زيد المصري - Zaid Al-Masri

الهجرة النبوية – دروس وعبر 3

الحمدُ للهِ الذي شرَّفَ المدينةَ بهجرةِ خيرِ البريةِ، وضاعفَ الثوابَ لمن صلَّى بروضتِهِ العطرةِ الشذيةِ، وأشهدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ الذي نَوَّرَ الكونَ بطلعَةِ حبيبِهِ البهيةِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ جعلَ اللهُ هجرَتَهُ شمسًا أطلَعَهَا علَى الأمةِ الإسلاميةِ، وتوالتْ علَى المدينةِ المنورةِ الآياتُ القرءانيةُ، صلَّى اللهُ عليهِ وعلَى ءالهِ وأصحابِهِ الذينَ فازُوا باتِّبَاعِهِمْ لهُ بالسعادةِ السرمديةِ.

حالُ الناسِ عندَ البعثةِ النبويةِ

كانَ الناسُ قبلَ بعثةِ رسولِ اللهِ ﷺ في جاهليةٍ وشرٍّ وكانوا يعبدونَ أصنامًا همْ عمِلُوهَا، وكانوا علَى الأخلاقِ الذميمةِ، ولمْ يكنْ على وجهِ الأرضِ حينَ بُعِثَ رسولُ اللهِ ﷺ مسلمٌ غيرُهُ،

فأرسَلَهُ اللهُ للناسِ كافةً وأيدَهُ بالمعجزاتِ ليقيمَ الاعوجاجَ ويُصلِحَ الفسادَ ويدعوَ إلَى عبادةِ اللهِ وحدَهُ ونبذِ عبادةِ الأصنامِ، ودعَا ﷺ إلى توحيدِ اللهِ وتنزيهِهِ عنْ مشابَهَةِ المخلوقاتِ فَعَلَّمَ التوحيدَ والتنزيهَ،

علمهم أنَّ اللهَ منزهٌ عنِ الجهةِ والمكانِ والصورةِ والهيئةِ والأعضاءِ والجسميةِ، وأنَّهُ سبحانَهُ يصطفي مِنْ عبادِهِ مَنْ يشاءُ مِنَ الرسلِ والنبيينَ فيرسِلُهُمْ إلَى الناسِ يبلغونَهُمْ ويبشرونَهُمْ وينذرونَهُمْ، وقدْ عَصَمَهُمُ اللهُ مِنَ الكفرِ والكبائِرِ وصغائرِ الخسةِ والرذائلِ والسفاهاتِ.

 

فعندَمَا بُعِثَ رسولُ اللهِ ﷺ أُمِرَ بالتبليغِ ولَا قتالَ بالسيفِ فِي أولِ الأمرِ، فكانَ يدعو إلَى اللهِ جهرًا ويمرُّ بينَ العربِ المشركينَ حينَ كانُوا يجتمعونَ فِي الموسمِ مِنْ نواحٍ مختلفةٍ ويقولُ لَهُم: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُوْلُوْا لَا إلهَ إِلَّا اللهُ تُفْلِحُوْا”

ودعَا ﷺ إلَى العدلِ والإحسانِ ومكارمِ الأخلاقِ ونَهَى عنِ المنكرِ والبغيِ، وقدْ دخلَ فِي الإسلامِ قومٌ خَلَصَتْ قلوبُهُمْ مِنْ أدرانِ التقليدِ الجاهليِّ والعصبيةِ النتنةِ وصَفَتْ نفوسُهُمْ لِمَا يدعوهُمْ إليهِ رسولُ اللهِ ﷺ فَعَضُّوا علَى مَا دعَاهُمْ إليهِ بالنواجذِ وثَبَتُوا علَى التوحيدِ وطريقِ الحقِّ.

 

وبقيَ علَى الكفرِ أكثرُ الناسِ وصارُوا يؤذُونَهُ وأصحابَهُ، فلمَّا اشتدَّ عليهمُ الأذى أمرَ رسولُ اللهِ ﷺ بعضَ أصحابِهِ بالهجرةِ إلَى الحبشةِ، وكانَ ﷺ قدْ لَقِيَ فِي الموسمِ نَفَرًا مِنْ أهلِ يثربَ مِنَ الخزرجِ فَدَعَاهُمْ إلَى الإسلامِ فأسلموا، ثمَّ ازدادَ عددُهُمْ فِي العامِ التالي،

