِ، وَالتَّكْبِيرُ، وَالدُّعَاء بِالْقبُولِ، فيَقُول: بِسم اللهِ واللهُ أكبَرُ وصلّى الله علَى رسولِه مُحَمّدٍ وعلَى ءَالِهِ وَصَحْبِه وَسَلَّم، اللهُمَّ مِنْكَ وإِليكَ فتَقَبَّلْ مِنّي، أو يَقُول تَقَبَّلْ مِن فُلانٍ صاحِبِها إنْ كانَ يَذْبَحُ عَن غَيْرِهِ.

فيُستحبُّ أن يستقبلَ بذبيحتهِ القبلةَ وأنْ يكونَ في مَشْهَدٍ من أهلهِ وأنْ يُسَمِّيَ الله ويُكَبِّرَ ويقُولَ: اللَّهُمَّ تقبَّل منِّي. فالرجل يُسْتَحَبُّ له أن يَتَوَلَّى ذَبْحَ أُضْحِيّتهِ بِنَفْسهِ ويُسْتَحَبُ للمرأةِ أن تَسْتَنِيبَ رَجُلا يَذْبَحُ عَنها، ويَنْوِي الشخصُ عِندَ ذَبْحِ الأُضْحِيّة المنْذُورَة أنهُ ذَبِيحةٌ عن أُضْحِيّتِهِ المنذُورةِ،

وإن كان تَطَوُّعًا نَوَى التَقَرُّبَ بها إلى الله تعالى. وَلَوِ اسْتَنَابَ في ذَبْحِ أُضْحِيَّتِهِ جازَ،

ويُسْتَحَبُ أن يَحْضُرَ صاحِبُها عِندَ الذَبْحِ، فَقَدْ رَوَى البَيْهَقِيُّ عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّهُ ﷺ قَالَ لِفَاطِمةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: “قُوْمِي إلى أُضْحِيَّتِك فاشْهَدِيها فإنّهُ بأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِن دَمِها يُغْفَرُ لَكِ ما سَلَفَ مِن ذَنْبِكِ” .

 

توزيع الأضحية

ويُستحبُّ أنْ يَتَصَدَّقَ بالثُّلُثِ ويُهْدِيَ الثُّلُثَ ويأكُلَ الثُّلُثَ وذلك لقوله تعالى: ﴿فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ سورة الحج. ويجوز أن يتصدق بجميع الأضحية للفقراء.

أمَّا الْمَنْذُوْرَةُ فَيَلْزَمُ التَّصَدُّقُ بِهَا عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ بَعْدَ الذَّبحِ كَمَا مَرَّ،

وَأَمَّا الْمُتَطَوَّعُ بِهَا فَتُوَزَّعُ أَثْلَاثًا: ثُلُثًا لِلْفُقَرَاءِ وَثُلُثًا لِأَهْلِهِ وَثُلُثًا هَدِيَّةً،

ومِنَ الهَدِيَّةِ يُعْطَى الأَغْنِيَاءُ إن شاء المضحّي. وَلَيْسَ تَوْزِيْعُهَا بِحَيْثُ يُشْتَرَطُ فِي كُلِّ ثُلُثٍ أَجْزَاءٌ مُعَيَّنَةٌ. ثُمَّ لَوْ دُفِعَتْ لِفَقِيْرٍ وَاحِدٍ يَجُوزُ،

وَكَمَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَذَبْحَ الْمُضَحِّي بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُوَزِّعَهَا بِنَفْسِهِ أَيْضًا، فَالَّذِي يُرِيْدُ تَوْكِيْلَ شَخْصٍ ثِقَةٍ بِتَوْزِيْعِ الأَضَاحِيِّ عَلَى الْمُسْتَحِقِّيْنَ يَقُولُ لِمَنْ يَثِقُ بِهِ: “خُذ هَذِهِ الأَضحية وَوَزِعها عَلَى الفُقَرَاءِ” مَثَلًا.

 

ما لا يجوز في الأضحية

تنبيه: لا يجوزُ بيعُ شيء من الأُضْحِيَّةِ سَواءٌ في ذلكَ اللَّحمُ والشَّحْمُ والجلدُ والقَرْنُ والصُّوفُ وغَيْرُها.

