زيد المصري - Zaid Al-Masri

غزوة خيبر

الحمد لله رب العالمين، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، صلوات الله البر الرحيم والملائكة القربين على أشرف الخلق وسيد المرسلين محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين ومن تبعهم وسار على منوالهم إلى يوم الفصل والدين.

أما بعد:

فقد أدى النبي ﷺ الأمانة وبلغ الرسالة وجاهد في سبيل الله، لنشر الإسلام في أرجاء الجزيرة العربية وغيرها، فالمسلمون أصحاب عقيدة وعزيمة، وقد غزا ﷺ تسع عشرة غزوة،

ومن هذه الغزوات الهامة غزوة خيبر التي كان فيها عز ونصر المؤمنين، وذل وهوان اليهود، الذين عاندوا واستكبروا عن قبول دعوة الحق والدخول في دين الإسلام، وغدروا وخانوا كعادتهم ـ وكانت قلوبهم وصدورهم مليئة بأحقادهم ضد الإسلام والمسلمين منذ عهد النبي ﷺ وإلى أيامنا هذه .

مُنْذُ أَنْ بَدَأَ النَّبِيُّ ﷺ بِإِظْهَارِ دَعْوَتِهِ، كَانَ الْيَهُودُ لا يَتْرُكُونَ فُرْصَةً إلا وَيَغْتَنِمُونَهَا لإِيذَائِهِ ﷺ وَإِيذَاءِ أَصْحَابِهِ رضوان الله عليهم عَلَنًا وَفِي الْخَفَاءِ، يَكِيدُونَ الْمَكَائِدَ وَيُضْمِرُونَ الْخُبْثَ وَالْكَرَاهِيَّةَ وَالْحِقْدَ وَيُعْلِنُونَهَا فِتَنًا وَحُرُوبًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ.

وَلَكِنَّ غَزْوَةَ خَيْبَرَ الَّتِي حَصَلَتْ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ لِلْهِجْرَةِ في الثلاثين من شهر الله المحرم، كَانَتْ حَرْبًا فَاصِلَةً أَظْهَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا النَّصْرَ فِي تَفَوُّقِ الْمُسْلِمِينَ رَغْمَ قِلَّتِهِمْ عَلَى عَدُوِّهِمُ الْمُدَعَّمِ بِعُدَدِهِ وَعَتَادِهِ.

سَبَقَ مَعْرَكَةَ خَيْبَرَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَّةِ بَيْنَ النَّبِيِّ ﷺ وَكُفَّارِ قُرَيْشٍ، وَالَّذِي اتُّفِقَ فِيهِ أَنْ لا يُسَاعِدُوا أَحَدًا عَلَى مُحَارَبَةِ النَّبِيِّ ﷺ، مِمَّا أَفْقَدَ الْيَهُودَ مُسَانَدَةً كَثِيرَةً مِنَ الْعَرَبِ، فَكَانَ الْحَلُّ عِنْدَهُمْ بِأَنْ تَتَجَمَّعَ وَتَتَحَالَفَ كُلُّ قُوَاهُمْ لِتَقْوَى شَوْكَتُهُمْ فِي مُوَاجَهَةِ الْمُسْلِمِينَ.

وَهَذَا مَا تَمَّ حَيْثُ تَحَصَّنَ كَثِيرٌ مِنْ يَهُودِ الْحِجَازِ فِي نَاحِيَةٍ تُدْعَى خَيْبَرَ، (تَبْعُدُ نَحْوَ مِائَةِ مِيلٍ شَمَالَ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ) وَخَيْبَرُ عِبَارَةٌ عَنْ أَرْضٍ وَاسِعَةٍ ذَاتِ وَاحَاتٍ خِصْبَةٍ، يَكْثُرُ فِيهَا النَّخِيلُ، وَتَضُمُّ حُصُونًا مَنِيعَةً لِلْيَهُودِ مُقَسَّمَةً إِلَى ثَلاثِ مَنَاطِقَ قِتَالِيَّةٍ مُحَصَّنَةٍ.

وَمَعَ كُلِّ هَذِهِ الْقُوَّةِ الظَّاهِرَةِ فَقَدْ كَانَ الْكُفَّارُ جُبَنَاءَ أَثْنَاءَ الْمَعَارِكِ لا يُحَارِبُونَ إلا مِنْ دَاخِلِ حُصُونِهِمْ وَمِنْ وَرَاءِ الْجُدْرَانِ، وَقَدْ أَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ بِهَذَا الأَمْرِ.

