زيد المصري - Zaid Al-Masri

نبي الله المسيح عيسى ابن مريم (٢)

الحمد لله رب العالمين، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ضد ولا ند له، ولا زوجة ولا ولد له، ولا جثة ولا جسم ولا صورة له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق وأن النار حق. والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد طه الأمين، وعلى ءاله وصحابته الغر الميامين.

أما بعد:

كيد اليهود لسيدنا عيسى عليه السلام

فقد تكلمنا عن قصة ولادة المسيح عيسى عليه السلام وأمه مريم الصدّيقة، ولما كبر سيدنا عيسى عليه السلام أراد اليهود به سوءًا وأغروا الملك (هيرودس) بقتله، فلما علمت أمه بمؤامرة اليهود خافت عليه وانطلقت به إلى مصر، وهي الربوة التي ذكرها الله في كتابه بقوله: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ءايَةً وَءاوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50)} سورة المؤمنون، فترعرع هناك وعاش بين ربوعها اثنتي عشرة سنة، فلما مات الملك هيرودس أمر الله نبيه عيسى أن يرجع من مصر إلى بيت المقدس في فلسطين،

دعوى عيسى للاسلام

ولما بلغ الثلاثين من عمره أوحى الله إليه أن يبرز للناس ويدعوهم إلى عبادة الله، فصار عليه السلام يدعو الناس إلى الإسلام ويقول: أيها الناس اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا وءامنوا بأني رسول الله إليكم فآمن به في بادئ أمره اثنا عشر شخصًا يسمون الحواريين، صدقوه واتبعوه وءامنوا به مسلمين مؤمنين كما قال تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ ءامِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا ءامَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111)} سورة المائدة،

هم طلبوا شهادة عيسى عليه السلام بإسلامهم تأكيدًا على إيمانهم، وذلك لأن الرسل والأنبياء يشهدون يوم القيامة لقومهم أو عليهم، وفي هذا دليل أيضًا على أن الإسلام والإيمان متلازمان، فلا يكون إيمان بلا إسلام ولا إسلام بلا إيمان فهما متلازمان كالظهر مع البطن،

وصار سيدنا عيسى يرسل أصحابه إلى نواحي في الأرض لنشر دين الله الإسلام الذي هو دين جميع الأنبياء، ويعلمون الناس الشريعة التي أنزلها الله على عيسى، وذلك أن الله أنزل عليه كتابًا سماويًا وهو الإنجيل الذي فيه بيان شريعة عيسى، وفيه البشارة بني ءاخر الزمان محمد بن عبد الله عليه أفضل صلاة وأتم سلام.

معجزات سيدنا المسيح

وقد أيد الله تعالى نبيه المسيح عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم معجزات كثيرة،

فقد قال الله تعالى: { إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا  وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ  وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي  وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي  وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي  وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ (110)} سورة المائدة.

وقال تعالى: { وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ (48) وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ  أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ  وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ  وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ  إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ  وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ  هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (51) } سورة ءال عمران.

فمن جملة ما أُيد به سيدنا عيسى من الله تبارك وتعالى أن أيده بروح القدُس (وهو جبريلُ عليه السلام)، وأيده أيضًا بالبينات (وهي المعجزات) الدالة على صدقه فيما يبلغه عن الله تبارك وتعالى،

فكان عليه السلام يمسح على المريض فيشفى بإذن الله تعالى،

ومن هذه المعجزات أيضًا أنه كان يُصور من الطين على صورة الطير ثم ينفُخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله تعالى ومشيئته،

ومن معجزاته أيضًا إحياءُ الموتى بإذن الله تعالى، فكان عليه السلام يقول للميت: قم بإذن الله فيقوم بإذن الله،

