زيد المصري - Zaid Al-Masri

معركة بدر الكبرى (1)

الحمد لله رب العالمين، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد طه الأمين، وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين ومن تبعهم وسار على منوالهم إلى يوم الفصل والدين.

أما بعد: فإن المتتبع للانتصارات العظيمة التي أحرزها المسلمون في الماضي يجد أن كثيرا منها كان في شهر رمضان المبارك، فالمعركة الفاصلة بين الحق والباطل وبين أهل التوحيد وأهل الكفر والشرك، وهي غزوة بدر الكبرى كانت في شهر رمضان المبارك. وكانت في السابع عشر من شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة. وَأَهْلُ بَدْرٍ لَهُم مَزِيَّة وَلَهُم بشارة لأَنَّ الرّسُولَ صلى الله عليه وسلم قال: “لا يَدْخُلُ النّارَ أَحَدٌ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَة” يَعْنِى هؤُلاء الثّلاثمائَة وَثَلاثَةَ عَشَرَ صَحابِيًّا (313) وَهُم عِدَّةُ أَهْلِ بَدْر. هؤُلاءِ جاءَ التَّبْشِيرِ لَهُم بِالجَنَّة وَأَنَّهُم لا يَدْخُلُونَ النّار عَلَى لِسانِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. فَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: “لا يَدْخُلُ النّارَ أَحَدٌ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَة” تَبْشِيرٌ لأَهْلِ بَدْرٍ وَتَبْشِيرٌ لِمَنْ كانَ فِى صُلْحِ الْحُدَيْبِيَة. قال الله تعالى: “وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ  فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَاثَةِ ءالَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُنزَلِينَ (124) بَلَىٰ  إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ ءالَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ  وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ” سورة ءال عمران.

 والفتح العظيم فتح مكة كان في شهر رمضان، قال الله تعالى: “إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا (1) لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (2) وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3) هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ  وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا” سورة الفتح. وكذلك فتح الأندلس على يد القائد العظيم طارق بن زياد كان في رمضان، ومعركة عين جالوت التي قضى فيها المسلمون على الزحف التتاري البغيض، وانكسار الروم في تبوك، كل ذلك كان في شهر رمضان المبارك شهر الجهاد والفتوحات والبركات، شهر الخير والبركات.

