زيد المصري - Zaid Al-Masri

الهجرة النبوية – دروس وعبر 4

الحمد لله رب العالمين، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على أشرف الخلق وسيد المرسلين محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين ومن تبعهم وسار على منوالهم إلى يوم الفصل والدين.

العبرة مِنْ قصة الهجرة النبوية

 لما تكالَبَ أهل الشرك علَى الحقِّ وعلَى نبيِّ اللهِ ﷺ وأصحابِهِ لم يستلموا ولم يرضخوا ولم يتركوا الدعوة إلى الحق،

فإذَا عَلِمْنَا اجتمَاعَهُمْ وتَشَاوُرَهُمْ لِحَرْبِ الدعوةِ المحمديةِ وتَخْطِيْطَهُمْ لذلكَ فَنَحْنُ أَوْلَى بأنْ نجتمعَ للحقِّ ونتعاونَ عليهِ ونتشاورَ فيهِ ونأخذَ بآراءِ بعضِنَا البعضِ ونجتمعَ للدفاعِ عنِ الدعوةِ المحمديةِ

ولَا يستعلي بعضُنَا علَى بعضٍ بلْ أنْ نكونَ علَى التطاوعِ والتشاورِ والتخطيطِ والأخذِ بالرأيِ الأصلحِ والأنفعِ لِهَذِهِ الدعوةِ، وأنْ نكونَ يدًا واحدةً فِي حربِ الضلالِ وأعداءِ الدينِ،

ونعلمُ مِنْ هذهِ القصةِ أنَّ أعداءَ الدينِ لَا يريدونَ انتصارَ الحقِّ ولَا ظهورَهُ ويخافونَ قُوَّتَهُ ولو كانَ أنصارُهُ قلةً، فَهُمْ يَرَوْنَهُمْ كثرةً، ويخافونَ قُوَّتَهم،

ونأخذُ عبرةً مِنْ هذهِ القصةِ أنَّهُ مهمَا حاولَ أعداءُ هذَا الدينِ إذلالَهُ وإنهاءَهُ فإنَّ اللهَ حافظٌ لهُ ومؤيدٌ أهلَهُ إذَا كانوا صادقينَ مخلصِيْنَ، بالنصرِ والعزةِ والتمكينِ فِي الأرضِ والثباتِ فِي وجهِ أعداءِ الحقِّ مهمَا كَثُرُوا، فَهُمْ يَنظرُونَ إلَى الأسبابِ الماديةِ،

والمتوكلُ علَى اللهِ لَا يلتفتُ إلَى عددٍ ولَا عتادٍ بلْ الذي يملَأُ قلبَهُ هوَ التوكلُ علَى اللهِ عزَّ وجلَّ ، فمن كان على هذا الحال فسيَنْصُرهُ اللهُ علَى أعدائِهِ وسَيُمَكِّنُ لهُ فِي الأرضِ مهمَا كَثُرَ المحاربونَ لهُ،

ونتعلمُ مِنْ هذهِ القصةِ أنَّ الصحابةَ يَفْدُوْنَ النبيَّ ﷺ بأنفسِهِمْ وأموالِهِمْ وبمَا يَقْدِرُوْنَ عليهِ، كمَا فعلَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ رضيَ اللهُ عنهُ وكمَا فعلَ أبو بكرٍ الصديقُ رضيَ اللهُ عنهُ.

 

دخول النبيّ ﷺ وأبي بكر رضي الله عنه الغار

روى البيهقيِّ فِي حالِ أبِي بكرٍ رضيَ اللهُ عنهُ: لَمَّا خَرَجَ هوَ ورسولُ اللهِ ﷺ إلَى الغارِ، جعلَ أبو بكرٍ يمشي مرَّةً أمامَ النبيِّ ﷺ، ومرةً خلفَهُ ومرَّةً عنْ يمينِهِ ومرةً عنْ شمالِهِ، فسأَلَهُ رسولُ اللهِ ﷺ عنْ ذلكَ،

فقالَ: يَا رسولَ اللهِ أذكرُ الرَّصَدَ فأكونُ أمامَكَ وأذكرُ الطَّلَبَ فأكونُ خلفَكَ، ومرةً عنْ يمينِكَ ومرةً عنْ يسارِكَ لآمَنَ عليكَ،

فلمَّا انتهينَا إلَى فمِ الغارِ قالَ أبو بكرٍ: والذي بعَثَكَ بالحقِّ لَا تَدْخُلُهُ حتَّى أدخُلَهُ قبلَكَ، فإنْ كانَ فيهِ شىءٌ نزلَ بي قبلَكَ.