ويُروى أنه أول ما أحيا من الموتى أنه مرَّ ذات يوم على امرأةٍ قاعدةٍ عند قبرٍ وهي تبكي فقال لها: ما لك أيتها المرأة ؟ فقالت له: ماتت ابنةٌ لي لم يكن لي ولدٌ غيرُها، وإني عاهدت ربي أن لا أبرح من موضعي هذا حتى أذوقَ ما ذاقت من الموت أو يحييها الله لي فأنظر إليها !! فقال لها نبي الله عيسى عليه السلام: أرأيتِ إن نظرتِ إليها أراجعة أنت؟ قالت: نعم،
فصلى عليه السلام ركعتين لله تعالى ثم جاء فجلس عند القبر، فنادى
: يا فلانة، قومي بإذن الله الرحمن فاخرجي فتحرك القبر،
ثم نادى المرة الثانية فانصدع القبرُ بإذن الله،
ثم نادى الثالثة فخرجت وهي تنفض رأسَها من التراب،
ثـم قال لها عيسى عليه السلام
: ما أبطأ بك عني؟
فقالت له
: لما جاءتني الصيحةُ الأولى بعث الله لي ملكًا فركّب خَلقي، ثم جاءتني الصيحة الثانية فرجع إلي روحي، ثم جاءتني الصيحة الثالثة فخفت أنها صيحة القيامة فشاب رأسي وحاجباي وأشفارُ عيني من مخافة القيامة،
ثم أقبلَت على أمها فقالت لها
: يا أماه ما حملَك على أن أذوقَ كربَ الموت مرتين؟ يا أماهُ اصبري واحتسبي فلا حاجة لي في الدنيا،
ثم كلمت نبي الله عيسى عليه السلام وقالت له
: سل ربي أن يردني إلى الآخرة وأن يهوِّن عليّ كربَ الموت فدعا عليه السلام ربَه فقبضها إليه واستوت عليها الأرضُ،
فسبحان القادر على كل شىء، ولما بلغ اليهود خبر هذه الحادثة ازدادوا على عيسى المسيح عليه السلام غضبًا.

ويروى أيضا أن ملِكًا من ملوك بني إسرائيل مات وحُمِل على سريره ونعشِه، فجاء سيدنا عيسى المسيح عليه السلام فدعا الله عز وجل فأحياه الله، ورأى الناس يومئذٍ أمرًا هائلًا ومنظرًا عجيبًا.

ويُروى أيضًا أنه ممن أحياه عيسى عليه السلام بإذن الله تعالى عازر، وكان صديقًا لعيسى فلما مرض عازرُ أرسلت أختُه إلى عيسى عليه السلام أنَّ عازرَ يموت فسار إليه عيسى وبينهما ثلاثة أيام، فوصل إليه فوجده قد مات، فأتى قبره فدعا الله تعالى فأحياه الله تعالى وعاش وبقي دهرًا حتى وُلِدَ له.

وكان من معجزاتِ سَيِّدِنا عيسى عليه السَّلام أنه عمل في محل صباغة ثياب، فأراد صاحب العمل السفر وكان قد علَّم عيسى كيف يصبغ الثياب، فوَضَع له خيطًا من اللَّون المطلوب على كلِّ قطعة،
فما كانَ من سَيِّدِنا عيسى أثناء غياب صاحب المَصْبَغَةِ إلَّا أَنْ سكب الألوان كلها في وعاء واحد ووَضَعَ الثيابَ كُلَّها فيه وقال للثياب
: كوني بإذن الله على ما أريدُه منك
فلما عاد صاحبُ المَصْبَغَةِ فرأى الألوان والثياب في ذلك الوعاء دُهِشَ وقال: لقد أفسدتهَا يا عيسى !! فصار يُخرج له كل ثوب باللون الذي طلبه فكان من أول من ءامن به ودخل في الإسلام.