أطاع المسلمون أمر الله، وهاجروا من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة بعد أن اشتد الأذى والتعذيب عليهم، وتركوا ممتلكاتهم وأموالهم، حيث إن النبي الصادق صلى الله عليه وسلم وعدهم أن الله تعالى سيعوض عنهم ويخلف عليهم، وما كان من كفار قريش اللئام إلا أن استولوا على هذه الأموال وذهبوا إلى الشام ليتاجروا بها، ثم عادوا إلى مكة في قافلة محملة بالكثير من الأموال والأحمال والجمال. ووصلت أخبار هذه القافلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة المنورة وكان ذلك في السابع عشر من رمضان في السنة الثانية للهجرة المشرفة، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم على رأس جيش من الصحابة الأبطال، المقبلين على الجهاد بقلوب قوية واثقة، متوكلين على الله تعالى، وكان عددهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا والأعلام والبيارق حولهم ترفرف وتعلو. وخلَّف صلى الله عليه وسلم ثلاثة من المهاجرين (عثمان بن عفان) وذلك لمرض زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، و(طلحة بن عبيد الله) و(سعيد بن زيد) أرسلهما يتجسسان خبرَ العير قبله بعشرة أيام، ومن الأنصار أبا لُبابة خلَّفه على المدينة، وعاصمَ بنَ عدي على أهل العالية، (وهي منطقة في المدينة) والحارثَ بنَ حاطبٍ رده من الروحاء إلى بني عمرو بن عوف لشىء بلغه عنهم، ولم يكن معهم إلا فارسان أحدهما المقداد بن عمرو الكِندِي والثاني قيل هو الزبير بن العوام وقيل غيره، وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم للجميع بسهامهم وأجورهم. (أي دفعها لهم) وكان اللواءُ أبيضَ مع مصعب بن عمير، ورايتان سوداوان أمامه إحداهما مع عليٍّ والأخرى مع رجل من الأنصار، ثم أتاه الخبر عن قريش بمسيرهم فاستشار الناس فقام أبو بكر ثم عمر فقالا وأحسنا، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: “امض لما أمرك الله به فنحن معك والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: “فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون” ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى بَرْكِ الغِماد، (وهو موضع وراءَ مكة بخمسة أيام، وقيل المراد أقصى معمور الأرض) لجالدنا معك مَن دونَه حتى تبلغه” فقال له رسول الله خيرًا ودعا له ثم قال: “أشيروا علي” فقال له سعد بن معاذ: كأنك تريدنا؟ قال: “أجل” قال: “قد ءامنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك مواثيقنا على السمع والطاعة فامض لما أردت فنحن معك، لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل، وما نكره أن تلقى بنا عدونا إنا لصُبُر في الحرب صُدُق في اللقاء، لعل الله يُريكَ منا ما تقرُّ به عينك فَسِر على بركة الله” فَسُرَّ بذلك وقال: “سيروا وأبشروا فإن الله وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم” ثم نزل بقرب بدر وركب هو وأبو بكر حتى وقف على شيخ من العرب فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه فقال: لا أخبركما حتى تخبراني من أنتما ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا أخبرتنا أخبرناك” قال: أوذاك بذلك، قال: “نعم” قال: بلغني أن محمدًا وصحبَه خرجوا يوم كذا، فإن صدق المخبِر فهم اليوم بمكان كذا للمكان الذي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال مثل ذلك عن قريش، ثم قال: فمن أنتما ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نحن من ماء” ثم انصرف والشيخ يقول: ما من ماء ؟ أمن ماء العراق ؟

وبلغ خبر خروج المسلمين للقتال القافلة التي كان على رأسها أبو سفيان بن حرب وهو أحد رءوس الكفر في ذلك الوقت، ولم يكن معه حراسة كافية لتمنع عنه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته فبعث برجل اسمه (ضِمْضِم بن عمروٍ) إلى مكة يستنجد بأهلها. ووصل ضِمْضِم إلى مكة صارخا طالبا النجدة، فأسرع كفار قريش بتجميع قواهم وجندهم وسلاحهم ومضوا إلى محاربة النبي صلى الله عليه وسلم. فحرج الكفار في خمسين وتسعِمائة مقاتل وساقوا مائةَ فرس، ولما فرغوا من جهازهم وأجمعوا السير ذكروا ما بينهم وبين بني بكر من بني كنانة من الحرب (وبنو بكر كانوا من المسلمين الأشداء على الكفار) فقالوا إنا نخشى أن يأتونا من خلفنا، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقةَ بنِ مالك وكان من أشراف كنانة وكان سراقة وقتها على الكفر، فقال: (أنا جار لكم من ان تأتيكم كنانة من خلفكم بشئ تكرهونه) فخرجوا سراعا فأقبل المشركون ومعهم إبليس لعنه الله يحمسهم على قتال المسلمين ، ثم كان أول من فرّ هاربا عند رؤيته للملائكة ، فقال له رجل من المشركين يا سراقة أما زعمت أنك جار لنا قال: (إني أرى ما لا ترون) قال الله تعالى: ” وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ  وَاصْبِرُوا  إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ  وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ  فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ  وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48)” سورة الأنفال.

