زيد المصري - Zaid Al-Masri

نبي الله المسيح عيسى ابن مريم (١)

الحمد لله الذي لا شأن يشغله، ولا نسيان يذهله، ولا قاطع لمن يصله، ولا ناصر لمن يخذله، جل عن ند يشاركه، أو نظير يقابله، يثيب بالعمل القليل ويقبله، ويحلم على العاصي فلا يعاجله، ويدعي الكافر شريكًا ويمهله، استوى على العرش وما العرش يحمله، وتنزه عن مثيل فلا شئ يشبهه، هذه جملة اعتقادنا وهذا حاصله، من ادعى علينا التشبيه فالله يحاسبه، مذهبنا مذهب أحمد ومن كان يوافقه، وطريقنا طريق الشافعي وقد علمت فضائله، ونرفض قول جهم وقد عرف باطله، لقد حنت حنة إلى ولد فسألت من لا يرد سائله، فرزقت بمريم فلما بلغت حملت بمن شرف حامله، فعجبت من ولد لا من والد يشاكله، فقيل “هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ” فهزت جذعا يابسا تزاوله، فأخرج في الحال رطبا رطبا يتلذذ ءاكله، فاستدلت على تكوين ولد تحمد شمائله، فالنصارى غلت واليهود عتت “فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ”سورة مريم، وأصلي وأسلم على رسول الهدى محمد الذي ارتجت ليلة ولادته أعالي الإيوان وأسافله، وعلى صاحبه أبي بكر ثاني اثنين فاعرفوا من قائله، وعلى عمر الذي صفا الإسلام بجده وعذبت مناهله، وعلى عثمان الذي نال الشهادة وما تعبت رحائله، وعلى علي بحر العلوم الذي امتدت سواحله.

أما بعد:

أخبار الأمم السابقة في القرءان الكريم

فإن أعظم معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة القرءان الكريم، لما فيه من البيان والبلاغة التي جاءت بلسان عربي وقف أمامه فصحاء العرب موقف الحائر العاجز أمام هذه الوجوه البلاغية الإعجازية، وكان من جملتها ما تضمنه هذا الكتاب العظيم من أخبار الأمم السابقة وقصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام،

وقد بين الله الحكمة من هذه القصص بقوله تعالى: {قَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ(111)} سورة يوسف،

وقوله تعالى: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)} سورة الأعراف،

فكان في هذه الأخبار عبرة لمن يعتبر وموعظة لمن يتعظ ويريد النجاة والتزود للآخرة بصالح الأعمال، ومن هذه القصص التي ذكرها الله في كتابه العزيز، قصة سيدنا وحبيبنا عيسى المسيح عليه الصلاة والسلام، وأمه الصدِّيقة الولية العذراء مريم بنت عمران رضي الله عنها.

ذكر سيدنا المسيح ابن مريم بالقرءان

يقول الله تبارك وتعالى: {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ(75)} سورة المائدة.

ذُكر سيدنا المسيح عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم في ثلاث عشرة سورة من القرءان، وفي ثلاث وثلاثين ءاية.

وهو عبد الله ورسوله وهو ءاخر أنبياء بني إسرائيل عيشًا في الأرض، قال عليه الصلاة والسلام: “الأنبياء إخوة لعلّات دينهم واحد وأمهاتهم شتّى، وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم ليس بيني وبينه نبيّ” رواه البخاري، كما أن ءاخر الأنبياء والرسل جميعًا هو سيدنا محمّد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

فسيّدنا عيسى المسيح عليه الصلاة والسلام عبد من عباد الله، خلقه الله تعالى وصوَّره في الرحم كما صَوَّر غيره من البشر، وقد خلقه تعالى من غير أب كما خلق ءادم من غير أب وأم، قال الله عز وجل: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ(59)} سورة ءال عمران.