فدَخَلَهُ فجعلَ يلتَمِسُ بيدِهِ، فجعَلَ كلمَا دخلَ جحرًا قامَ إلَى ثوبِهِ فشقَّهُ ثمَّ أَلْقَمَهُ الجحرَ حتَّى فعلَ ذلكَ بثوبِهِ أجمعَ، فبقيَ جحرٌ فوضعَ عَقِبَيْهِ عليهِ، ثم دخلَ رسولُ اللهِ ﷺ فَجَعَلَتِ الحَيَّاتُ يَلْسَعْنَ أبا بكرٍ رضيَ اللهُ عنهُ وجَعَلَتْ دموعُهُ تنحدِرُ.

 

وروَى ابنُ سعدٍ وأبو نعيمٍ والبيهقيُّ وابنُ عساكرَ عنْ أبي مصعبٍ المكيِّ قالَ: أدركتُ أنسَ بنَ مالكٍ وزيدَ بنَ أرقم والمغيرةَ بنَ شعبةَ يتحدثونَ: إنَّ النبيَّ ﷺ ليلةَ الغارِ أمرَ شجرةً فَسَتَرَتْهُ، وبعثَ اللهُ العنكبوتَ فنسجَتْ مَا بَيْنَهُمَا فَسَتَرَتْ وَجْهَ رسولِ اللهِ ﷺ، وأمرَ اللهُ حمامَتَيْنِ وحشيَّتَيْنِ فَوَقَفَتَا فِي فَمِ الغارِ،

وأقبلَ فِتْيَانُ قريشٍ مِنْ كلِّ بطنٍ بِعِصِيِّهِمْ وسُيُوْفِهِمْ، حتَّى إذَا كانوا مِنَ النبيِّ ﷺ علَى أربعينَ ذراعًا، جعلَ بعضُهُمْ ينظُرُ فِي الغارِ فَلَمْ يَرَ إلَّا حمامَتَيْنِ وَحشِيَّتَيْنِ بفمِ الغارِ، فرجعَ إلَى أصحابِهِ، فقالوا لهُ: مَا لكَ؟ قالَ: رأيتُ حمامتينِ وحشيتينِ فَعَرَفْتُ أنَّهُ ليسَ فيهِ أحدٌ، فسمعَ النبيُّ ﷺ مَا قالَ، فعرفَ أنَّ اللهَ قدْ دَرَأَ عنهُ بِهِمَا.

 

 وروَى الإمامُ أحمدُ والشيخانِ عنْ أبي بكرٍ الصديقِ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قلتُ للنبيِّ ﷺ ونحنُ في الغارِ: لوْ أنَّ أحدَهُمْ نَظَرَ إلَى قَدَمِهِ لأَبْصَرَنَا تحتَ قدمَيْهِ.

فقالَ له ﷺ: “مَا ظنُّكَ باثنينِ اللهُ ثالثُهُمَا” معناهُ: ثالِثُهُمَا بالنصرِ والمعونةِ والحفظِ والتسديدِ،

وقدْ قالَ تعالَى فِي محكمِ التنـزيلِ: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾{التوبة:40}،

فَمَعِيَّةُ اللَّهِ الْمَذْكُورَةُ فِى الْقُرْءَانِ ليستْ معيةً بِالْحِسِّ وَالْجِهَاتِ فقدْ تَأْتِى بِمَعْنَى النُّصْرَةِ وَالْكِلاءَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّبِيدِىُّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ النَّحْلِ ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ وتأتي علَى معنَى الإحاطةِ بالعلمِ،

فَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ أَىِ الإِحَاطَةُ بِالْعِلْمِ وَالنُّصْرَةُ وَالْكِلاءَةُ لُغَةٌ عَرَبِيَّةٌ صَحِيحَةٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِمَعِيَّةِ اللهِ مَعْنًى مِنْ مَعَانِى الْجِسْمِيَّةِ وَلَيْسَ الْمَعْنِيُّ بِهَا الْحُلُولَ وَالِاتِّصَالَ وَيَكْفُرُ مَنْ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ أَىْ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا الْحُلُولُ أَوِ الِاتِّصَالُ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الِاتِّصَالِ وَالِانْفِصَالِ بِالْمَسَافَةِ.