وصدق الله تعالى حين وصفهم بقوله: ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ  ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ (14)﴾ سورة الحشر.

فَوَضَعَ سَيَّدُنَا مُحَمَّدٌ ﷺ خِطَّتَهُ عَلَى أَسَاسِ مُفَاجَأَتِهِمْ وَهُمْ فِي حُصُونِهِمْ وَأَثْنَاءَ شُعُورِهِمْ بِالأَمْنِ. فتفرغ المسلمون بعد صلح الحديبية لتصفية خطر يهود خيبر الذي أصبح يهدد أمن المسلمين، ولقد تضمنت سورة الفتح التي نزلت بعد الحديبية وعدًا إلهيًا بفتح خيبر وحيازة أموالها غنيمة،

قال الله تعالى: ﴿لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا  وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19) وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَٰذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ ءايَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (20) وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا  وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىءٍ قَدِيرًا (21) وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ  وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23)﴾ سورة الفتح.

خَرَجَ جَيْشُ الْمُجَاهِدِينَ بِقِيَادَةِ أَشْجَعِ الْخَلْقِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ بِاتِّجَاهِ خَيْبَرَ فِي أَلْفٍ وَسِتِّمِائَةٍ مِنَ الْمُقَاتِلِينَ الَّذِينَ عَشِقُوا الشَّهَادَةَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَفِيهِمْ مِائَتَا فَارِسٍ، وَنَزَلُوا وَادِيًا اسْمُهُ (الرَّجِيعُ) لِيَمْنَعُوا قَبِيلَةَ غَطَفَانَ مِنْ مُسَاعَدَةِ الْيَهُودِ فِي حَرْبِهِمْ ضِدَّ الْمُسْلِمِينَ فِي خَيْبَرَ،

فَلَمَّا خَرَجَتْ قَبِيلَةُ غَطَفَانَ وَتَرَكَتْ دِيَارَهَا سَمِعُوا خَلْفَهُمْ حِسًّا! فَظَنُّوا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أَتَوْهُمْ مِنْ خَلْفِهِمْ فَرَجَعُوا خَائِفِينَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَدِيَارِهِمْ وَلَمْ يُحَارِبُوا الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ أَكْمَلُوا سَيْرَهُمْ إِلَى خَيْبَرَ.

وَأَثْنَاءَ الْمَسِيرِ الطَّوِيلِ شَغَلَ الْمُسْلِمُونَ أَنْفُسَهُمْ بِقِرَاءَةِ الْقُرْءَانِ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَصَارَ الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ عَامِرُ بنُ الأَكْوَعِ يُنْشِدُ لَهُمْ يُشَجِّعُهُمْ عَلَى الْمُضِيِّ لِلْجِهَادِ قَائِلا:

  وَاللَّهِ لَوْلا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا

وَلا تَصَدَّقْنَا وَلا صَــــــــلَّيْنَا

 

 فَأَنْزِلَنْ سَـــــــــــــكِينَةً عَلَيْنَا

وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاقَيْنَا

   فَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ ﷺ بِالرَّحْمَةِ عِنْدَمَا سَمِعَ مَا فِي هَذِهِ الْكَلِمَاتِ مِنَ الْحَمَاسِ وَالتَّشْجِيعِ. قال رسول الله ﷺ: “من هذا” قالوا: عامر بن الأكوع، قال: “يرحمه الله” رواه البخاري.

وَوَصَلَ جَيْشُ الْمُسْلِمِينَ لَيْلًا إِلَى مَشَارِفِ خَيْبَرَ، وَظَهَرَتْ حُصُونُهَا فَعَسْكَرُوا حَوْلَهَا وَوَقَفَ النَّبِيُّ ﷺ أَمَامَ أَصْحَابِهِ يَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى. وَفِي الصَّبَاحِ، اسْتَيْقَظَ أَهْلُهَا لِيَجِدُوا أَنَّهُمْ مُحَاصَرُونَ وَمُحَاطُونَ بِعَسَاكِرِ الْمُسْلِمِينَ،

فَدَبَّ فِي نُفُوسِهِمُ الرُّعْبُ وَاسْتَعَدُّوا لِلْحَرْبِ، ثُمَّ نَادَى النَّبِيُّ ﷺ بِصَوْتٍ ارْتَجَّتْ لَهُ حُصُونُ الْكُفْرِ وَقَالَ: “اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ” فَرَدَّدَهَا الصَّحَابَةُ خَلْفَهُ فَأَيْقَنَ الْيَهُودُ أَنَّهُمْ مَغْلُوبُونَ.