مريم بنت عمران

وأُمّ نبي الله عيسى المسيح هي الصدّيقة الولية البتول العذراء الطاهرة مريم بنت عمران، وهي من سلالة نبي الله داود عليه السلام، تربّت في بيت الفضيلة وعاشت عيشة الطهر والنزاهة والتقوى، وقد أثنى الله تبارك وتعالى عليها في القرءان الكريم في مواطن عديدة،

فقال تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ(12)} سورة التحريم.

وقد كان والد مريم عليها السلام (عمران) رجلًا صالحًا عظيمًا وعالمًا جليلًا من علماء بني إسرائيل، وكانت زوجته عاقرًا لا تلد واسمها (حِنَّة) وهي من العابدات، وكان نبي الله زكريا عليه السلام زوج أخت مريم في قول الجمهور وقيل زوج خالتها.

وقد نذرت حِنَّة لله إن حملت لتجعلنَّ ولدها محررًا لله، أي خالصًا لخدمة بيت المقدس، فاستجاب الله عز وجل دعاءها فحملت بمريم عليها السلام، فلما وضعت حملها كان الولد أنثى وكانت ترجو أن يكون الولد ذكرًا ليخدم في بيت الله،

قال تعالى: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ(36)} سورة ءال عمران.

وقد استجاب الله تعالى دعائها فقال الله تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا(37)} سورة ءال عمران.

نشأت الصديقة الولية مريم عليها السلام نشأة طُهر وعفاف وتربت على التقوى تؤدي الواجبات وتكثر من نوافل الطاعات، وعاشت في جوار بيت المقدس، وقد وصفها الله تعالى في القرءان الكريم بالصدّيقة، وكانت الملائكة تأتي إلى مريم عليها السلام وتزورها، إلى أن جاءت إليها في وقت وبشرتها باصطفاء الله تعالى لها من بين سائر النساء وبتطهيرها من الأدناس والرذائل،

وبشرتها كذلك بمولود كريم يكون له شأن عظيم في الدنيا والآخرة ويكلم الناس صغيرًا في المهد ويكون كهلًا ومن الصالحين، يقول الله تعالى في القرءان الكريم: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ(43)} سورة ءال عمران.

وروى أحمد وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ بِأرْبَع: مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَءاسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ”

وقال صلى الله عليه وسلم: “وَخَيْرُ النِسَاءِ مَرْيَمُ بِنْتُ عُمْرِانَ ثُمَّ فَاطِمَةُ بِنْتِ مُحَمَّدً ثُمَّ خَدِيْجَةُ بِنْتِ خُويلِد ثُمَّ ءَاسِيَةَ بِنتْ مُزَاحِمٍ”

تبشير الملائكة لمريم بعيسى عليهما السلام

ويقول الله تعالى إخبارًا عن تبشير الملائكة لمريم عليها السلام بعيسى صلى الله عليه وسلم: {إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ(45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ(46)} سورة ءال عمران.

وقد قال الله تبارك وتعالى في سورة مريم: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا(16) فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17)  قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا (18)  قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19)  قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا(20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ءايَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا(22) فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَة قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا(23) فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا(28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ءاتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا(30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ(34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (36)  فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ(37)} سورة مريم.

مما تقدم أن مريم كانت تعبد الله بخدمة المسجد، وكانت تخرج منه في زمن حيضها أو لحاجة ضرورية لا بد منها،

وفي ذات يوم خرجت من محرابها الذي كانت تعبد الله تعالى فيه وسارت جهة شرقي بيت المقدس، وأمر الله تعالى الروح الأمين وهو جبريل عليه السلام أن يذهب إليها ليبشرها بعيسى عليه السلام،

وهناك تمثّل لها جبريل في صورة شاب جميل أبيض الوجه، فلما رأته السيدة مريم عليها السلام لم تعرف أنه جبريل ففزعت منه واضطربت وخافت على نفسها منه وارتابت في أمره حيث ظهر لها فجأة في ذلك المكان، وصارت تبتعد منه ثم قالت ما أخبر الله به: {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا} أي إن كنت تقيًّا فلا تتعرض لي بسوء،