وللهِ درُّ البوصيريِّ حيثُ قالَ:

ويحَ قومٍ جَفَوا نَبِيًّا بِأَرْضٍ

أَلِفَتْهُ ضِبَابُهَا وَالظِّبَاءُ

 

وَسَلَوْهُ وَحَنَّ جِذْعٌ إِلَيْهِ

وَقَلَوْهُ وَرَدَّهُ الغُرَبَاءُ

 

أَخْرَجُوْهُ مِنْهَا وَءاوَاهُ غَارٌ

وَحَمَتْهُ حَمَامَةٌ وَرْقَاءُ

 

وَكَفَتْهُ بِنَسْجِهَا عَنْكَبُوْتٌ

مَا كَفَتْهُ الْحَمَامَةُ الْحَصْدَاءُ

 

وقَالَ

فَالصِّدْقُ فِي الغَارِ وَالصِّدِّيْقُ لَمْ يَرِمَا

وَهُمْ يَقُوْلُوْنَ مَا بِالغَارِ مِنْ أَرِمِ

 

ظَنُّوا الحَمَامَ وَظَنُّوا العَنْكَبُوْتَ عَلَى

خَيْرِ البّرِيَّةِ لَمْ تَنْسُجْ وَلَمْ تَحُمِ

 

وِقَايَةُ اللهِ أَغْنَتْ عَنْ مُضَاعَفَةٍ

مِنَ الدُّرُوْعِ وَعَنْ عَالٍ مِنَ الأُطُمِ

 

ولنَا في ذلكَ عبرٌ، منهَا: الإعانةُ على نصرةِ الحقِّ والدينِ كلٌ على ما يقدرُ عليهِ، بالمالِ أو بالبدنِ أو بالفكرِ، وأنَّ اللهَ يحفظُ دينَهُ ونبيَّهُ وينصرُ الحقَّ وأهلَهُ، ويعلي كلمةَ الحقِّ، فَمَنْ مَشَى فِي طريقِ نصرِ هذَا الدينِ فهوَ الرابحُ الفائزُ ومَنْ تَخَلَّفَ وقَصَّرَ فَهُوَ الخَاسِرُ.

 

قصة سراقة بن مالك

قالَ أبو بكرٍ رضيَ اللهُ عنهُ: وتَبِعَنَا سراقةُ بنُ مالكٍ ونحنُ فِي جَلَدٍ مِنَ الأرضِ (أي أرضٍ صلبةٍ) فقلتُ: يا رسولَ اللهِ هذا الطلبُ قد لَحِقَنَا. قالَ: “لَا تَحزَنْ إِنَّ اللهَ معَنَا” فلمَّا دنَا منَّا وكانَ بينَنَا وبينَهُ قدرُ رمحٍ أوْ رمحينِ أو ثلاثةٍ قلتُ: هذَا الطلبُ قدْ لَحِقَنَا وبَكَيْتُ.

قالَ ﷺ: “مَا يُبْكِيْكَ؟” قلتُ: أمَا واللهِ مَا علَى نفسي أبكي ولكنِّي أبكي عليكَ . فدعَا عليهِ رسولُ اللهِ ﷺ فقالَ: “اللهم اكْفِنَاهُ بِمَا شئتَ” قالَ: فساخَتْ بهِ فرسُهُ فِي الأرضِ إلَى بطنِهَا فوثَبَ عنهَا،

ثمَّ قالَ: يَا محمدُ قدْ عَلِمْتُ أنَّ هذَا عمَلُكَ فادعُ اللهَ أنْ يُنْجيَنِي مِمَّا أنَا فيهِ، فوَاللهِ لأُعْمِيَنَّ علَى مَنْ ورَائِيْ مِنَ الطلبِ، ودعَا لهُ رسولُ اللهِ ﷺ. فانطلقَ راجعًا إلَى أصحابِهِ لَا يَلْقَى أحدًا إلَّا قالَ: قدْ كُفِيْتُمْ مَا هَهُنَا، ولَا يَلْقَى أحدًا إلَّا ردَّهُ، وَوَفَى لنَا.

قالَ سراقةُ: فخرجتُ وأنَا أحبُّ الناسِ فِي تحصيلِهِمَا ورجعتُ وأنَا أحبُّ النَّاسِ فِي أنْ لَا يعلمَ بهِمَا أحدٌ. وقدْ وَعَدَهُ النبيُّ ﷺ بسواري كسرَى فَلَبِسَهُمَا فِي خلافةِ عمرَ بنِ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهُ.