وغيَّر أبو سفيان مسيرة القافلة بين الشام ومكة، وابتعد عن الطريق المعهود إلى ناحية البحر، ولم يعلم المسلمون أن كفار قريش خرجوا لمساعدة القافلة، حتى وصلوا إلى ما قبل بدر وهي اسم ناحية، فنزلوا هناك وأرسلوا ثلاثة أشخاص للاستكشاف فعادوا وقد قبضوا على غلامين خرجا لجلب الماء لمعسكر كفار قريش، فعلم عندها النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته بخروج قريش لمقاتلتهم وأن عددهم قريب ألف مقاتل. فاستشار النبي الأعظم صحابته، فقام كبارهم وتكلموا فأحسنوا وأجادوا، وقال المهاجرون خيرا وكذا الأنصار، وكان منهم سيدنا سعد بن معاذ رضي الله عنه الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الأنصار لن يخذلوه أبدا، ولو أَمَرَهُم بخوض البحر لخاضوه معه وختم بقوله: “فسر بنا على بركة الله” فسار النبي صلى الله عليه وسلم بجيشه وهو يقول: “أبشرو فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين” أي إما أن نربح الغنائم التي في القافلة، وإما أن نهزم الجيش، ونزلوا قرب بدر ذات المياه الكثيرة. وكان كفار قريش قد بلغهم أن القافلة التي خرجوا لحمايتها قد نجت ووصلت إلى مكة، ومع ذلك رفضوا العودة وأصروا على مقاتله النبي حقدا منهم عليه وعلى دعوته الإسلامية العظيمة وكراهية لصحابته الكرام. وبعث الله تعالى المطر الخفيف فصار التراب تحت أقدام النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة يسهل المسير عليه، وأما الكفار فقد صارت الرمال من تحتهم وحلا مزعجا تغوص فيه أقدامهم وأقدام بعيرهم مما أعاقهم وأخَّرهم. وأحاط المسلمون بتلال مطلة على برِكة ماء كبيرة في بدر وجاءها الكفار ليشربوا منها فصار المسلمون يصطادونهم الواحد تلو الآخر وتقابل الجيشان، جيش المسلمين وفيه الصحابة الأفاضل الشجعان الذين يريدون إعلاء كلمة لا اله الا الله محمد رسول الله، وجيش الكفار الذين أشركوا بالله ويريدون قتل نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم والقضاء عليه وعلى دعوته المباركة.

ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم القوم قال: “اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تُحَادُّكَ وتكذب رسولك اللهم فنصرَك الذي وعدتني اللهم أحِنْهم” وهو أمر من الحين أي أهلكهم الغداة، ثم أقبل نفر من قريش فيهم حكيم بن حزام حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (دعوهم) فلم يشرب منه رجل منهم إلا قتل غير حكيم، (ثم أسلم حكيم بعد ذلك وحسن إسلامه وكان إذا أراد أن يحلف يمينا يقول والذي نجاني يوم بدر لأفعلن كذا) ثم قالوا لعُمير بن وهبٍ الجمحي: احزر لنا أصحاب محمد فجال بفرسه حول العسكر ؟ ثم قال: ثلاثمائة رجل يزيدون قليلا أو ينقصون، فمشى حكيم بن حزام في الناس فأتى عتبة بن ربيعة فكلمه في الرجوع بالناس. وقال رسول الله حين رأى عتبة على جمل أحمر: “إن يكن في القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر إن يطيعوه يرشدوا” فقام عتبة خطيبًا فقال: يا معشر قريش ارجعوا وخلوا بين محمد وسائر العرب… فقال أبو جهل: انتفخ سَحْره أي رئته حين رأى محمدًا وصحبه، كلا لا نرجع حتى يحكم الله بيننا…. (يقال للجبان انتفخ سحره)  فلما بلغ عتبة قول أبي جهل قال: سيعلم مُصَفِّر إِستِه من انتفخ سَحره (والإست العجُز ويراد به حلقة الدبر) وقال بعض المنافقين: غرَّ هؤلاء دينهم لما رأوا من قتلهم فنزل: “إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَٰؤُلَاءِ دِينُهُمْ” سورة الأنفال. وخرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي (وكان رجلا شرسا سىء الخلق) فقال: أعاهد الله لأشربَنَّ من حوضهم ولأهدمنَّهُ أو لأموتَنَّ دونه. فخرج إليه حمزة فضربه فأطنَّ (أي أطار) قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض فوقع على ظهره ورجله تنزف دمًا فحبا إلى الحوض فاقتحمه يزعم أنه يبر بيمينه فضربه حمزةُ في الحوض فقتله فيه، ثم خرج عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة ودعوا للمبارزة فخرج فتية من الأنصار فقالوا: من أنتم؟ قالوا: من الأنصار (وهم عوف ومُعَوِّذٌ ابنا الحارث وأمهما عفراء وعبد الله بن رواحة ) قالوا: ما لنا بكم من حاجة، ثم نادى مناديهم: يا محمد أَخْرِجْ إلينا أكفاءَنا من قومنا، فقال: “قم يا عبيدة بن الحارث ويا حمزة ويا علي” فلما قاموا ودنوا منهم قالوا: من أنتم فعرَّفوهم فقالوا: أكفاءٌ كرامٌ، فبارز عبيدةُ وكان أسنَّ القوم عتبةَ، وحمزةُ شيبةَ، وعليٌ الوليدَ، فأما حمزة وعلي فلم يمهلا صاحبيهما أن قتلاهما واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين فكرَّ علي وحمزة بأسيافهما على عتبة.