لكن جبريل عليه السلام سرعان ما أزال عنها اضطرابها وهدّأ من روعها وقال لها ما قال ربنا: {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} أي أني لست ببشر ولكني ملَك أرسلني الله تعالى إليك لأهب لَكِ غُلامًا يكون طاهرًا نقيا،

{قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} أي ليس لي زوج ولست بزانية، فقد تعجبت مريم عليها السلام عندما بشّرها جبريل بالغلام لأنها بكر غير متزوجة وليست زانية

{قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ءايَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا} فأجابها جبريل عن تعجبها بأنّ خلق ولد من غير أب سهل هيّن على الله تعالى، وليجعله علامة للناس ودليلًا على كمال قدرته سبحانه وتعالى وليجعله رحمة ونعمة لمن اتبعه وصدقه وءامن به.

حمل مريم بعيسى عليهما السلام

وأمر الله تبارك وتعالى جبريل عليه السلام أن ينفخ في مريم البتول روح عيسى المشرّفة عنده، فنفخ أمين الوحي جبريل روح عيسى في أعلى جيب قميص مريم عليها السلام فوصلت بنفخته الروح من فم مريم إلى رحمها عليها السلام بقدرة الله تعالى، وحملت بتلك النفخة بالسيد المسيح عليه السلام، قال تعالى: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا ءايَةً لِّلْعَالَمِينَ(91)} سورة الأنبياء.

ويقال إن عمر مريم عليها السلام حين حملت بعيسى المسيح عليه السلام كان ثلاث عشرة سنة،

وقد اختلف العلماء في مدة الحمل فقيل: تسع ساعات وقيل: ثمانية أشهر، وقيل: تسعة أشهر، والله أعلم.

ولما حملت السيدة مريم عليها السلام بعيسى وظهرت عليها ءاثار الحمل كان أول من فطن لذلك زكريا عليه السلام، وقيل ابن خالها يوسف بن يعقوب النجار وكان من عباد الله الصالحين، فجعل يتعجب من ذلك لما يعلم من تدينها ونزاهتها، فقال لها مرة يعرض لها في حملها: يا مريمُ هل يكون زرعٌ من غير بذر؟

فقالت له: نعم فمن خلق الزرع الأول؟

ثم قال لها: فهل يكون ولد من غير ذكر؟ قالت: نعم إن الله خلق ءادم من غير ذكر ولا أنثى،

عندئذ قال لها: فأخبريني خبرك، فأخبرته حقيقة أمرها وقالت له، إن الله تعالى بشرني بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهًا في الدنيا والآخيرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلًا ومن الصالحين.

سوء ظن بني اسرائيل بالسيدة مريم

وشاع الخبر في بني إسرائيل أن مريم حامل فأساء بها الظن كثير منهم واتهمها البعض بيوسف النجار الذي كان يتعبد معها في المسجد، واتهمها ءاخرون بنبي الله زكريا عليه السلام،

وحزنت مريم عليها السلام حزنًا شديدًا واعتراها كرب عظيم وتوارت عن أعينهم واعتزلتهم وانتبذت بحملها مكانًا بعيدًا فرارًا من قومها أن يعيروها بولادتها من غير زوج، وذلك أنها علمت أن الناس يتهمونها ولا يصدقونها إذا أتتهم بمولودها الصغير مع أنها كانت عندهم من العابدات الناسكات المجاورات في المسجد في عبادة الله سبحانه.