 

العبرةُ مِنْ هذهِ القصةِ: أنَّ اللهَ تعالَى يحمي نبيَّهُ ويبلِّغُهُ مرادَهُ، وشدةُ التوكلِ علَى اللهِ عزَّ وجلَّ والاطمئنانُ لذلكَ معَ انقطاعِ الأسبابِ الدنيويةِ فالنبيِّ ﷺ كانَ مطمئنًا مرتاحًا مسلِّمًا لأمرِ اللهِ، ويستفادُ مِنْ ذلكَ شدةُ الوفاءِ للنبيِّ ﷺ ولدينِهِ ولدعوتِهِ ﷺ،

ويستفادُ أنَّ المسلمَ ينبغي أنْ يخافَ علَى الدينِ وعلَى الرسالةِ المحمديةِ ويحميهَا بمَا يستطيعُ كحَالِ أبي بكرٍ رضيَ اللهُ عنهُ، فقدْ كانَ عندَهُ شدةُ الحبِّ للنبيِّ ﷺ معَ الاستعدادِ لفدائِهِ ﷺ بروحِهِ، وفيهِ مِنْ أعلامِ النبوةِ التي ظهرتْ للرسولِ ﷺ.

 

قصة أم معبد وكلامها في وصف رسول الله ﷺ

مرَّ رسولُ اللهِ ﷺ وصاحبُهُ أبو بكرٍ الصديقُ رضيَ اللهُ عنهُ فِي طريقِهِمْ إلَى المدينةِ المنورةِ علَى خيمةِ أمِّ معبدٍ واسمُها عاتكةُ بنتُ خالدٍ الخزاعيةُ، ونظرَ النبيُّ ﷺ إلى شاةٍ عندَهَا وقالَ: “مَا هذهِ الشاةُ يا أمَّ معبدٍ؟” قالتْ: شاةٌ خلَّفَهَا الجَهدُ عنِ الغنمِ. قالَ: “هلْ بهَا مِنْ لبنٍ؟” قالتْ: هيَ أجهدُ مِنْ ذلكَ.

قالَ: “أَتَأْذَنِيْنَ لِي أَنْ أَحْلِبَهَا؟”  قالتْ: بأبي أنتَ وأمي نعمْ إنْ رأيتَ بهَا حلبًا فاحلِبْهَا فواللهِ مَا ضرَبَهَا فحلٌ قطُّ! فمسحَ النبيُّ ﷺ علَى ظهرِهَا وضَرْعِهَا وسَمَّى ودعَا، فحلَبَ منهَا مَا قدْ كفَاهُمْ وتَحْتَمِلُهُ طاقَتُهُمْ مِنَ الريِّ. وحلبَ إناءً ءاخرَ وترَكَهُ عندَهَا مملوءًا.

فلمَّا جاءَ زوجُهُا قالَ لَهَا: مِنْ أينَ لكِ هذَا اللبن؟ قالتْ: إنَّهُ مرَّ بنَا رجلٌ مباركٌ مِنْ حالِهِ كذَا وكذَا، قالَ: صِفِيْهِ لي يَا أمَّ معبدٍ، قالتْ فِي وصفِهِ:

“ظَاهِرُ الْوَضَاءَةِ، أَبْلَجُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الْخُلُقِ، لَمْ تَعِبْهُ ثُجْلَة، وَلَمْ تُزْرِ بِهِ صَعْلَة، وَسِيمٌ، قَسِيمٌ، فِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ، وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ، وَفِي صوَتِهِ صَحَلٌ، وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ، وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ، أحْوَرُ، أَكْحَلُ، أَزَجُّ أَقْرَنُ، شَدِيدُ سَوَادِ الشّعَرِ،

إذَا صَمَتَ عَلَاهُ الْوَقَارُ، وَإِذَا تَكَلَّمَ عَلاهُ الْبَهَاءُ، أَجْمَلُ النَّاسِ، وَأَبْهَاهُ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَحْسَنُهُ وَأَحْلاهُ مِنْ قَرِيبٍ، حُلْوُ الْمَنْطِقِ، فصْلٌ لا نَزْرٌ وَلا هَذْرٌ، كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ يَنحدرنَ، رَبْعَةٌ، لا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ، وَلا تَشْنَؤُهُ مِنْ طُولٍ،

غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ فَهُوَ أَنْضَرُ الثّلاثَةِ مَنْظَرًا، وَأَحْسَنُهُمْ قَدًا، لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ، إذَا قَالَ اسْتَمَعُوا لِقَوْلِهِ، وَاذَا أَمَرَ تَبَادَرُوا إلَى أَمْرِهِ، مَحْفُودٌ، مَحْشُودٌ، لا عَابِسٌ وَلا مُفْنِدٌ”

فَقالَ أبو معبدٍ: هوَ واللهِ صاحبُ قريشٍ الذي ذُكِرَ لنَا مِنْ أمرِهِ، وقدْ هَمَمْتُ أنْ أَصْحَبَهُ ولَأَفْعَلَنَّ إنْ وَجَدْتُ لذلكَ سبيلًا.