وجاء المدد والعون لهم في هذه المعركة فقد أرسل الله عليهم نعاسًا يريح أعصاب المسلمين ويشعرهم بالأمان والاطمئنان ويدعم ثقتهم ويقينهم في نصر الله. وأنزل عليهم مطرا من السماء يتطهر به جنود الله في الارض فيُذهِبُ عنهم رجز الشيطان ويثبت أقدامهم لأنّ الرمال الناعمة تعوق الحركة والخفة والكر والفر فإذا ما نزل عليهم المطر تجمدت بعض الشىء فتثبت الاقدام ولا تغوص في الرمال. قال تعالى: “إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ  وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ  إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ ءامَنُوا  سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ  وَمَن يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13)” سورة الأنفال.

ثم تزاحف الناس وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله، هذا جبريل ءاخذٌ بعِنانِ فرسه يقوده” وكان قد هبت ثلاثُ رياح في الأولى جبريلُ في ألف من الملائكة مع المصطفى، والثانية ميكائيل في ألف عن ميمنته، والثالثة إسرافيل في ألف عن ميسرته، وقاتلت الملائكة يومئذ ولم تقاتل في غيره، وكانت مددًا وعددًا فقد كان رجل يشتد خلف رجل كافر إذ سمع ضربة سوط وصوت الفارس يقول أَقْدُمْ حيزوم (أي أقدم الخيل وحيزوم فرس جبريل ) فنظر إلى الكافر خرَّ أمامه فإذا هو حطم أنفه وشق وجهه كضربة السوط، وكان شعارُ الملائكة يومئذ “أحد أحد” وعليهم عمائمُ بيض وعلى جبريل عمامة صفراء أرسلها من خلفه. وعن ابن عباس عن رجل من غفار أنه صَعِدَ في جبل هو وابن عمه يشرف على بدر إذ دنت سحابة فسمعنا فيها حَمْحَمَةَ الخيل فسمعت قائلا: “أَقدُم حيزوم” وهو اسم فرس جبريل، فأما صاحبي فانكشف قِناع قلبه فمات، وأما أنا فتماسكت.

ثم كان أول من قُتل من المسلمين مِهجَعٌ مولى عمر، ثم حارثةُ بن سراقةَ أصابه سهم وهو يشرب فقتله، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فحرضهم وقال: “لا يقاتلهم رجل فيقتل إلا دخل الجنة” فقال عمير بن الحُمام وبيده تمرات يأكلهن: بخٍ بخٍ فما بيني وبين الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء ثم قذفها من يده وقاتل حتى قتل.

