زيد المصري - Zaid Al-Masri

يوم عرفة

الحمد لله الملك الجليل، المنزه عن النظير والعديل، والشبيه والمثيل، المنعم بقَبول القليل، المتكرم بإعطاء الجزيل، أمر ببناء بيت وجل عن السكنى الجليل، ثم حماه لما قصده أصحاب الفيل، فأرسل عليهم طيرا أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، أحمده تعالى كلما نُطق بحمده وقيل، وأصلي وأسلم على نبيه محمد النبي النبيل، وعلى صاحبه أبي بكر الذي لا يبغضه إلا ثقيل، وعلى عمر وفضل عمر فضل طويل، وعلى عثمان وكم لعثمان من فعل جميل، وعلى علي وجحد قدر علي تغفيل، وعلى عمه العباس المستسقى بشيبته فإذا السحب تسيل.

 

أما بعد:

أفضل الأيام

فقد جعل الله سبحانه وتعالى محطات يتزود بها المؤمن لآخرته يكون فيها الثواب الجزيل، ومنها هذه الأيام وهي أيام عشر ذي الحجة المباركة العظيمة،

قال الله تعالى: ﴿وَالفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالوَتْرِ﴾ سورة الفجر. قال ابن عباس رضي الله عنهما: “هي عشر الأضحى” والشفعُ هو يوم النحر، الذي هو يوم الحج الأكبر، والوَترُ هو يوم عرفة.

وأخرج الامام أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه عن ابنِ عَبّاسٍ قال: قال رَسُولُ الله ﷺ: “مَا مِنْ أيّامٍ الْعَمَلُ الصّالِحُ فيهَا أحَبُّ إلَى الله مِنْ هَذِهِ الأيّامِ يَعْني أيّامَ الْعَشْرِ”

قالُوا: يَا رَسُولَ الله وَلاَ الْجِهَادُ في سَبِيلِ الله؟

قالَ: “وَلاَ الْجِهَادُ في سَبِيلِ الله إلاّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَىءٍ”

وقد دلت الأحاديث على أن العمل الصالح في العشر الأول من ذي الحجة يزيد على ما سواه، وأفضل أيام العشر بل أفضل يوم من أيام العام هو يوم عرفة، يوم التاسع من ذي الحجة، فقد روى ابن حبان في صحيحه من حديث جابر عن النبي ﷺ قال: “أَفْضَلُ الأَيَامِ يَومُ عَرَفَةَ”.

 

الحج عرفة

وعرفة هو اليوم الذي يقف فيه الحجاج على أرض عرفات لأداء هذا الركن العظيم، وقد قال رسول الله ﷺ: ” الحج عرفة “ ومعناه من فاته الوقوف بعرفة فقد فاته الحج،

 

اليوم أكملت لكم دينكم

وفي هذا اليوم نزلت على رسول الله ﷺ ءاية عظيمة لما كان عليه الصلاة والسلام على أرض عرفة في حجته التي عرفت بحجة الوداع، نزل عليه قول الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ سورة المائدة.

وفي الصحيحين واللفظ للبخاري عن ‏عمر بن الخطاب رضي الله عنه ‏ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ: “يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، ءايَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَؤونَهَا لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا !

قَالَ: أَيُّ ءايَةٍ ؟

قال: ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا﴾ سورة المائدة،

قَالَ سيدنا عُمَرُ: “قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ”.

وفي بعض الروايات قال سيدنا عمر رضي الله عنه: “نَزَلَتْ يَومَ جُمُعَةٍ يَومَ عَرَفَةَ وَكِلَاهُمَا بِحَمْدِ اللهِ لَنَا عِيْدٌ”

وقال ابنُ عَبّاسٍ رضي الله عنهما: “فَإِنّهَا نَزَلَتْ في يَوْمِ عِيدَيْنِ: في يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَيَوْمِ عَرَفَةَ” رواه الترمذي وغيره.