ومن معجزاته أيضًا أنه مر ذاتَ يوم بجماعةٍ يصطادون السَّمَك وكان رئيسُهم يُدْعَى شمعون، فقال لهم سَيِّدُنا عيسى: ماذا تصنعون ؟ قالوا: نصيدُ السَّمَك، فقال لهم: أفلا تمشُون حتَّى نصيدَ النَّاسَ ؟ قالوا له: ومَنْ أنتَ ؟ قال: أنا عيسى ابنُ مريمَ عبدُ الله ورسوله فسألوه ما يدل على صدقهِ، وكان شمعونُ قد رَمَى بشبكتهِ في الماء تلكَ اللَّيلة فما اصطاد شيئًا،
فأمرَه سيِّدُنا عيسى بإلقاء شبكتهِ مَرَّةً أخرَى فرماها فقامَ سَيِّدُنا المسيحُ ودعا اللـهَ تعالى مُتَضَرِّعًا إليه فما كان إلَّا لحظاتٌ يسيرةٌ حتَّى اجتمعَ في تلكَ الشَّبَكَةِ من السَّمَكِ الشَّئ الكثير حتَّى كادتِ الشَّبَكَةُ تتمزَّق من كَثْرَةِ ما اجتمعَ فيها من السَّمَك،
فاستعانوا بأهلِ سفينةٍ أخرَى وملأوا السَّفينتين من السَّمَك، وعند ذلك ءامنوا به وانطلقوا مَعَهُ وصاروا من جملة الحَوَاريينَ الذينَ ءازروا المسيحَ في نشر دعوتهِ إلى الله تعالى. 

وكان مِنْ معجزاتهِ عليهِ السَّلام أنه كان يُنْبِئُ قومَه بما يأكلونه ويدَّخرونه في بيوتهِم، وذلكَ أنَّ عيسى لما أحيا الموتى لقومه بقدرة الله طلبوا منه ءايةً أخرى وقالوا له: أخبرنا بما نأكلُ في بيوتنا وما نَدَّخِرُ للغد، فكانَ يُخْبِرُهُمْ ويقول: يا فلان أنتَ أكلتَ كذا وكذا وادَّخَرْتَ كذا وكذا.

لكن اليهود الحسدة لما رأوا تلك المعجزات شعروا وكأنَّ البِسَاطَ يُسْحَبُ من تحتِهم وأنه يُهَدِّدُ كراسيَّهم ومناصبَهم فقالوا تعنتا: إنك تحيي من كان موته قريبًا فلعلهم لم يموتوا بل أصيبوا بإغماء أو سكتة، فإن كنت صادقًا أحي لنا سام بن نوح، وكان قد مضى على موت سام أكثر من ثلاثة ءالاف سنة،

فأتى عيسى قبر سام وقال: قم بإذن الله فخرج سامٌ من قبرِه وقد شابَ رأسُه، فقال له عيسَى: كيفَ شابَ رأسُك ولم يَكُنْ في زمانكم شَيْبٌ ؟ قال سام: يا نبيَّ الله إنكَ لمَّا دعوتني سمعتُ صوتَ مَلَكٍ يقول: أجبْ مَنْ ناداك، فظننتُ أَنَّ القيامةَ قد قامتْ فمِنْ هَوْلِ ذلكَ شابَ رأسي، ثمَّ التفتَ سامٌ وقال للنَّاسِ مشيرًا إلى سيِّدنا عيسَى: هذا نبي الله عيسى فآمنوا به، ثم عاد إلى حاله،

فآمن به بعض وكذبه بعض وقالوا: ما هذا إلا سحر، ومع هذا العناد الذي كانوا عليه قالوا لسيدنا عيسى: إن كنت صادقًا في قولك ودعوتك صور لنا خفاشًا من الطين واجعله يطير،
هم طلبوا الخفاش تحديدا لأنه أغرب أنواع الطيور فهو يضحكُ كما يضحكُ الإنسان، وتحيضُ أنثاه كما تحيضُ المرأة، ويطيرُ من دون ريشٍ، ويَلِدُ كما يَلِدُ الحيوان ولا يبيضُ كما تبيضُ سائرُ الطُّيور، ولا يُبْصِرُ في ضوء النهارِ ولا في ظُلْمَةِ اللَّيل وإنما يرى في ساعتين، بعد غروب الشَّمْسِ ساعةً وبعد طلوعِ الشَّمس ساعةً،
فقام سيدنا عيسى متوكلًا على الله وأخذ طينًا وجعل منه خفاشًا ثم نفخ فيه فقام يطير حتى غاب عن أعينهم فوقع ميتًا،

ومع ذلك فإن كثيرًا منهم بقوا على كفرهم وعنادهم بعد أن رأوا تلك المعجزات الباهرات، وذلك لأن الله لم يشأ لهم الهداية ويصدق عليهم قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ  وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)} سورة البقرة، فسبحان مصرف القلوب يقلبها كيف يشاء.