 

ومعنى ( ظَاهِرُ الْوَضَاءَةِ ) أي ظاهرُ الجمالِ

( أَبْلَجُ الْوَجْهِ ) أي مشرقُ الوجهِ مضيئُوهُ

( حَسَنُ الْخُلُقِ لَمْ تَعِبْهُ ثُجْلَة) الثجلةُ عِظَمُ البطنِ معَ استرخاءِ أسفلِهِ

( وَلَمْ تُزْرِ بِهِ صَعْلَة ) أي صِغَرُ الرأسِ

( وَسِيمٌ ) المشهورُ بالحُسْنِ كأنَّهُ صارَ الحُسْنُ لهُ سِمَةً

( قَسِيمٌ ) الحُسْنُ قِسْمَةُ الوجهِ، أي كلُّ موضعٍ منهُ أخذَ قسمًا مِنَ الجمالِ

( فِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ ) اشتدَّ سوادُهَا وبياضُهَا واتَّسَعَتْ

( وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ ) أي طولٌ

( وَفِي صوَتِهِ صَحَلٌ ) أي شِبْهُ البُحَّةِ

( وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ ) أي طولُ العنقِ

(وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ ) ( أَحْوَرُ ) اشتدَّ بياضُ عينيهِ معَ سوادِ سوادِهِمَا

( أَكْحَلُ ) أي ذو كُحْلٍ، اسودَّتْ أجفانُهُ خِلقةً

( أَزَجُّ أَقْرَنُ) أَي مَقْرُونُ الحاجبينِ

( شَدِيدُ سَوَادِ الشّعَرِ ) ( إذَا صَمَتَ عَلَاهُ الْوَقَارُ ) أي الرزانةُ والحِلْمُ

( وَإِذَا تَكَلَّمَ عَلاهُ الْبَهَاءُ) مِنَ الحسنِ، الجلالُ والعظمةُ

( أَجْمَلُ النَّاسِ وَأَبْهَاهُ مِنْ بَعِيدٍ وَأَحْسَنُهُ وَأَحْلاهُ مِنْ قَرِيبٍ حُلْوُ الْمَنْطِقِ ) (فصْلٌ لا نَزْرٌ وَلا هَذْرٌ) أي لا قليلٌ ولا كثيرٌ أي ليسَ بقليلٍ فيدلَّ على عِيِّ ولَا كثيرٍ فاسدٍ

( كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ يَنحدرنَ ) أي كلامُهُ محكمٌ بليغٌ

(رَبْعَةٌ ) (لا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ ) أي لا تزدريهِ لقصرِهِ فتجاوزَهُ الَى غيرِهِ بلْ تَهَابُهُ وتَقْبَلُهُ

(وَلا تَشْنَؤُهُ مِنْ طُولٍ ) أي لا يُبْغَضُ لفرطِ طولِهِ

( غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ فَهُوَ أَنْضَرُ الثّلاثَةِ مَنْظَرًا ) (وَأَحْسَنُهُمْ قَدًا )أي قامَةً

( لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ إذَا قَالَ اسْتَمَعُوا لِقَوْلِهِ. وَاذَا أَمَرَ تَبَادَرُوا إلَى أَمْرِهِ ) (مَحْفُودٌ) أي مخدومٌ

( مَحْشُودٌ ) الذي يجتمعُ الناسُ حولَهُ

(لا عَابِسٌ) (وَلا مُفْنِدٌ) المنسوبُ الَى الجهلِ وقلَّةِ العقلِ، المـُفْنِدُ أي لَا فائدةَ فِي كلامِهِ لكبَرٍ أصابَهُ.

 

وقالت أمُّ معبدٍ: بقيتِ الشاةُ التي مسحَ النبيُّ ﷺ ضَرْعَهَا حتَّى عامَ الرمادةِ زمنَ عمرَ بنِ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهُ فِي السنةِ الثامنةَ عشرَةَ للهجرةِ.

 

وبعد أن مكث ﷺ ثَلَاثَ لَيَالٍ في غار ثور مَا كانوا يعرفون مكانه ﷺ، حَتَّى أَقْبَلَ رَجُلٌ مسلم مِنْ الْجِنِّ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ يَتَغَنَّى بِأَبْيَاتٍ وَإِنَّ النَّاسَ لَيَتْبَعُونَهُ، يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ ولَا يَرَوْنَ صاحِبَهُ يقولُ:

جَزَى اللَّهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ

رَفِيقَيْنِ حَلَّا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبــَدِ

 

هُمَا نَزَلَا بِالْبَرِّ ثُمَّ تَرَوَّحَـــا

فَأَفْلَحَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدٍ

 

لِيَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَكَـــانُ فَتَاتِهِمْ

وَمَقْعَدُهَا لِلْمُؤْمِنَيْنِ بِمَرْصَـــــدِ

 

قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فَلَمَّا سَمِعْنَا قَوْلَهُ عَرَفْنَا حَيْثُ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَأَنَّ وَجْهَهُ إلَى الْمَدِينَةِ.

