زيد المصري - Zaid Al-Masri

الأرزاق

الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين، هاديا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا وهاجا وقمرا منيرا، سيدنا وحبيبنا محمد وعلى ءاله وصحابته الغر الميامين ومن تبعهم وسار على منوالهم إلى يوم الفصل والدين.

أما بعد:

 

فاعلموا رحمكم الله أنَّ لِكُلِّ واحِدٍ مِنّا رِزقًا قسمَهُ اللهُ لهُ لا يَموت حتى يأخُذَهُ، فمَن سعى لِأخْذِ رزقهِ مِن حلالٍ فإنه لا ينقُص قرشًا ولا دينارًا، ومَن سعى لِأخذِهِ مِن حرامٍ فإنه لا يزيدُ قرشًا ولا دينارًا، وهذا هو مُعتَقَدُ أهل الحقِّ

وهذا ما قاله الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ إلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ” (أي يَكتب الملك على أي شىء يموت، على الإيمان أو على الكفر)

ثم قال عليه السلام: “فَوَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ إنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا”

وفي هذا الحديث أربعُ قضايا مِن أمور الغيب يَجِبُ الإيمانُ بها واليقين الجازم بِصِدْقِها، وسأقصر في حديثي على اثنين منها، وهما: الأَجَل والرِّزق، وقد دلَّت نصوص الكتاب والسُّنَّة على أن الله كَتَب الآجالَ والأرزاق، فلا يَزيد فيهما حرصُ حريص، ولا يردُّهما كراهِيةُ كارِهٍ.

 

الأجل

فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ” رواه مسلم.

والله تعالى يقول: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145)﴾ سورة ءال عمران.

وقال جل وعز: ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)﴾ سورة الأعراف.

وقد ظنَّ بعضُ المنافقين أنَّ تأخُّرَهُم عنِ الجهاد في سبيل الله وجبنَهم عن ملاقاة الأعداء سيكون مانعًا لهم من الموت، فقطع الله تلك الآمالَ الكاذبة بقوله: ﴿ يقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَىءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154) ﴾ سورة ءال عمران.

 

الرزق

ومثلُ الأجلِ الرِّزق، فاعلموا أن الله تعالى هو الرازق، ومعنى الرازق: الذي يوصل الأرزاق إلى عباده. والرزق هو ما ينفع ولو كان محرمًا.

والله تعالى يقول: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)﴾ سورة الإسراء. فإن ما كُتب للعَبْدِ سينالُه لا محالة،

قال تعالى: ﴿ وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (6) ﴾ سورة هود.

وقال جل وعز: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ (23) ﴾ سورة الذاريات.

وروى مسلم في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ وَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ”

وعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن أَحَدَكُمْ لَنْ يَمُوتَ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ رِزْقَهُ، فَلا تَسْتَبْطِئُوا الرِّزْقَ، وَاتَّقُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَيُّهَا النَّاسُ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ” رواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد.

وفي رواية عند الحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لَيْسَ مِنْ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى الْجَنَّةِ إِلا قَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَلا عَمَلٌ يُقَرِّبُ إِلَى النَّارِ إِلا قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، لا يَسْتَبْطِئَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ رِزْقَهُ، إنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَلْقَى فِي رُوعِيَ (أي في قلبي) أَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَنْ يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَكْمِلَ رِزْقَهُ، فَاتَّقُوا اللَّهَ أَيُّهَا النَّاسُ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنِ اسْتَبْطَأَ أَحَدٌ مِنْكُمْ رزْقَهُ، فَلا يَطْلُبْهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يُنَالُ فَضْلُهُ بِمَعْصِيَةٍ”

وفي رواية عند أبي نعيم في الحلية عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعِي (أي في قلبي) أنّ نَفْسًا لنْ تَمُوتَ حَتّى تَسْتَكْمِلَ أجَلَها وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَها، فأجْمِلُوا في الطَّلبِ، ولا يَحْمِلنَّ أحَدَكُمُ اسْتِبْطاءُ الرِّزْقِ أنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةِ، فإنّ الله لا يُنالُ ما عِنْدَهُ إلا بِطاعَتِهِ”

وفي رواية الطبراني من حديث أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “نَفَثَ رُوحَ القُدُسِ في رَوعِي أَنّ نَفسًا لَنْ تَخرُجَ مِنَ الدُّنْيَا حَتَى تَستَكمِلَ أَجَلَهَا وَتَستَوعِبَ رِزقَهَا فَأجْمِلُوا في الطَلَبِ وَلَا يَحمِلَنَّكُم استِبطَاءُ الرِّزقِ أَنْ تَطلُبُوهُ بِمَعصِيَةِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ لَا يُنَالُ مَا عِندَهُ إِلَا بِطَاعَتِهِ” .