ما حدث عند ولادة سيدنا عيسى

وروي أنه لما ولد سيدنا عيسى المسيح عليه الصلاة والسلام أصبحت الأصنام التي كانت تعبد من دون الله في زمان ولادته بكل أرض مقلوبة منكوسة على رؤوسها، ففزعت الشياطين ولم يدروا ما سبب ذلك، فجاءوا إلى إبليس اللعين فأخبروه، فطار إبليس فمر بالمكان الذي ولد فيه المسيح عليه السلام، فلما رأى الملائكة هناك علم أن ذلك الحدث بسبب ولادة المسيح، فأراد أن يأتيه فلم تمكنه الملائكة من الدنو منه.

معجزة كل نبي بما يناسبُ أهل ذلك الزمان

وكانت معجزة كل نبي في زمانه بما يناسبُ أهل ذلك الزمان،

فكان الغالبُ على زمان موسى عليه السلام السحر وتعظيمَ السحرة، فبعث الله تعالى عبدَه موسى عليه السلام بمعجزة بهرتِ الأبصارَ وحيّرتْ كلَ سحّار، فلما استيقن السحرة أنها معجزة من عند العظيمِ الجبار انقادوا ودخلوا في دين الإسلام.

ونبي الله المسيح عيسى عليه السلام بُعث في زمان يكثر فيه التباهي والتسابق في الحِذْقِ والمهارةِ من الأطباء وأصحابِ علم الطبيعة، فجاءهم بمعجزات لا سبيل لأحد منهم إليها، لأنه مُؤَيَّد من الله تبارك وتعالى وكانت هذه المعجزات دليلًا على صدقه فيما يبلغه عن الله تعالى، فأنّى للطبائعيِ أن يُبرِأَ الأكمهَ الذي وُلِدَ أعمى، وكذلك الأبرصَ والمجذومَ ومن به مرضٌ مزمنٌ من دون استعمال أعشاب وعقاقير، وأنى للطبيب أن يحييَ الميتَ من قبره كما فعل عيسى عليه السلام، فيُعلم بدِلالة العقل أن عيسى عليه السلام نبيُ الله ورسولُه.

من معجزات سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام

وكذلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بُعِثَ في زمان الفُصحاء والبُلغاءِ في قومه العرب حتى بلغوا في شدة المباهاة بالفصاحة والبلاغة في أشعارهم إلى أن كان المتفوق فيهم يعمل قصيدة فيعلقها في الكعبة ليجـد الشهرة بين العرب، لأنهم كانوا يجتمعون في مكة باسم الحج مع أنهم كفار يعبدون الأوثان، تقليدًا لأجدادهم منذ أيام إسماعيل عليه السلام،

فجاءهـم سيدنا محمد بكتاب أنزله الله عليه عجزوا عن الإتيان بسورة واحدة من مثله في الفصاحة والبلاغة، فتحداهم وكان في تحديه ما أخبر الله به في القرءان بقوله: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْءانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا(88)} سورةالإسراء. والله تعالى يقول: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ(25)} سورة الحديد، أي بالمعجزات،

وهكذا كل نبي قرَنَ الله بدعوته من المعجزات ما هو شاهـدٌ له بصدقه تفريقًا بين النبي وبين المتنبي.