 

رحيله إلى المدينة

كانَ المهاجرونَ والأنصارُ يَفِدُوْنَ إلَى قُباءٍ، وهوَ موضعُ بئرٍ على ثلاثةِ أميالٍ مِنَ المدينةِ، ينتظرونَ قدومَ رسولِ اللهِ ﷺ، ولما قَدِم المصطفى ﷺ المدينة أقام في قُباءٍ مدةً، وأسسَ فيها المسجدَ الذي قالَ اللهُ فيهِ: ﴿لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ  فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا  وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)﴾ سورة التوبة.

ولَحِقَهُ عليُّ بنُ أبي طالبٍ، وكانَ تأخَّرَ ثلاثَ ليالٍ لردِّ الودائعِ التي كانتْ عندَ المصطفَى ﷺ لأهلِهَا. وكان الناس في المدينَةِ ينتظرون بِلَهَفٍ وَشَوْقٍ وصولَ الحبيبِ يَوْمًا بَعْدٍ يومٍ وَيَتَوَافَدُونَ إلَى مَشَارِفِ المدينَةِ من ناحيَةِ طَرِيقِ مَكَّةَ،

ينتظرون قدوم رسول الله ﷺ وَبَعْضُهُم يتَسَلَّقُ الأَشجارَ وَيَنْظُرُ إلَى بُعدٍ، عَلَّهُ يَرَى أثرًا لِقُدومِ رَسُولِ اللهِ مُحمدٍ ﷺ، وذاتَ يومٍ وَالنَّاسُ فِي انتظارٍ بِلَهَفٍ وَشوقٍ، وَقَدِ انتصَفَ النهارُ وَاشْتَدَّ الحرُّ، تَوافَدُوا جَمَاعَةً بَعْدَ جَمَاعَةٍ،

وإذا بِرَجُلٍ يُنَادِي بأَعْلَى صَوْتِه هَا قَدْ جَاءَ مَنْ تَنْتَظِرُونَ يا أهلَ المدينةِ، فأقبلوا لاستِقْبَالِ الحبيبِ المصطفى ﷺ وَالْحُبُّ يَسْبِقُها وَلِسَانُ حَالِها يَقولُ: طلَعَ البَـدْرُ عَلَيْنَـا مِنْ ثَنِيَّـاتِ الوَدَاعِ… وَتَلَقَّى المسلِمُونَ مِنْ أَنْصَارٍ وَمُهَاجِرِينَ رسولَ اللهِ أَحْسَنَ استقبَال،

فَخَرَجُوا في الطُّرُقِ وعلى السُّطوحِ مُبْتَهِجِينَ، وَانْتَشَرَ الخَدَمُ وَالصِّبيانُ في الطَّريقِ يَهْتِفونَ (اللهُ أكبر، جَاءَ رسولُ اللهِ ﷺ) .

 

فأتاه الناس فقالُوا: أقمْ عندَنَا فِي العَدَدِ والعدَّةِ والْمَنَعَةِ فقالَ: “خَلُّوا سبيلَهَا فإنَّهَا مأمورةٌ”  أي الناقة، حتى بَرَكَتْ ناقَتُهُ المأمورةُ أيِ التي أَمَرَهَا اللهُ تعالَى أنْ تبركَ بموضعِ المسجدِ أيْ مسجدِهِ عليهِ السلامُ وأقام ﷺ عند أبي أيوب الأنصاري خالدُ بنُ زيدٍ.

 

وقدْ ورد أنَّ أبا أيوبَ الأنصارِيَّ الصَّحابِيَّ الجَلِيلَ قالَ: “وَكُنَّا نَصْنَعُ لَهُ العَشَاءَ، ثُمَّ نَبْعَثُ بهِ إليهِ، فَإِذَا رَدَّ علينَا فَضْلَهُ تَيَمَّمْتُ، أي قَصَدْتُ، أَنَا وَأَمُّ أَيُّوبَ مَوْضِعَ يدَهُ، فأَكَلْنَا مِنْهُ نَبْتَغِي بِذَلِكَ البَرَكَة”

فهذَا يدلُّ على تَبَرُّكِ أبي أيوبَ وزَوجِه رضي اللهُ عنهُما بِآثارِ أصابِعِ رسولِ اللهِ في قَصْعَةِ الطَّعامِ التِي كانَ يأكُلُ منهَا الرسولُ الأعظَمُ ولَمْ يُنْكِرِ النبيُّ عليهِمَا ذلك، وكانَ في هَذَا أَبْيَنُ البَيَانِ عَلَى جَوَازِ التَّبَرُّكِ بِآثَارِهِ ﷺ، وَأَنَّه أمرٌ مَشْرُوعٌ في الشريعَةِ الإسلاميَّةِ كمَا قالَ الأئمةُ الأَعْلام.