فما كُتب للعبد من رِزق وأجل لا بد أن يستكمله قبل أن يموت، فعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لَوْ أَنَّ ابْنَ ءادَمَ فَرَّ مِنْ رِزْقِهِ كَمَا يَفِرُّ مِنَ المَوْتِ، لأَدْرَكَهُ رِزْقُهُ كما يُدْرِكُهُ المَوْتُ” رواه أبو نعيم في الحلية.

وروى الحاكم في المستدرك عن عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا”

فالتوكل سبيل للخلاص من الجشع والطمع وطلب الحرام من الرزق، والتوكل هو الاعتماد على الله، فمن توكل على الله فهو حسبه كما قال رب العزة في كتابه العظيم: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَىءٍ قَدْرًا (3)﴾ سورة الطلاق.

 

أبو عبدالرحمن حاتم الاصم

وها هو الزَّاهِدُ الْقُدْوَةُ الرَّبَّانِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَاتِمُ الأصم رضي الله عنه وأرضاه، الْوَاعِظُ النَّاطِقُ بِالْحِكْمَةِ، لَهُ كَلَامٌ جَلِيلٌ فِي الزُّهْدِ وَالْمَوَاعِظِ وَالْحِكَمِ، كَانَ يُقَالُ عنه: (لُقْمَانُ هَذِهِ الْأُمَّةِ) وكان قد اجْتَمَعَ بِالْإِمَامِ أَحْمَدَ بِبَغْدَادَ. توفي سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ هجرية رحمه الله.

قِيلَ لَهُ: عَلَى مَا بَنَيْتَ أَمْرَكَ فِي التَّوَكُّلِ ؟ قَالَ: “عَلَى خِصَالٍ أَرْبَعَةٍ: عَلِمْتُ أَنَّ رِزْقِي لَا يَأْكُلُهُ غَيْرِي، فَاطْمَأَنَّتْ بِهِ نَفْسِي، وَعَلِمْتُ أَنَّ عَمَلِي لَا يَعْمَلُهُ غَيْرِي، فَأَنَا مَشْغُولٌ بِهِ، وَعَلِمْتُ أَنَّ الْمَوْتَ يَأْتِي بَغْتَةً (أي فجأة) فَأَنَا أُبَادِرُهُ، وَعَلِمْتُ أَنِّي لَا أَخْلُو مِنْ عَيْنِ اللَّهِ (أي أن الله يراني) فَأَنَا مُسْتَحيٍ مِنْهُ”

فوالله من عمل بهذه الخصال بلغ التوكل على الله سبحانه.

وقال سيدنا حاتم الأصم رضي الله عنه أيضا: “تَعَاهَدْ نَفْسَكَ فِي ثَلَاثٍ: إِذَا عَمِلْتَ فَاذْكُرْ نَظَرَ اللَّهِ إِلَيْكَ (أي أن الله يراك وهو مطلع عليك، وهو يرى كل المرئيات حتى جوفَ الجوف وجريان الدمعة، بلا حدقة ولا ءالة) قال: وَإِذَا تَكَلَّمْتَ فَاذْكُرْ سَمْعَ اللَّهِ مِنْكَ، (فالله تعالى يسمع كل المسموعات حتى دبيب النملة على الصخرة الصماء، بلا أذن ولا ءالة) قال: وَإِذَا سَكَتَّ فَاذْكُرْ عِلْمَ اللَّهِ فِيكَ” فالله تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور

وهو القائل سبحانه: ﴿ لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ (284)﴾ سورة البقرة،

وقال عز من قائل: ﴿ قُلْ إِن تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ (29) ﴾ سورة ءاله عمران.

وروي عن حاتم الأصم أنه قال: “لِي أَرْبَعَةُ نِسْوَةٍ وَتِسْعَةُ أَوْلَادٍ، مَا طَمِعَ شَيْطَانٌ أَنْ يُوَسْوِسَ إِلَيَّ فِي أَرْزَاقِهِمْ” .