فلمَّا انصرفُوا بعثَ معَهُم بعضَ أصحابِهِ ﷺ لتعليمِ مَنْ أسلمَ مِنْ أهلِ يثربَ القرءانَ، ودعوةِ مَنْ لمْ يُسْلِمْ منهمْ بعدُ إلَى الإسلامِ، فلمَّا كَثُرَ أصحابُ رسولِ اللهِ ﷺ بيثربَ أمرَ اللهُ المسلمينَ بالهجرةِ إليهَا فهاجروا إليهَا أرسالًا، جماعةً بعدَ جماعةٍ كمَا قالَ ﷺ لأصحابِهِ: “إِنَّ اللهَ جَعَلَ لَكُمْ إِخْوَانًا وَدَارًا تَأْمَنُوْنَ بِهَا”

ثُمَّ جاءَ أمرُ اللهِ تعالَى لنبيِّهِ ﷺ بالهجرةِ إلَى يثربَ، أمرَهُ اللهُ تعالَى بِتَرْكِ مكةَ محلِّ ولادَتِهِ ﷺ التي كانتْ أحبَّ البلادِ إليهِ فامتَثَلَ لأمرِ اللهِ وهاجرَ متحمِّلًا الْمَشَاقَّ فِي سفرِهِ طاعةً للهِ تعالَى لَا خوفًا مِنَ المشركينَ وجبنًا فإنَّهُ ﷺ كانَ أشجعَ الناسِ، ولَا يأسًا مِنْ واقعِ الحالِ ولَا حبًّا فِي الشهرةِ والجاهِ والسلطانِ، فقدْ كانَ ﷺ أزهدَ الناسِ فِي هذهِ الدنيَا الفانيةِ.

 

بيانُ معنَى الهجرةِ

الهَجْرُ: ضدُّ الوصلِ، يقالُ هَجَرَهُ هَجْرًا وهِجْرَانًا، إذَا قَاطَعَهُ وأَعْرَضَ عنهُ وتَرَكَهُ، والهِجْرَةُ الخروجُ مِنْ أرضٍ إلَى أرضٍ،

والمهاجرونَ همُ الذينَ ذهبُوْا معَ النبيِّ ﷺ، وسُمِّيَ المهاجرونَ مهاجرينَ لأنَّهُمْ تركُوا ديارَهُمْ ومساكِنَهُمُ التي نشؤُوْا بهَا للهِ ولَحِقُوْا بدارٍ ليسَ لَهُمْ بهَا أهلٌ ولَا مالٌ حينَ هاجَرُوا إلَى المدينةِ.

والْهِجْرَتَانِ هجرةٌ إلَى الحبشةِ وهجرةٌ إلَى المدينةِ. وإذَا أُطْلِقَتِ الهجرةُ انصَرَفَتْ إلَى الهجرةِ مِنْ مكةَ المكرمةِ إلَى المدينةِ المنورةِ.

 

محاربةُ المشركينَ للنبيِّ ﷺ ولدعوَتِهِ

منذُ أنْ أُمِرَ النبيُّ ﷺ بالصدعِ بكلمةِ الحقِّ ودعوةِ الناسِ إلَى توحيدِ اللهِ وعبادَتِهِ دونَ سواهُ، وقفَتْ جحافِلُ الشركِ والوثنيةِ ضدَّ النبيِّ ﷺ ودعوَتِهِ وأتباعِهِ وعَمِلُوا علَى محاربةِ دعوَتِهِ الإسلاميةِ

فأنزلُوا بالمسلمينَ سوءَ العذابِ وأذاقُوْهُمُ التنكيلَ والاضطهادَ فَعَمِلُوا علَى التكذيبِ لَهُم وعلَى التشنيعِ والتقبيحِ والسخريةِ والاستهزاءِ بهمْ

وعَمِلُوا علَى التعذيبِ البدنيِّ البشعِ مِنْ إلباسِهِمْ دروعَ الحديدَ وإطفاءِ النارِ فِي أجسادِهِمْ وضربِهِمْ وجلدِهِمْ بالسياطِ وإيقافِهِمْ فِي الشمسِ المحرقةِ وَوَضْعِ الأحجارِ الثقيلةِ علَى صدورِهِمْ وغيرِ ذلكَ مِنْ أنواعِ التعذيبِ والتنكيلِ والمحاربةِ لِمَنْ ءامنَ بالنبيِّ ﷺ حتَّى وصلَ الأمرُ إلَى القتلِ والعياذُ باللهِ تعالَى.