وعن عبد الرحمن بن عوف: “إني لواقف يوم بدر في الصف وإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثةٍ أسنانهما فتمنيت لو كنت أقوى منهما فغمزني أحدهما وقال: هل تعرف أبا جهل ؟ قلت: نعم فما حاجتك ؟ قال: بلغني أنه يسب رسول الله لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجلُ منا، فغمزني الآخر فقال مثلها، فرأيتُ أبا جهل يجول في الناس فقلت: هذا صاحبكما… فابتَدَراه بسيفهما حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبراه وقال كل منهما: أنا قتلته، قال: “هل مسحتما سيفكما؟” قالا: لا. فنظر فيهما فقال: “كلاكما قتلَه” رواه مسلم . ومر ابن مسعود على القتلى فوجد أبا جهل وهو بآخر رمق فوضع رجله على عنقه وكان قد ءاذاه مرة بمكة ثم قال: هل أخزاك الله يا عدو الله، قال: وبم أخزاني لمن يكون الدين؟ قلت: لله ورسوله، ثم قال: إني قاتلك. فقال أبو جهل:  ما أنت بأول عبد قتل سيده أما إن أشد شىء لقيته اليوم قتلك إياي. وفي رواية البخاري: (فلو غيرك كان قتلني)، فاحتز رأسه ثم جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذكر ابن عقبة أن المصطفى وقف على القتلى فالتمس أبا جهل فلم يجده فاغتم حتى عُرف ذلك في وجهه فقال: “اللهم لا يعجزك فرعونُ هذه الأمة” فسعى له الرجال حتى وجده ابنُ مسعود مصروعًا وأبصر في عنقه ورما في الجلد وغلظةً من الضرب وفي يديه وكتفه مثل ءاثار السياط) فأتى ابن مسعود النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بقتله والذي رأى به فقال النبي صلى الله عليه وسلم : “ذلك ضرب الملائكة”

وروى البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حفنة من الحصباء فاستقبل بها قريشًا ثم قال: “شاهت الوجوه” ثم نفخهم بها فكانت الهزيمة للكفار. وقُتل الله منهم سبعين من صناديد قريش وأسر سبعين ولم يبق منهم رجل إلا دخل في عينه التراب.

ويروى أيضا في مقتل رأس الكفر أبي جهل قصة أخرى وهي: أن عَبْد اللهِ بنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ خَرَجَ ذاتَ يَوْمٍ بَعْدَ نُزُولِ سُورَةِ الرّحمٰن عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لِيُسْمِعَ الكُفّارَ هذه السُّورة. فقالَ صلى الله عليه وسلم لأَصْحابِهِ: “أَيُّكُم يُسْمِعُ هذه السُّورَةَ للْمُشْرِكِين؟” يَتْلُوها عَلَى أَسْماعِ المشْرِكِين؟ فقالَ بنُ مَسْعُودٍ: “أَنا يا رَسُولَ الله” وهذا يَدُلُّ أَيْضًا عَلى جُرءَةٍ وَشَجاعَةٍ فِى قَلبِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، حيثُ إِنّهُ ما كانَ يَهابُ وَلا يَخافُ إِيذاءَ الكُفّار، يَسْعَى لِتَنْفِيذِ أَمْرِ رَسُول الله، فَخَرَجَ بنُ مَسْعُودٍ إِلَى الكعبَة فَإِذا بِالكُفّارِ مُفْتَرِقُونَ حَوْلَ الكَعْبَةِ وَفِيهِم أَبُو جَهْلٍ عَلَيْهِ لَعناتُ اللهِ فَجَعَلَ ابنُ مَسْعُودٍ يَتْلُو سُورَةَ الرحمٰنِ عَلَى مَسامِعِهِم فَأَغْضَبَ هذا الكُفّارَ فقامَ أَبُو جَهْلٍ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ وَوَقَرَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَشَقَّ لَهُ أُذُنَهُ. فَجاءَ بنُ مَسْعُودٍ إِلَى النّبِيِّ يَبْكِي وَجاءَ جِبريلُ عَلَيْهِ السلام يَضحَكُ فقال لِجِبريل: “إِنّ ابنَ مَسْعُودٍ يَبْكِي وأَنْتَ تَضْحَكُ؟” قالَ جِبريلُ عِنْدئِذٍ: “سَتَعْلَمُ لِما أَضْحَكُ” مَعناهُ يَأْتِي وَقْت، تَعْلَمُ لأَيِّ شىئٍ أَضحَكُ مَعَ أَنَّ ابنَ مَسْعُودٍ يَبْكِي وَمَرَّتِ الأَيّامُ وَفِى مَعْرَكَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى، خَرَجَ ابنُ مَسْعُودٍ يُقاتِلُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَتَخَلَّف عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُودٍ عَنْ غَزْوَةٍ غَزاها رَسىُولُ الله صلى الله عليه وسلم ابْتِداءً بِغَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى. وفي تِلْكَ المعرَكة قامَ ابنُ مَسْعُودٍ يَنْظُرُ فِى القَتْلَى وَالحَرْجَى فَإِذا بِأِبي جَهْلٍ فِى ءاخِرِ رَمَق وكانَ أَبو جَهْلٍ رَجُلًا جَسِيمًا ضَخْمًا فاتَّقَى ابنُ مَسْعُودٍ عَلَى صَدْرِ أَبِي جَهْل، جَلَسَ عَلَى صَدْرِهِ، ثُمَّ حَزَّ لَهُ رَأْسَهُ حَتَّى مات، بَعْدَ هذا قَطَعَ لَهُ رَأْسَهُ وَأُذُنَهُ! وَرَبَطَ أُذُنَهُ بِخَيط، ثُمَّ جاءَ بِها إِلَى رَسىُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَجاءَ جِبريلُ عَلَيْهِ السلام يَضحَكُ وَقالَ للرَّسُول: “أُذُنٌ بِأُذُن والرَّاْسُ زِيادَة” يَعْنِى هذه الأُذُن بِتِلْكَ الأُذُن، بِأُذُنِ ابْنِ مَسْعُود التى شَقَّها أَبُو جَهْلٍ وَالرَّأْسُ زِيادَة. فظَهَرَ لِرَسولِ اللهِ فِيما كانَ ضَحِكُ جِبريل.