 

واستبشرَ المسلمونَ بقدومِ النبيِّ ﷺ حينَ وصلَ إلى يثربَ التي سمَّاهَا النبيُّ المدينةَ المنورةَ وءاخَى بينَ أهلِهَا والمهاجرينَ وسمَّى أهلَهَا الأنصارَ لأنَّهُمْ نصرُوا دينَ اللهِ تعالَى، وبهِ انطفأتْ فتنةٌ عظيمةٌ كانتْ بينَ قبيلتَي الأوسِ والخزرجِ بيثربَ بعدَ أنْ دامتْ سنواتٍ،

فصارَ المسلمونَ علَى قلبِ رجلٍ واحدٍ لَا يفرقُ بينَهُمْ طمعٌ ولَا دنيا ولَا يُبَاعِدُهُمْ حسدٌ ولَا ضغينةٌ حتَّى غَدَوا كالبنيانِ المرصوصِ يشدُّ بعضُهُمْ بعضًا، وقدْ نَصَرَ اللهُ نبيَّهُ ﷺ وأيَّدَهُ وكانَ وعدُ اللهِ حقًا، فهوَ القائلُ عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءامَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾ سورة غافر.

 

فائدة في الأخوة في الدين تستفاد من فعل النبيّ ﷺ وأنه ءاخى بين المهاجرين والأنصار

وردَ فِي الحديثِ قالَ ﷺ: “وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا” معناهُ أَيُّها المُسْلمون، أَنْتُم كُلُّكم مُشْتَرِكُونَ بِشىء، كُلُّكُم عَلَى الإِيمان، فَكُونُوا فِيما بينَكُم مُتآخِين.

كما جاءَ فِى الحَدِيث الذي رواه البخاري ومسلم: “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”

 

فأقامَ بدارِ أبي أيوبٍ حتَّى ابتَنَى مسجدَهُ، وأُسِّسَ المسجدُ، وَجَعَلَ رسولُ اللهِ ﷺ ينقلُ مَعَهُمُ الحجارةَ ويقولُ: “اللهم لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشَ الآخِرَةِ فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَةِ” وجعلَتْ أعْمِدَتُهُ الجذوعَ وسقفُهُ الجريدَ.

ثمَّ إنَّهُ بنَى حولَهُ منازلَ لأهلِهِ أي نسائِهِ ومواليهِ. كلُّ ذلكَ وهوَ فِي بيتِ أبِي أيوبٍ. وكانَ أصحابُهُ مِنَ المهاجرينَ والأنصارِ يَبْنُوْنَ مَسَاكِنَهُمْ حوالَيْهِ فِي ظلِّهِ أي فِي كَنَفِهِ، وإنَّ مِنَ الأنصارِ مَنْ تَرَكَ مَسْكَنَهُ البعيدَ وسَكَنَ بِقُرْبِهِ.

 

بعض القصص التي وردت مع بعض من هاجر إلى المدينة المنورة

 

أخرجَ البيهقيُّ فِي دلائلِ النبوةِ، فِي بابٍ سمَّاهُ: بابَ مَا جاءَ فِي الْمُهَاجِرَةِ إلَى النبيِّ ﷺ التي أحيَا اللهُ تعالَى بِدُعَائِهَا وَلَدَهَا بعدَ مَا مَاتَ:

عنْ أنسٍ رضي الله عنه قالَ: عُدْنَا شابًّا مِنَ الأنصارِ (أي زرناهُ) وعندَهُ أمٌّ لهُ عجوزٌ عمياءُ، قالَ: فَمَا بَرحْنَا أنْ فاضَ، يعني: ماتَ، ومَدَدْنَا علَى وَجْهِهِ الثوبَ،

وقُلْنَا لأمِّهِ: يَا هذهِ احتَسِبِي مُصَابَكِ عندَ اللهِ، قالتْ: أَمَاتَ ابْنِي ؟ قُلْتُ: نعمْ، قالتْ: اللهم إنْ كنتَ تعلَمُ أنِّي هاجَرْتُ إليكَ وإلَى نبيِّكَ، رجاءَ أنْ تُعِيْنَنِي عندَ كلِّ شديدةٍ، فَلَا تَحْمِلْ عَلَيَّ هذهِ المصيبةَ اليومَ.