ولا يجوزُ جَعْلُ الجلدِ وغيرِه منْ أجزائهَا أجرةً للجَزَّار.

فقد رَوَى البيهقيُّ عن رسول الله ﷺ، أنه قال: “مَنْ باعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتهِ فلا أُضْحِيَّةَ له”

فلا يـجوز بيعُ شىئ من الأُضحيّة سواءٌ كانت نذرًا أم تطوعًا،

وروى البخاري ومسلم عن علي رضي الله عنه أنه قال: “أمرني رسول الله ﷺ أن أقوم على بُدْنِهِ وأن أُقَسِّم لحومَها وجلودَها وجِلالَها على المساكين ولا أعطي في جُزارَتِها شيئًا منها”.

 

الحكمة من الأضحية

والأضحية إخوةَ الإيمان سنةُ سيدنا إبراهيم عليه السلام فقد قال عنها رسول الله ﷺ: “سُنَّةُ أَبِيِكُمْ إِبْرَاهِيِمُ” رواه ابن ماجه وأحمد والبيهقي في السنن وغيرهم.

وذلك أن سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام أوحي إليه في المنام أن يذبح ولده إسماعيل، كما أخبر الله بذلك في كتابه الكريم حيث قال تعالى: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ، فَلَمَّا أسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِيْن، وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ، إِنَّ هَذَا لَهُوَ البَلَاءُ المُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ سورة الصَّافات/102-107.

فالخليلُ إبراهيمُ عليه السلام أُمِرَ في المنام، أُمِرَ بِوَحْيٍ أنْ يَذْبَحَ وَلَدَهُ ثَمَرَةَ فُؤادِه إسماعيل عليه السلام: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنّي أَذْبَحُكَ﴾ وَرُؤْيَا الأنبياءِ وَحْيٌ،

وأرادَ أنْ يَعْرِفَ قَرَارَ وَلَدِه فقال ﴿فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى﴾ لم يَقْصِـــدْ إبراهيمُ عليه السلامُ أنْ يُشاوِرَ وَلَدَه في تَنفيذِ أمـــرِ اللهِ ولا كـانَ مُــــتردِّدًا، وإنما أرادَ أن يَعرِفَ ما في نَفْسِيّةِ وَلَدِه تُجاهَ أمرِ الله،

فجاءَ جوابُ إسماعيلَ عليه السلام، جاءَ جوابُ الولدِ المحبّ لله أكثرَ مِن حُبِّه للحياة: ﴿قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَآءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾

وأمّا قولُه: ﴿إِنْ شَآءَ اللهُ لأنَّه لا حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله تكون. فوالله لولا اللهُ ما اهتدَيْنا ولا تصدّقنا ولا صلّينا.

فأخذَ إبراهيمُ النبيُّ الرَّسولُ خَليلُ الرَّحمنِ ولدَه وابتعدَ بِه حتى لا تشعرَ الأمُّ، وأَضْجَعَهُ على جَبِيْنِه، والجبهةُ بين الجبينين، أضجعه على جبينِه فقال إسماعيلُ لأبيه: “يا أبي اكْفُفْ عَني ثوبَكَ حتى لا يتلطّخ مِنْ دَمِي فَتَرَاهُ أُمّي، وأَسْرِعْ مَرّ السّكين، ليكونَ أهونَ للمَوتِ عليّ، فإذا وَصَلْتَ إلى أُمّي أَقْرِئْهَا السلام”

فَضَمَّهُ إبراهيمُ قائلا: “نِعْمَ الوَلَدُ أَنْتَ يا بُنَيَّ على تَنْفِيْذِ أَمْرِ الله” وباشَرَ سيّدُنا إبراهيمُ بـِمَرِّ السكِّينِ على عُنُقِ وَلَدِه إسماعيل، فلم تَقْطَعْ لأنّ السِكِّينَ سَبَبٌ عادِيٌّ لا تَخْلُقُ ما يحدُثُ عنها، وإنما خالقُ القَطعِ فيها إذا قَطَعَتْ هو اللهُ تعالى، وزادَ إبراهيمُ في محاوَلَتِه،

 وإذْ بِنِدَاءِ جبريلَ وقدْ نَزَلَ بِكَبْشٍ مِنَ الجنة بأمرِ الله ﴿وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)﴾” سورة الصافات.