 

ءاخر ءاية نزلت من كتاب الله

وهذه الآية ليست هي ءاخر ءاية نزلت من كتاب الله كما شاع عند كثير من الناس وإنما ءاخر ءاية نزلت هي قول الله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ  ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)﴾ سورة البقرة.

 

من مظاهر الوحدة

وإنّ الأمةَ المحمّديةَ تنتظرُ بشوقٍ لتشهدَ أبْهَى مظاهرِ الوحدة، حيثُ يجتمعُ المسلمونَ بأشكالهم المختلفةِ وألسنتِهم المتعدّدة تحتَ رايةِ التوحيد التي جمعتهم فوقَ أرضٍ واحدةٍ يدعونَ ربًّا واحدًا، وإنَّ موقفَ المسلمينَ على أرضِ عرفة قائلين: “لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك” موقفٌ تنشدُّ له الأبصار، موقفٌ تحنُّ لهُ القلوب،

والله تعالى يقول: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا  وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا  كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)﴾ سورة ءال عمران

﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جميعا﴾ أمْرٌ بالتمسّكِ بالدِّين والوقوفِ عندَ حدودِ الدينِ والاعتصامِ بحبل الله المتين.

﴿ ولا تَفَرَّقُوا﴾ لأنّ في الفُرقةِ ضعفًا وفي الوحدة قوّة.

ويُذكّرُنا اللهُ بالنعمةِ العظيمةِ فقال: ﴿واذْكُرُوا نعمةَ اللهِ عليكُم﴾ وهي نعمةُ الإيمانِ بالله العظيم.

فلقدْ بيّن اللهُ لنا في القرءانِ أنّ صحابةَ النبيِّ ﷺ توحّدوا واجتمعوا على الإيمان بالله ورسوله وتآلفُوا وتآخَوا وتظلَّلُوا تحتَ رايةِ (لا إله إلا الله محمّد رسول الله) ووجّهوا أنظارَهم نحوَ هدفٍ واحدٍ وهو رفعُ هذه الراية، وتوحّدوا على دربِ التقوى وجمعهم الإخلاصُ لله والتضحيةُ لله عزّ وجلّ.

وإنّ الاعتصامَ المنجي هو الاعتصامُ بكتابِ الله وسُنّةِ رسولِ الله ﷺ، وكم هو عظيمٌ قولُ رسولِ الله ﷺ عندَما خطبَ في الناسِ في حجّةِ الوداع فقال: “يـَا أَيُهَـا النَّاسُ إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيْكُمْ مَا إِنّ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلّوا أَبَـدًا كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ”

 

أحاديث في فضل يوم عرفة

وجاء في فضل يوم عرفة أحاديث كثيرة منها ما رواه مسلم في الصحيح عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال: ‏‏”مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ”.‏

 

وعن طلحةَ بنِ عبيد اللهِ أحدِ العشرةِ المبشرين بالجنة رضي الله عنهم أن رسول الله ﷺ قال: “ما رؤي الشيطانُ أصغرَ ولا أحقرَ ولا أدحرَ ولا أغيظ منه في يوم عرفة وما ذاك إلا أن الرحمة تنزل فيه فيتجاوزُ عن الذنوب العظام “ رواه عبد الرزاق في مصنفه.

 

وأخرج مالك في الموطأ ‏أن رسول الله ﷺ ‏قال: “مَا رُؤيَ الشَيْطَانُ يَومًا هُوَ فِيِهِ أَصْغَرُ، وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أحْقَرُ وَلَا أغْيَظُ مِنْهُ في يَومِ عَرَفَةَ، وَمَا ذَاكَ إِلَا لمَا يَرَىَ مِنْ تَنَزُّلِ الرَحْمَةِ، وَتَجَاوْزِ اللهِ عَنْ الذُّنُوبِ العِظَامِ، إِلَا مَا أُرِيَ يَومَ بَدْرٍ”

‏قِيِلَ: وَمَا رَأىَ ‏يَومَ ‏‏بَدْرٍ ‏يَا رَسُولَ اللهِ ؟

قَالَ: ” أَمَّا إِنَّهُ قَدْ رَأىَ جِبْرِيِلُ يَزَعُ المَلَائِكَةَ” (أي يُرَتِّبَهم ويُسَوِّيِهم ويَصُفُّهم للحرْب).