   رُمِيَتِ السِّهَامُ كَشُهُبِ النَّارِ فَوْقَ أَوَّلِ الْحُصُونِ وَهُوَ يُدْعَى (حِصْنَ نَاعِم) مَا دَفَعَ بِأَهْلِهِ إِلَى الْهَرَبِ وَالاِلْتِجَاءِ إِلَى مَا جَاوَرَهُ مِنْ حُصُونٍ. وَقُتِلَ عِنْدَهُ الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ مَحْمُودُ بنُ مَسْلَمَةَ، قَتَلَهُ يَهُودِيٌّ اسْمُهُ (مَرْحَب) بِضَرْبَةٍ فِي رَأْسِهِ.

وَفِي أَثْنَاءِ الْمَعْرَكَةِ أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِقَطْعِ النَّخِيلِ الْمُحِيطِ بِالْحُصُونِ حَتَّى يَنْكَشِفَ الْيَهُودُ إِذَا مَا هَجَمُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ أَغَاظَهُمْ هَذَا كَثِيرًا، ثُمَّ مَا لَبِثَ أَنْ تَسَلَّمَ الرَّايَةَ سَيِّدُنَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَغَارَ عَلَى بَعْضِ الْحُصُونِ،

وَتَبِعَهُ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي غَارَاتٍ سَرِيعَةٍ، فَأَسَرَ يَهُودِيًّا مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ، أَعْلَمَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الْيَهُودَ خَرَجُوا مِنْ حِصْنِ (النُّطَاةِ) وَتَسَلَّلُوا إِلَى حِصْنٍ ءَاخَرَ اسْمُهُ (الشَّقُ) فَحَاصَرُوهُ، وَتَرَامَى الطَّرَفَانِ،

فَأَخَذَ النَّبِيُّ ﷺ حَفْنَةً مِنْ حَصَى وَرَمَى بِهَا الْحِصْنَ فَاهْتَزَّ بِأَهْلِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ غَرِقَ فِي الأَرْضِ، فَدَخَلَهُ الْمُسْلِمُونَ وَأَخَذُوهُ.

   بَقِيَ حُصُونٌ مِنْهَا (الصَّعْبُ) وَ(الْوَطِيحُ) وَ(السُّلالِمُ) وَ(الْقَمُوصُ) وَقَدْ تَحَصَّنَ بِهَا الْيَهُودُ أَشَدَّ التَّحَصُّنِ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَمْنَعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ تَقْوِيَةِ الْحِصَارِ عَلَيْهِمْ.

   ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِصَحَابَتِهِ الْمُجَاهِدِينَ: “لأعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ، لَيْسَ بِفَرَّارٍ” ثُمَّ دَعَا عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ قَدْ أُصِيبَ بِمَرَضٍ فِي عَيْنَيْهِ، فَتَفَلَ النَّبِيُّ ﷺ فِيهِمَا فَشُفِيَ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَأَخَذَ الرَّايَةَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَتَقَدَّمَ بِمَنْ مَعَهُ،

وأوصاه ﷺ بأن يدعو اليهود إلى الإسلام قبل أن يداهمهم، وقال له: ” فواللهِ لَأنْ يهديَ اللهُ بكَ رجُلًا واحدًا خيرٌ لكَ مِن أنْ يكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ “ رواه مسلم.

وعندما سأله علي: يا رَسولَ اللهِ، علَى مَاذَا أُقَاتِلُ النَّاسَ؟ قال ﷺ: ” قَاتِلْهُمْ حتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذلكَ فقَدْ مَنَعُوا مِنْكَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، إلَّا بحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ علَى اللَّهِ “ رواه مسلم.

فَلَمَّا اقْتَرَبَ مِنْ أَحَدِ الْحُصُونِ الْبَاقِيَةِ، خَرَجَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْيَهُودِ فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ، ثُمَّ أَلْقَى الْبَابَ، وَجَاءَ ثَمَانِيَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ لِيَقْلِبُوا هَذَا الْبَابَ فَمَا اسْتَطَاعُوا.