 

العبرة العظيمة

وحَرِيٌّ بشباب اليوم أنْ يأخُذوا العِبْرَةَ العظيمةَ مِنْ هذه القِصَّة، وأنْ يكونَ الواحد منهم نِعمَ العَوْن لأبيهِ عَلَى تَنْفيذِ أوامِرِ اللهِ سبحانَه وتعالى، وأنْ يكونَ بَارًّا بِأُمّه وأبيه عملا بقوله تعالى: ﴿وَبالوالِدَيْنِ إِحسَانًا﴾ أن يطيعَ والدَيهِ فيما لا معصيةَ فيه، وأن يعلموا أن بر الوالدين من أعظم الطاعات،

وحريٌّ بالآباء اليومَ أنْ يُعينوا أبناءهم على البر والطاعة، أن يكون الواحد منهم ءاخِذًا بِيَدِ وَلَدِهِ إِلى طريقِ الخيرِ والهدى والفلاحِ، إلى مجالسِ عِلْمِ الدّينِ لِيَقطِفَ ثمرةً عظيمةً طيّبةً ويَرَى ءاثارَ هذه المجالسِ الطيبةِ العَطِرَةِ على وَلَدِهِ،

فَحَرِيٌّ بالأَبِ أنْ يَعْتَنِيَ بِوَلَدِهِ بالتربيةِ الإسلامِيّةِ وأن يَحُثَّهُ على التَّخَلُّقِ بالأخلاقِ الحميدةِ فيحصِدُ بعدَ ذلك بإذنِ اللهِ ولدًا بارًّا مُعِيْنًا له على طاعةِ الله.

 

الوحدة بين المسلمين

يُعَدُّ هذا الاجتماعُ في هذا اليومِ العظيم بآثارِهِ الحميدةِ وحِكَمِهِ الساميةِ مَظْهَرًا منْ مَظَاهِرِ الوِحدةِ الإسلامية، وإن وِحدةَ الصفّ واجتماعَ الكلمةِ والابتعادَ عنِ الفُرقةِ ونبذَ التنازعِ الـمُفْضِي إلى الفَشَل وذهابِ الريح هو مِنَ المقاصِدِ الكُبرَى لهذا الدّين،

فقدْ أخرجَ البخاريُّ ومسلمٌ عن أبي بَكْرَةَ رضي الله عنه أنه قال: خَطَبَنَا رسولُ اللهِ يومَ النَّحْرِ فقال: “فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، فَلاَ تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلاَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ يَكُونُ أَوْعَىَ لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ”

وقال رسول اللّه ﷺ أيضًا: “لا تَحاسَدُوا، وَلا تَناجَشُوا، وَلا تَباغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلا يَبع بَعْضُكُمْ على بيع بَعْضٍ وكُونُوا عِبادَ اللَّهِ إخْوانًا، المُسلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ وَلا يَخْذُلُهُ وَلا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنا ـ وأشار إلى صدره ثلاثًا ـ بِحَسْبِ امْرىء مِنَ الشَّرّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسلم على المُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ ومَالُهُ وَعِرْضُهُ” رواه مسلمٌ وغيرُه.

وقال ﷺ أيضًا: “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَىَ مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَىَ لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّىَ” رواه البخاريُّ ومُسلم.

وبهذا تتحقق الوحدة ويكونُ الاعتصامُ الصحيح.

 

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين والطاهرين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

مواقيت صلوات اليوم

    عمان, الأردن
    الصلاةالوقت
    الفجر3:02 AM
    شروق الشمس4:42 AM
    الظهر11:33 AM
    العصر3:13 PM
    المغرب6:23 PM
    العشاء7:53 PM

إن المعرفة الحقيقية لدخول أوقات الصلاة تقوم على المراقبة، أما ما نذكره هنا فمن باب الاستئناس

إن أوقات الصلاة الظاهرة هي فقط لمدينة عمان، الأردن

قنوات التواصل الاجتماعي