ولادة سيدنا عيسى عليه السلام

ولما أتمت مريم عليها السلام أيام حملها وهي في بيت لحم اشتد بها المخاض ثم ألجأها وجع الولادة إلى جذع نخلة يابسة، وقيل كانت نخلة مثمرة، فاحتضنت ذلك الجذع وولدت عيسى عليه السلام،

وناداها جبريل عليه السلام من مكان من تحتها من أسفل الجبل يطمئنها ويخبرها أن الله تبارك وتعالى جعل تحتها نهرًا صغيرًا، ويطلب منها أن تهز جذع النخلة ليتساقط عليها الرطب الجني الطري، وأن تأكل وتشرب مما رزقها الله تعالى، وأن تقر عينها بذلك وأن لا تكلم إنسًا، فإن رأت أحدًا من الناس تقول له بالإشارة أنها نذرت للرحمن صومًا أي صمتًا، وكان من صومهم في شريعتهم ترك الكلام والطعام،

فهزت مريم عليها السلام جذع النخلة فتساقط عليها الرطب الجني الناضج فأكلت عليها السلام منه وشربت من ذلك النهر الذي أجراه الله تبارك وتعالى بقدرته لها في مكان كان لا يوجد فيه نهر، وكل ذلك إكرامًا من الله سبحانه وتعالى لمريم على إيمانها وصلاحها وعنايةً بوليدها السيد المسيح عيسى عليه الصلاة والسلام.

قال تعالى: {فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَة قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا(24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا(25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا(26)} سورة مريم.

تكلم عيسى عليه السلام في المهد

وبعد ذلك أتت السيدة مريم عليها السلام قومها تحمل مولودها عيسى عليه السلام على يدها في بيت لحم، فلما رءاها قومها قالوا لها: لقد فعلت فعلة منكرة عظيمة، فإن أباك لم يكن رجل سوء ولم تكن أمك زانية، وظنوا بها السوء وصاروا يوبخوها ويؤنبوها وهي ساكتة لا تجيب لأنها أخبرتهم أنها نذرت للرحمن صومًا،

قال تعالى: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا(27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا(28)}

ولما ضاق بها الحال أشارت إلى عيسى عليه السلام أن كلموه فعنده ما تبغون، عندها قالوا لها متعجبين:

قال تعالى: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا(29)} أي: وما هذا منك إلا على سبيل التهكم بنا والازدراء، إذ لا تردِّين علينا بكلام،

عند ذلك أنطق الله تبارك وتعالى بقدرته نبيه عيسى المسيح عليه السلام وكان رضيعًا عمره أربعين يومًا فقال ما قال ربنا، {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} وهذا اعتراف منه عليه السلام بالعبودية لله تبارك وتعالى، وهذه أول كلمة نطق بها المسيح وهو في المهد

{ءاتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا(30)} وهذا إخبار عما قضى الله تعالى له وحكم له به ومنحه إياه مما سيظهر ويكون، وفي ذلك تبرئة لأمه مما نسبوا إليها واتهموها به،

ثم قال: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ} أي نفاعًا حيثما توجهت معلمًا للخير، وذلك أن عيسى عليه السلام كان يدعو حيث كان إلى عبادة الله تعالى وحده وأن لا يعبد شىء غيره.

قال تعالى إخبارًا وحكاية عن عيسى المسيح عليه السلام: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا(31) بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا(32)} وهذا أيضًا إخبار عما قضى الله له ومنحه إياه مما سيظهر ويكون،

فكان نبي الله عيسى عليه السلام يصلي لله تعالى كما أمره، ويحسن إلى عباد الله بالزكاة وبذل الأموال والعطايا للمحتاجين والفقراء، ولم يكن عليه السلام فظًا ولا غليظًا،

ثم قال المسيح عليه السلام ما أخبر الله به في القرءان: {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا(33)} فلما كانت هذه المواطن الثلاثة أشق ما يكون على ابن ءادم، جعل الله تعالى السلامة على نبيه عيسى عليه السلام في هذه المواطن الثلاثة: يوم ولادته، وعندما يموت، وعند البعث يوم القيامة.