وليس القرءانُ هو المعجزةُ الوحيدةُ لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بل له من المعجزات الكثيرُ الكثير، منها شهادةُ شجرة دعاها فمشت إليه من منبِتها من غير أن تنقلع وقامت بين يديه فاستشهدها فشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وذلك عند عرضه الإسلام على رجل من العرب فطلب منه شاهدًا على نبوته فقال له: هذه الشجرة وهذا أغرب وأعجب من إحياء الميت بعدما كان حيًا قبل ذلك ثم عاد إلى ما كان عليه بعد موته، لأن هذه الشجرة لم يسبق لها حياةٌ تؤهلُها للنطق والمعرفةِ بشأنه.

بشارة الأنبياء بنبي ءاخر الزمان

وقد بشر نبي الله عيسى المسيح عليه السلام برسول ءاخر الزمان وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كما بشر به الأنبياء السابقون، فذكروا صفاته كما ذكرت في التوراة والإنجيل وذلك ليعرفه بنو اسرائيل ويتابعوه،

ولما كان نبي الله عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام هو ءاخر أنبياء بني اسرائيل قام عليه السلام في بني إسرائيل خطيبًا فأخبرهم أن النبوة قد انقطعت عنهم وأنها بعده في النبي العربي الأمي خاتم الأنبياء وأفضلهم على الإطلاق وهو أحمد وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم الذي هو من سلالة إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهم السلام.

قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ(6)} سورة الصف.

وقال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ  فَالَّذِينَ ءامَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(157)} سورة الأعراف.

وروى أحمد والبيهقي في الدلائل وغيرهما عن أبي أُمَامَةَ أنه قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَ بَدْءُ أَمْرِكَ ؟ قَالَ: دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى عِيسَى ابن مريم، وَرَأَتْ أُمِّي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ وذلك أن إبراهيم لما بنى الكعبة قال: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ(129)} سورة البقرة. وأن المسيح عليه السلام قال: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ(6)} سورة الصف.

وصية عيسى عليه السلام

مما تقدم أنه من جملة وصايا عيسى المسيح عليه الصلاة والسلام لأتباعه أنه قال لهم: إنه يأتي من بعدي نبي اسمه أحمد فآمنوا به واتبعوه إذا ظهر،

وكان ممن سمع وصية عيسى عليه السلام واحد من الجن المؤمنين، فهذا الجني المؤمن بلَّغ خبر هذه الوصية لأربعة من أهل اليمن كانوا قد خرجوا من بلادهم ونزلوا بأرض في الجزيرة العربية، وذلك قبل أن يظهر اسم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في الدنيا ظهورًا تامًا، وكانوا قد أدركهم المبيت بالبرية في ءاخر الليل فسمع أحدهم وهو الجعد بن قيس المُرادي صوت هاتف (أي صوت جني من غير أن يرى شخصه) وهو يقول:

ألا أيُّها الرَّكبُ المُعَرِّسُ بَلِّغُوا       إذَا مَــــا وَصَلْتُــمْ لِلْحَطِيْـــمِ وَزَمْزَمــا

محمَّــدًا المبعُـوثَ مِنَّــا تَحِيَّـــةً        تُشَيِّعُــهُ مِــنْ حَيْـــثُ سَــــارَ وَيَمَّمـــا

وقُولُوا لَـهُ إنَّا لِدِينِــكَ شِيْعَــةٌ        بِذلكَ أوصَانَــا المسيحُ ابنُ مَرْيَمـا

والمُعَرِّسُ (أي النازِلُ في الليل)، ومعنى شِيْعَةٌ (أي أنصار)

فلما دخل الجعد بن قيس إلى مكة صار يبحث ويسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى دل عليه، فلما اجتمع بالرسول صلى الله عليه وسلم عرفه وءامن به وأسلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

مواقيت صلوات اليوم

    عمان, الأردن
    الصلاةالوقت
    الفجر2:59 AM
    شروق الشمس4:41 AM
    الظهر11:33 AM
    العصر3:13 PM
    المغرب6:25 PM
    العشاء7:55 PM

إن المعرفة الحقيقية لدخول أوقات الصلاة تقوم على المراقبة، أما ما نذكره هنا فمن باب الاستئناس

إن أوقات الصلاة الظاهرة هي فقط لمدينة عمان، الأردن

قنوات التواصل الاجتماعي