وَقِيلَ: إِنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رضي الله عنه خَرَجَ إِلَى حَاتِمٍ وَرَحَّبَ بِهِ وَقَالَ لَهُ: كَيْفَ التَّخَلُّصُ مِنَ النَّاسِ ؟ قَالَ: “أَنْ تُعْطِيَهُمْ من مَالِكَ وَلَا تَأْخُذْ مِنْ مَالِهِمْ، وَتَقْضِي حُقُوقَهُمْ وَلَا تَسْتَقْضِ أَحَدًا حَقَّكَ، وَتَحْتَمِلَ مَكْرُوهَهُمْ وَلَا تُكْرِهْهُمْ عَلَى شَىْءٍ، وَلَيْتَكَ تَسْلَمُ”

وقال رضي الله عنه أيضا: “لَوْ أَنَّ صَاحِبَ خَبَرٍ جَلَسَ إِلَيْكَ لَكُنْتَ تَتَحَرَّزُ مِنْهُ، وَكَلَامُكَ يُعْرَضُ عَلَى اللَّهِ فَلَا تَحْتَرِزُ” !.

 

أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها

وإن هذه الأيام العصيبة التي تـمر علينا يتميز فيها الصادق مع الله من غير الصادق، وذوو التضحيات والإخلاص عن الذين يستغلون الفرص بأنانياتهم، ويتميز الجشع عن الذي يُؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إنّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعِي” أي إن جبريل أوحى وألقى في قلبي:

“أنّ نَفْسًا لنْ تَمُوتَ حَتّى تَسْتَكْمِلَ أجَلَها وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَها” يدل على أن أعمارنا محدودة وءاجالنا محتومة، فمن لـم يمت بالسيف مات بغيره،

وأن أرزاقنا معلومة وأن غيرنا لا ينال شيئًا من رزق كُتب لنا، وأن أنفاسنا معدودة، فالأمراض والآفات لا تُعَجِّل في الأجل، ودوام الصحة والعافية والشباب والقوة لا يؤخر الأجل بل كلٌّ يـموت بانقضاء أجله، وكلٌّ يأكل رزقه الذي كُتب له، ولا أحد يستطيع أن يؤخر عزرائيل ولا أن يعجله.

ولذلك قال عليه الصلاة والسلام يعلمنا القناعة بقوله: “خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ” وهو القائل عليه الصلاة والسلام فيما رواه الحاكم في المستدرك: “كُلُّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ”

 

ومما تَقَدَّمَ يَتَبَيَّن ما يأتي:

أولًا: الإيمان بأن الآجال والأرزاق مقسومة ومعلومة، لا يجلبهما حرصُ حريص، ولا يردُّهما كراهية كارهٍ.

 

ثانيًا: أن هذا لا يمنع الأخذ بالأسباب التي شرَعَ اللهُ لعباده الأخذَ بها، قال تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ سورة البقرة.

 

ثالثًا: أن يسعى العبدُ في طَلَب الرِّزق الحلال، وأن يجتنبَ الحرامَ والأسبابَ المؤدِّية إليه.

 

رابعًا: ألَّا يَطلب الرزقَ بجشعٍ وحرص، ولْيستحضر قولَه صلى الله عليه وسلم: “مَن كانت الآخرة همَّه، جَعَلَ اللَّهُ غِناهُ في قَلْبِه، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كانَتِ الدُّنيا هَمَّهُ، جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بين عينيه، وفرَّق عليه شملَه، ولم يأتِه من الدنيا إلا ما قُدِّر له” رواه الترمذي.

 

خامسًا: أن يسلك الإنسان طريق الاستقامة، فقد قال الله تعالى: ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾ سورة الجن.

وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ سورة الطلاق.

وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ سورة الأعراف.

 

سادسًا: المداوَمة على الاستغفار والتوبة: قال تعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ سورة نوح.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما: “مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا ومِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ” .

 

سابعًا: صلة الأرحام: فقد روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: “مَنْ أحبَّ أنْ يُبسَطَ لَهُ في رِزقه، وأن يُنْسَأَ له في أَثَرِه (أي في أجله) فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ” .