 

مواقفُ وعبرٌ مِنْ هجرةِ بعضِ الصحابةِ

أولُ مَنْ قَدِمَ المدينةَ مِنْ أصحابِ رسولِ اللهِ ﷺ أبو سلمةَ بنُ عبدِ الأسدِ فقدْ هاجرَ إلَى المدينةِ قبلَ بيعةِ العقبةِ بسنةٍ. وقيلَ: أولُ المهاجرينَ مصعبُ بنُ عميرٍ،

فقدْ روَى البخاريُّ عنِ البراءِ بنِ عازبٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: أولُ مَنْ قَدِمَ علينَا مصعبُ بنُ عميرٍ وعبدُ اللهِ بنُ مكتومٍ ثمَّ قَدِمَ علينَا عمارُ بنُ ياسرٍ وبلالٌ رضيَ اللهُ عنهُمْ.

ولنَا فِي ذلكَ عبرة، فقدْ كانَ يقالُ عنْ مصعبِ بنِ عميرٍ قبلَ إسلامِهِ بأنَّهُ أعطرُ فتًى فِي مكةَ وأكثرُهُمْ لينًا وركونًا لأمرِ الدنيَا، ولكنْ بعدَ الإسلامِ كانَ مبعوثَ رسولِ اللهِ ﷺ للمدينةِ لتعليمِ مَنْ أسلمَ القرءانَ الكريمَ،

وصارَ تاركًا لكلِّ التَّرَفِ والنَّعيمِ وزهرةِ الحياةِ الدنيَا التي كانتْ بيدِهِ، وكانَ حاملَ لواءِ المهاجرينَ فِي أُحُدٍ وتوفيَ شهيدًا فِي أُحُدٍ، وَوَقَفَ النبيُّ ﷺ عندَ جسدِهِ وهوَ مقتولٌ فِي أُحُدٍ وقرأَ الآيةَ مِنْ سورةِ الأحزابِ: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِيْنَ رِجَاْلٌ صَدَقُوْا مَاْ عَاْهَدُوْا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىْ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَاْ بَدَّلُوْا تَبْدِيْلًا﴾ .

 

العبرةُ منْ قصةِ هجرةِ عمرَ بنِ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهُ

بعد أن أسلم ونصر دين الله صار يلقب بالفاروق، سَمَّاهُ بِهَذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَنَّ اللَّهَ فَرَّقَ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، فَهُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وكُنْيَتُهُ (أَبُو حَفْصٍ ) كَنَّاهُ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ بَدْرٍ، وَالْحَفْصُ فِي اللُّغَةِ وَلَدُ الْأَسَدِ.

أسلم رضي الله عنه في السنة السادسة بعد البعثة، وكان له سبع وعشرون سنة وكان من أشراف قريش.

 

أخرج البزار والطبراني عن عمر بن الخطاب أنه قال: ” كنت أشد الناس على رسول الله ﷺ، فبينما أنا في وقت حار في الهاجرة في مكة التقيت برجل في الطريق فقال عجبًا لك يا ابن الخطاب تزعم أنك وأنك وقد دخل عليك الأمر في بيتك (أي صار في أهلك من هم مسلمون)

فقال عمر: وما ذاك ؟ فقال له: أختك قد أسلمت.

فغضب وذهب إلى بيت أخته فدق الباب فقالوا: من هذا ؟ فقال: عمر وكان في البيت أخته وزوجها ورجل من المسلمين يتلون القرءان فلما سمعوا صوته أنه عمر دخلوا إلى البيت فاختبئوا ونسوا الصحيفة التي كانوا يقرؤون فيها، فقامت أخته وفتحت الباب،

فقال لها: يا عدوةَ نفسها قد صبأت ؟ (أي غيرت دينك) ثم ضربها بشىء كان بيده على رأسها فسال الدم منها وصارت تبكي،

ثم قالت له: ما كنت فاعلًا فافعل إني قد أسلمت، فدخل عمر إلى البيت فوجد الصحيفة فقال ما هذا ؟ أعطنيها

فقالت: هذا لا يمسه إلا المطهرون، فأخذها منها ففتحها فقرأ ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾ فلما وجد أسماء الله ذعر قلبه فألقى الصحيفة ثم عاد فأخذها فقرأ قول الله:

﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)﴾ سورة الصف.