وكانت خطة المسلمين على ما أشار عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يبدؤوا القتال حتى يحيط بهم الكفار، عندها يظهر الرماة على التلال المحيطة بمكان المعركة ويرمون ظهور الكفار برماحهم، وهكذا كان. واقتتلوا قتالا شديدا وتضاربت السيوف ولمعت الرماح وتطاير الغبار وعلت التكبيرات الصادحة وكان المدد الكبير. فقد أمد الله تعالى جيش النبي صلى الله عليه وسلم بالملائكة الكرام فأتوا على خيولهم يحاربون ويقاتلون يتقدَّمُهم سيدنا جبريل عليه السلام على فرسه (حيزوم) وكان المقاتل المسلم يشير بسيفه إلى المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف، وكان هذا من عمل الملائكة عليهم السلام بأمر الله، وفي نهاية المعركة أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حفنة من التراب ورمى بها قريشا وقال: “شاهت الوجوه” وقال لأصحابه: “شدوا عليهم”، فكانت هزيمة المشركين وقتل منهم الكثير وأسر الكثير. كان بين قتلى المشركين رأس الكفر أبو جهل لعنه الله، وأمية بن خلف وهو الذي كان يعذب سيدنا بلالا الحبشي رضي الله عنه، وعاد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الأجلاء منتصرين مُعززين، قال تعالى: ” وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ  فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَاثَةِ ءالَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُنزَلِينَ (124) بَلَىٰ  إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ ءالَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) ” وكان لهم في غزوة بدر الكبرى عبرة، أن الفئة القليلة قد تغلب الفئة الكثيرة بإذن الله، وشهد رمضان نصرا كبيرا للمسلمين سجله التاريخ بسطور من نور.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

مواقيت صلوات اليوم

    عمان, الأردن
    الصلاةالوقت
    الفجر3:02 AM
    شروق الشمس4:42 AM
    الظهر11:33 AM
    العصر3:13 PM
    المغرب6:23 PM
    العشاء7:53 PM

إن المعرفة الحقيقية لدخول أوقات الصلاة تقوم على المراقبة، أما ما نذكره هنا فمن باب الاستئناس

إن أوقات الصلاة الظاهرة هي فقط لمدينة عمان، الأردن

قنوات التواصل الاجتماعي