 

حبة العنب رزق الديك

وفي الختام أذكر لكم قصة فيها عبرة فقد أخبرنا شيخ من المشايخ الطيبين قصة فيها عبرة لكل واحد منا فقال: أخبرني شخص فقال: نحن في قرية بعيدة عن دمشق ولم يكن عندنا مستشفيات وكان رجل يأكل العنب فرمى بحبة في فمِهِ فأمسكها حَلقُهُ، لا هي كبيرة تسُدُّ عليه ولا صغيرة يستطيع إخراجها أو بلعها،

فبقيت في حَلْقِه وهو يُحاولُ إخراجها مِرارًا وتَكرارًا، فقيل له: اذهب إلى الشام فإن فيها مشفى، فركب في الباص وذهب إلى دمشق ووصل إلى كراجات دمشق وكان كل من ينزل من القرى إلى دمشق ينزل هناك،

فلما نزل كان رجل قد نزل هناك ومعه ديك، فعطس عطسة قوية فخرجت الحبة، فركض الديك فنقرها وأكلها !! فهذا الرجل حمل هذه الحبة في حلقه للديك وهي ليست له، كانت تبعد عن معدته نحو الشبر وهي ليست له، بل حملها في حلقه حتى أدَّاها للمرزوق.

ومثل هذا يحصل معنا في كل يوم من غير أن نشعر، فكم مرة رفعت لقمة وولدك ينظر إليها فوضعتها في فمك !! وكم مرة رفعت حبات من الأرز فتقع بعض الحبات وغيرك يأكلها ؟! لذلك علينا أن نتوكل على الله الرزاق في أمر الرزق وفي كل أمورنا.

 

في الرِّزْقِ أَسْـــــبابٌ تَحُوْزُ العُمْر

ا فَاعْزِمْ إذَا مَا قد عَزَمْتَ الْفَــجْرا

وَازْرَعْ جَميلا إنَّما في أرْضــــهِ

إنْ تَزْرَعِ الْمَعْرُوفَ تَحْصِدْ خَيْرا

وَاحْذَرْ شَقاءً لا يَؤُوبُ سَـــعادَةً

وَتَيَمَّنِ الْبَرَكاتِ تَلْقَ الْبِـــــــشْرا

لَسْتَ الشَّقِيَّ إذا حُرِمْتَ تَنَعُّمًـــا

في هذه الدُّنْيا وَحُزْتَ الأجْـــرا

وإذا ابْتُليتَ ففي الْمَكارِمِ غُنْيَـةٌ

فَخُذِ الْبلاءَ إلى الْمَعالِيْ جِسْــرا

ما ضَرَّ عَبْدٌ قد تَوَكَّلَ صَــــادِقًا

فَقْرٌ، ولا داءٌ سَــــــــيَبْقى دَهْـرا

وَاصْبِرْ فإنَّ الصَّبْرَ بابٌ وَاصِـلٌ

واللهُ يَجْعَلُ بَعْدَ عُسْرٍ يُـــــــــسْرا

اللهم إنا نسألك باسمك العظيم الأعظم، الذي إذا دُعيت به أجبت، وإذا سُئلت به أعطيت، وبأسمائك الحسنى كلها ما علمنا منها وما لم نعلم، أن تستجيب لنا دعواتنا، وتحقق رغباتنا، وتقضي حوائجنا، وتفرج كروبنا، وتغفر ذنوبنا، وتستر عيوبنا، وتتوب علينا، وتعافينا وتعفو عنا، وتصلح أهلينا وذرياتنا، وترحمنا برحمتك الواسعة، رحمة تغنينا بها عن رحمة من سواك.

اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك،

اللهم إنا نسالك أن ترفع ذكرنا، وأن تضع أوزارنا، وأن تصلح أمورنا، وأن تغفر ذنوبنا،

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان،

اللهم توفنا مسلمين، وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين،

اللهم أقل عثراتنا، واغفر زلاتنا، وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار، يا عزيز يا غفار،

اللهم إنا نسالك عيشًا قارًا، ورزقًا طيبا حلالا دارًا، وعملًا بارًا يا أرحم الراحمين.

 

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

مواقيت صلوات اليوم

    عمان, الأردن
    الصلاةالوقت
    الفجر3:03 AM
    شروق الشمس4:43 AM
    الظهر11:33 AM
    العصر3:13 PM
    المغرب6:23 PM
    العشاء7:52 PM

إن المعرفة الحقيقية لدخول أوقات الصلاة تقوم على المراقبة، أما ما نذكره هنا فمن باب الاستئناس

إن أوقات الصلاة الظاهرة هي فقط لمدينة عمان، الأردن

قنوات التواصل الاجتماعي