   اسْتَمَرَ الْقِتَالُ وَهَجَمَ الْمُسْلِمُونَ هَجْمَةً قَوِيَّةً عَلَى حِصْنِ (الصَّعْبِ) بِقِيَادَةِ الصَّحَابِيِّ الْفَاضِلِ الجليل حَبَّابِ بنِ الْمُنْذِرِ، فَخَرَجَ مِنْهُ يَهُودِيٌّ مُتَعَجْرِفٌ، هُوَ نَفْسُهُ (مَرْحَبُ) الَّذِي قَتَلَ الصَّحَابِيَّ مَحْمُودَ بنَ مَسْلَمَةَ وَنَادَى: “مَنْ يُبَارِزُنِي؟”

فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالصَّحَابِيِّ مُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ شَقِيقِ مَحْمُودٍ لِيُبَارِزَهُ وَيَأْخُذَ بِثَأْرِ أَخِيهِ، وَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ ﷺ قَائِلًا: “اللَّهُمَّ أَعِنْهُ عَلَيْهِ” فَتَقَاتَلا طَوِيلا، ثُمَّ عَاجَلَهُ مُحَمَّدٌ بِضَرْبَةٍ قَاصِمَةٍ قَتَلَتْهُ، وَقِيلَ إِنَّ الَّذِي قَتَلَ الْيَهُودِيَّ (مَرْحَبَ) هُوَ سَيِّدُنَا عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،

وَلَمْ يَصْمُدْ حِصْنُ (الصَّعْبِ) طَوِيلًا حَتَّى فُتِحَ وَدَخَلَهُ الْمُسْلِمُونَ مُنْتَصِرِينَ، وَكَانَ فِي الْحِصْنِ الْكَثِيرُ مِنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْعَسَلِ وَالسَّمْنِ فَأَكَلَ الْمُسْلِمُونَ حَاجَتَهُمْ مِنْهُ بَعْدَ مَا نَالَهُمُ الْكَثِيرُ مِنَ التَّعَبِ وَالْجُوعِ، وَوَجَدُوا فِيهِ الْكَثِيرَ مِنَ السُّيُوفِ وَالدُّرُوعِ وَالنِّبَالِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْعَتَادِ الْحَرْبِيِّ الَّذِي اسْتَعْمَلُوهُ فِي حَرْبِهِمْ فَنَفَعَهُمْ نَفْعًا كَبِيرًا.

   وَتَجَدَّدَ الْقِتَالُ، إِذْ مَا زَالَتْ بَعْضُ الْحُصُونِ لَمْ تَسْقُطْ، وَبَقِيَ الْيَهُودُ يَهْرُبُونَ إِلَى أَنْ وَصَلُوا إِلَى حِصْنٍ ءَاخَرَ هُوَ حِصْنُ (الزُّبَيْرِ) فَلَحِقَ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ وَحَاصَرُوهُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ،

ثُمَّ أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِقَطْعِ الْمَاءِ عَنْهُمْ لإِجْبَارِهِمْ عَلَى الْخُرُوجِ، فَمَا كَانَ مِنَ الْيَهُودِ إلا أَنْ فَتَحُوا الْحِصْنَ وَخَرَجُوا مِنْهُ يُقَاتِلُونَ وَجْهًا لِوَجْهٍ، فَقُهِرُوا وَكَانَ النَّصْرُ حَلِيفًا لِلْمُسْلِمِينَ.

   وَتَدَاعَتْ حُصُونُ خَيْبَرَ عَلَى هَذَا النَّحْوِ وَسَقَطَ حِصْنُ (الْوَطِيحِ) وَ(السُّلالِمِ) وَكَانَا ءَاخِرَ مَا افْتُتِحَ، فَلَمَّا أَيْقَنَ الْيَهُودُ بِالْهَلاكِ سَأَلُوا النَّبِيَّ ﷺ أَنْ يُوقِفَ الْحَرْبَ، وَاسْتَسْلَمُوا عَلَى أَنْ لا يُقْتَلَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَيَتَخَلَوْا عَنْ حُصُونِهِمْ كُلِّهَا بِمَا فِيهَا مِنْ أَمْوَالٍ وَمَتَاعٍ.

وَهَكَذَا غُلِبَ الْيَهُودُ، وَذَهَبَتْ قُوَّتُهُمْ، وَأَصْبَحَ الْمُسْلِمُونَ فِي مَأْمَنٍ مِنْ نَاحِيَةِ الشِّمَالِ إِلَى جِهَةِ بِلادِ الشَّامِ بَعْدَمَا أَصْبَحُوا فِي مَأْمَنٍ مِنْ نَاحِيَةِ الْجَنُوبِ.

  وَكَانَ فَتْحُ خَيْبَرَ حَدَثًا عَظِيمًا اهْتَزَّتْ لَهُ أَرْكَانُ قُرَيْشٍ، فَقَدْ كَانَ نَبَأُ انْتِصَارِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَهُودِ مُذْهِلًا وَمُرَوِّعًا عِنْدَ قُرَيْشٍ، إِذْ كَانُوا لا يَتَوَقَّعُونَ انْهِيَارَ حُصُونِ خَيْبَرَ الْمَنِيعَةِ، وَلا الْيَهُودُ أَنْفُسُهُمْ كَانُوا يَتَوَقَّعُونَ غَزْوَ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ.