قالَ أنسٌ: فواللهِ مَا بَرحَتْ حتَّى كُشِفَ الثوبُ عنْ وجهِهِ وطَعمَ وطَعِمْنَا مَعَهُ. اهـ وأخرجَهُ ابنُ عديٍّ وابنُ أبي الدنيَا وأبو نعيمٍ.

 

لما هاجرت أم أيمن

وَرَوَى ابنُ سعدٍ عنْ عثمانَ بنِ القاسمِ أنَّهُ قالَ: لَمَّا هَاجَرْتْ أمُّ أيمنَ (مِنْ مكةَ إلَى المدينةِ) أَمْسَتْ بالْمُنْصَرَفِ وَدُونَ الرَّوْحَاءِ، فَعَطِشَتْ، وليسَ مَعَهَا ماءٌ وهيَ صائمةٌ، فَأَجْهَدَهَا العطشُ، فَدُلِّيَ علَيْهَا مِنَ السماءِ دَلْوٌ مِنْ ماءٍ بِرَشَاءٍ أبيضَ (الذي يُتَوَصَّلُ بهِ إلَى الماءِ)، فَأَخَذَتْهُ، فَشَرِبَتْهُ حتَّى ارتوتْ.

فكانتْ تقولُ: مَا أصابَنِي بعدَ ذلكَ عطشٌ ولقدْ تَعَرَّضْتُ للعطشِ بالصومِ فِي الهواجرِ فمَا عَطِشْتُ.

 

 وأَخْرَجَهُ ابنُ السكنِ مِنْ روايَةٍ أخرَى قالَ: خَرَجَتْ مهاجرةً مِنْ مكةَ إلَى المدينةِ وهِيَ ماشيةٌ ليسَ معهَا زادٌ. وقالَ فيهِ: فلمَّا غابتِ الشمسُ إذْ أنَا بإناءٍ مُعَلَّقٍ عندَ رأسِي، وقالتْ فيهِ: ولقدْ كنتُ بعدَ ذلكَ أصومُ فِي اليومِ الحارِّ ثمَّ أطوفُ فِي الشمسِ كيْ أعطشَ فمَا عَطِشْتُ بعد. اهـ

 

وفِي بعضِ الرواياتِ: فَكَادَتْ تموتُ مِنَ العطشِ، فلمَّا كانَ وقتُ الفطرِ وكانتْ صائمةً سَمِعَتْ حِسًّا عَلَى رأسِهَا، فَرَفَعَتْهُ، فَإِذَا دَلْوٌ، بِرَشَاءٍ أبيضَ معلَّقٍ، فَشَرِبْتُ منهُ حتَّى رَوِيْتُ، ومَا عَطِشْتْ بَقِيَّةَ عُمُرِهَا.اهـ

 

خاتمة

لـمَّا هاجرَ المصطفَى طابتْ بهِ طيبةُ، وسَرَى السرورُ إلَى القلوبِ بحلُوْلِهِ بهَا، وزالَ عنهَا وباؤُهَا ببركةِ هذَا النبيِّ العظيمِ الجاهِ، ودعَا اللهَ قائلًا: “اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ”

وقال: “اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا، وَاجْعَلْ مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ”

وقال ﷺ: “عَلَى أَنْقَابِ المدِيْنَةِ مَلائِكَةٌ لا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلا الدَّجَّالُ”

 

اللهم اجعَلْ قُلوبَنَا عَامِرَةً بِحُبِّ وَتَعْظِيمِ وَإِجْلالِ حَبِيبِكَ محمدٍ ﷺ وَثَبِّتْنَا علَى هَدْيِهِ وَطَريقَتِهِ وأَعِدْ عَلَيْنَا الذكرَى بالخَيْرِ وَالبَرَكاتِ وَالْطُفْ بأُمَّةِ محمدٍ ﷺ. وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين وسلام على المرسلين وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مواقيت صلوات اليوم

    عمان, الأردن
    الصلاةالوقت
    الفجر2:58 AM
    شروق الشمس4:40 AM
    الظهر11:33 AM
    العصر3:13 PM
    المغرب6:25 PM
    العشاء7:56 PM

إن المعرفة الحقيقية لدخول أوقات الصلاة تقوم على المراقبة، أما ما نذكره هنا فمن باب الاستئناس

إن أوقات الصلاة الظاهرة هي فقط لمدينة عمان، الأردن

قنوات التواصل الاجتماعي