وبعد أن تكلم عيسى عليه السلام وهو في المهد واعترف بالعبودية لله تعالى، ودفع التهمة الباطلة عن أمه مريم إلى ءاخر كلامه وهو في المهد، أمسك بعد ذلك عن الكلام حتى بلغ المبلغ المعتاد في نطق الصبيان فأنطقه الله تعالى بالحكمة وحسن البيان.

قال تعالى: {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ(35)} سورة مريم. أي أن المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام هو عبد من عباد الله ونبي رسول، والله تعالى لا يعجزه شىء ولايؤوده ويتعبه شىء، بل هو يوجد ما أراد وجوده من غير أن يلحقه تعب ولا مشقة،

حال بني اسرائيل

وقال الله تبارك وتعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (36) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ(37)} سورة مريم، أي فاختلف أهل ذلك الزمان ومن بعدهم في أمر عيسى عليه السلام، فمن قائل من اليهود إنه ابن امرأة زانية واستمروا على كفرهم وعنادهم، قال تعالى: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا(156)} سورة النساء،

وقابلهم ءاخرون في الكفر فقالوا: هو الله، وقال ءاخرون هو ابن الله، وقال ءاخرون: الله ثالث ثلاثة. وقال المؤمنون: هو عبد الله ورسوله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وهؤلاء هم النّاجون المنصورون، وقد توعد الله تعالى الكافرين بالعذاب يوم القيامة قال الله تبارك تعالى: {فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ(37)} سورة مريم.

ســــــلامٌ على مريمٍ في الأنـــــــــــــــامْ

على أمِّ عيسى المسيحِ ســـــــلامْ

سلامٌ على مَنْ سَمَا فضـــــــــلُهـــــا

على كلِّ أنثى فليســــــــــتْ تُرامْ

يــــــــــــرى زكريَّا النَّبــــيُّ لهـــــــــا

كراماتِ صدقٍ بسـامِي الْمُقامْ

وفاكهةَ الصيفِ عندَ الشِّتاءِ

وفاكــــــــــهةَ البَرْدِ بعـــــــــــــدَ انعِدامْ

ســــــــــــــــــلامٌ عليها إذا انْتَبَذَتْ

مــــــكانًا تـــــــرومُ بهِ الِاكْتــــــــــــــتامْ

تهزُّ إليــــــــــــــــــــــــها بجذعِ نخيــــلٍ

كُـــــــلي واشربي بنتَ قومٍ كرامْ

وتســـــــــــــــــــألُ لا ذاتُ زوجٍ أنا

ففــــــــيمَ اعتذاري لكيلا أُضامْ؟

يجاوبُ جبريلُ “لا تحـــــــــــــزني”

ســــــــنكفيكِ مريمُ عِبْءَ المَلامْ

ولمَّـــا أتـــــتْ قومَها أنـــــــــــــــــكروا

علـــــــى حِجْرِ مريمَ ذاكَ الغُلامْ

كريمُ المُحيَّا وَضِيءُ الْبَــــــــــــهاءِ

جمـيلٌ مـــنيرٌ كبَـــدرِ التَّــــمـــــــــــــــــامْ

رضيعٌ يقولُ أنا عبدُ ربـــــــــــــي

وبَــــــــرٌّ بــــــأمِّي نبـــــــــيٌّ إمـــــــــــــــــــــامْ

ســــــــــــلامٌ عليَّ إذا ما وُلِدْتُ

ويومَ أموتُ عليَّ السَّــــــــــــــــــلامْ

مواقيت صلوات اليوم

    عمان, الأردن
    الصلاةالوقت
    الفجر2:59 AM
    شروق الشمس4:41 AM
    الظهر11:33 AM
    العصر3:13 PM
    المغرب6:25 PM
    العشاء7:55 PM

إن المعرفة الحقيقية لدخول أوقات الصلاة تقوم على المراقبة، أما ما نذكره هنا فمن باب الاستئناس

إن أوقات الصلاة الظاهرة هي فقط لمدينة عمان، الأردن

قنوات التواصل الاجتماعي