فَانْظُرُوا كَيْفَ أَنَّ الْيَهُودَ الَّذِينَ كَانُوا عَشَرَةَ أَضْعَافِ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ وَمَعَهُمُ السِّلاحُ الْكَثِيرُ، وَفِي حُصُونٍ مَنِيعَةٍ، هُزِمُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْقَلِيلِي الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ، الَّذِينَ كَانُوا فِي أَرْضٍ مَكْشُوفَةٍ غَيْرَ مُحَصَّنِينَ، وَلا يَمْلِكُونَ السِّلاحَ الْكَافِيَ وَلا الطَّعَامَ الْمَخْزُونَ،

وَهَذَا لَيْسَ إلَّا لأِنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يَنْصُرُونَ دِينَ اللَّهِ تَحْتَ لِوَاءِ النَّبِيِّ ﷺ، وَمَنْ يَنْصُرْ دِينَ اللَّهِ فَاللَّهُ نَاصِرُهُ. قال الله تعالى: ﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ  وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ  وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)﴾ سورة ءال عمران.

وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9)  أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ  دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ  وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10) ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ ءامَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ (11)﴾ سورة محمد.

فمن أهم ما ينبغي أن نعتبره من غزوة خيبر جبن اليهود وضعفهم، وأن النصر من عند الله، كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ سورة ءال عمران.

ولقد أظهرت غزوة خيبر حقيقة ثابتة وهي أن اليهود على مر التاريخ والعصور ومنذ عهد النبي ﷺ إلى يومنا هذا مصدر خطر داهم على الإسلام والمسلمين، فهم قوم خيانة وغدر، وينقضون العهود والمواثيق، وبحقدهم وكفرهم قتلوا عددًا من الأنبياء، وما زالوا إلى أيامنا هذه مصدر خطر كبير وشر مستطير ينبغي التنبه له ومواجهته ..

وقد حدث في غزوة خيبر معجزات أيد لله بها رسوله ﷺ، وشهدت بصدقه فيما جاء به، وأكدت حفظ الله له.

وقد ظهر ذلك في تفل النبي ﷺ في عين علي رضي الله عنه، وقد كان يشتكي من رمد في عينيه فبرأت حتى كأنه لم يكن به وجع. وكذلك في وحي الله إلى نبيه ﷺ أمر الشاة المسمومة التي أهدتها إليه اليهودية وأرادت قتله .

فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: “لأعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ، لَيْسَ بِفَرَّارٍ” فبات الناس في ليلتهم يفكرون أيهم يُعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله ﷺ كلهم يرجو أن يُعطاها،

فقال: “أين علي بن أبي طالب ؟” فقالوا: يشتكي من عينيه يا رسول الله، قال: “فأرسلوا إليه فأتوني به” فلما جاء تفل في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع” رواه البخاري.

تمر السنون والأعوام وتظل غزوات النبي ﷺ عامة ومع اليهود خاصة نبراسا وهاديا يضيء لنا الطريق في تعاملنا مع أعداء الأمس واليوم والغد من اليهود وغيرهم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين وسلام على المرسلين وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تعليق واحد

  • جزى الله محمدا عنا خيرا وعزا وفخرا
    فكم من فئة قلبلة غلبت فئة كثيرة
    الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمرسلين سيدنا محمدطه الامين وعلى اله وصحبه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين
    بارك الله فيك وجزاك الله عنا خيرا واعزك واكرمك.وحماك وحفظك ووفقك لما يحبه ويرضاه واعطاك سؤلك.من الخير ورزقك الله الولاية واحبك الله ورسوله واسعدك في الدارين واسعد الله مسائك بالخير والبركة والرضى شيخي الفاضل الدكتور زيد المصري

مواقيت صلوات اليوم

    عمان, الأردن
    الصلاةالوقت
    الفجر3:02 AM
    شروق الشمس4:42 AM
    الظهر11:33 AM
    العصر3:13 PM
    المغرب6:23 PM
    العشاء7:53 PM

إن المعرفة الحقيقية لدخول أوقات الصلاة تقوم على المراقبة، أما ما نذكره هنا فمن باب الاستئناس

إن أوقات الصلاة الظاهرة هي فقط لمدينة عمان، الأردن

قنوات التواصل الاجتماعي