وفي موطأ مالك أن ‏رسول الله ‏‏ﷺ ‏‏قال:“أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا والنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِى لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ” فاجتهدوا بالدعاء في هذا اليوم.

 

وعن الفضيل بن عياض رضي الله عنه أنه نظر إلى بكاء الناس بعرفة فقال: “أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل واحد فسألوه دانقا أكان يردهم ؟

قالوا: لا،

قال: “والله للمغفرة عند الله عز وجل أهونُ من إجابة رجل لهم بدانق “

 

وعن سالمِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنهم أنه رأى سائلا يسألُ الناس يومَ عرفةَ فقال: “يا عاجزا في هذا اليوم تسأل غير الله تعالى”

 

صيام يوم عرفة

ويستحب صيام يوم عرفة لغير الحاج، فقد روى مسلم عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سُئِلَ رسول الله ﷺ عن صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: “يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ” وأما بالنسبة للحاج فلا يصوم، فقد ثبت في الصحيح أن رسول الله وقف مفطرًا، والعمل على هذا عند أكثرِ أَهلِ العلمِ يَستَحِبُّونَ الإفطَارَ بعَرَفَةَ ليتَقَوَّى بِهِ الرَّجلُ عَلَى الدَّعاءِ.

 

حكم إفراد الجمعة بصيام

وكثير من الناس من يسأل: ما حكم إفراد الجمعة بصيام؟ وإذا وافق يوم الجمعة يوم عرفة مثلا هل له أن يفرده؟

الجواب: يكره أن يصوم يوم الجمعة وحده، فإن وصله بيوم قبله أو بيوم بعده لم يكره، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: “لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله أو يصوم بعده” رواه البخاري ومسلم.

 

وروى البخاري ومسلم أن رجلًا سأل جابرًا رضي الله عنه: أنهى رسول الله ﷺ عن صوم يوم الجمعة ؟ قال: نعم.

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : “لا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين سائر الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم” رواه مسلم.

 

وعن أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها أن النبي ﷺ دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: “أصمت أمس؟” قالت: لا، قال: “أتريدين أن تصومي غدا؟” قالت: لا، قال: “فأفطري” رواه البخاري.

لذا فالمعتمد عند العلماء أنه يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم فإن وصله بصوم قبله أو بعده أو وافق عادة له بأن نذر صوم يوم شفاء مريضه فوافق الجمعة لم يكره.

وقال النووي في شرح مسلم: “يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم إلا أن يوافق عادة له فإن وصله بيوم قبله أو بعده أو وافق عادة له بأن نذر أن يصوم يوم شفاء مريضه أبدا فوافق يوم الجمعة لم يكره لحديث “لا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صيام يصومه أحدكم” رواه مسلم.

فإذا لم يوافق إفراد يوم الجمعة عادة له كأن كان يصوم يوما ويفطر يوما أو يصوم عاشوراء أو عرفة فوافق يوم صومه فلا كراهة.

 

 وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين وسلام على المرسلين وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مواقيت صلوات اليوم

    عمان, الأردن
    الصلاةالوقت
    الفجر3:02 AM
    شروق الشمس4:42 AM
    الظهر11:33 AM
    العصر3:13 PM
    المغرب6:23 PM
    العشاء7:53 PM

إن المعرفة الحقيقية لدخول أوقات الصلاة تقوم على المراقبة، أما ما نذكره هنا فمن باب الاستئناس

إن أوقات الصلاة الظاهرة هي فقط لمدينة عمان، الأردن

قنوات التواصل الاجتماعي