ثم قرأ غير ذلك. ويقال إنه قرأ قول الله:

﴿طه (1) مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءانَ لِتَشْقَىٰ (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ (3) تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ (6) وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ (8) ﴾ سورة طه،

فتأثر قلبه فرأى الموجودين قد أحسوا به أنه تغير فخرجوا من مخبأهم فقالوا له: أبشر فإنا سمعنا رسول الله يقول: “اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين”

فقال دلوني على النبي أين هو ؟ فدلوه على البيت الذي كان فيه النبي، فذهب فطرق الباب، فقالوا: من ؟ فقال: ابن الخطاب، وقد علموا شدته على المسلمين، فما اجترىء واحد منهم أن يفتح الباب، قالوا هذا عمر مع سيفه،

فقال حمزة: وإن يكن افتحوا له فإن أراد شرًا قتلناه بسيفه ففتحوا له الباب، فلما دخل قام إليه رسول الله فأمسكه من قميصه وقال له: “أما ءان لك أن تسلم يا ابن الخطاب” فعند ذلك نطق بالشهادتين، فكبر المسلمون فرحا،

ثم قال للرسول ﷺ: ألسنا على الحق ؟ فقال الرسول: “بلى” فقال: فيما استخفاؤنا ؟ أي لماذا نحن جالسون ضمن البيت، لنخرج إليهم، فخرج المسلمون في صفين على رأس واحد منهم حمزة وعلى رأس الآخر عمر بن الخطاب،

فأصاب المشركين غم شديد لما رأوا حمزة في أحد الصفين وعمر في الآخر،

قال عمر: ثم صرت أرى المسلمين يضربون وأنا لا يصيبني شىء من ذلك، فصرت أواجه بعض الناس أذهب إلى بعض الناس أكلمهم فما أحد يمج يده إلي، ثم رجل قال لي تحب أن يفشو خبر إسلامك ؟ فقال عمر: نعم،

فقال: اذهب إلى ذلك الرجل وقل له هذا سر بيني وبينك إني قد أسلمت، قال عمر: فقلت ثم لما أنهيت كلامي صرخ بأعلى صوته إن عمر قد صبأ، فأقبل الناس إلي فما زلت أضربهم ويضربوني حتى جاء خالي فقال: إني قد أجرت ابن أختي فانكَشَفُوا عني وتركوني،

فقلت له: جوارك مردود عليك، أنا أستجير بك وأنت كافر!

قال: فما زلت أَضربُ وأُضرب حتى أعز الله الإسلام.

 

وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ نَزَلَ جِبْرِيلُ فَقَالَ: “يَا مُحَمَّدُ لَقَدِ اسْتَبْشَرَ أَهْلُ السَّمَاءِ بِإِسْلَامِ عُمَرَ”

 

وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: قَدِ انْتَصَفَ الْقَوْمُ الْيَوْمَ مِنَّا، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64)﴾ سورة الأنفال. فكَانَ إِسْلَامُ عُمَرَ فَتْحًا، وَكَانَتْ هِجْرَتُهُ نَصْرًا، وَكَانَتْ إِمَامَتُهُ رَحْمَةً.

 

وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ الْكَثِيرَةُ وَالْأَخْبَارُ الشَّهِيرَةُ بِفَضَائِلِهِ،

فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ”

وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “لَقَدْ كَانَ فِي مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، (أَيْ مُلْهَمُونَ) فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَإِنَّهُ عُمَرُ”

وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ”

وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ”

وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: “مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَلَهُ وَزِيرَانِ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ، وَوَزِيرَانِ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَأَمَّا وَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ فَجِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، وَأَمَّا وَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ”

وَهَاجَرَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى الْمَدِينَةِ جَهْرًا ومعه أربعين من المستضعفين، وذلك أنه تَقَلَّدَ سَيْفَهُ وَأَتَى الْكَعْبَةَ وَأَشْرَافُ قُرَيْشٍ بِفِنَائِهَا، فَطَافَ سَبْعًا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْمَقَامِ ثم قَالَ لهم: “شَاهَتِ الْوُجُوهُ.. مَنْ أَرَادَ تَثْكَلُهُ أُمُّهُ، وَيُيَتَّمُ وَلَدُهُ، وَتُرَمَّلُ زَوْجَتُهُ فَلْيَلْقَنِي وَرَاءَ هَذَا الْوَادِي فإني مهاجر إلى يثرب”

فَمَا تَبِعَهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَشِدَّةُ عُمَرَ وَشَجَاعَتُهُ لَا تَخْفَى حَتَّى أَنَّهُ وُصِفَ فِي التَّوْرَاةِ بِأَنَّهُ قَرْنٌ مِنْ حَدِيدٍ، وَكَانَ رضي الله عنه شَدِيدًا عَلَى الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ، فما تجرأ أحد منهم أن يحول دونه ودون هجرته لأنهم يعلمون أنه ذو بأس وقوة وأنه إذا قال فعل.

وروى ابنُ الأثيرِ عنْ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ قالَ: كانَ إسلامُ عمرَ فتحًا وكانتْ هجرَتُهُ نصرًا وكانتْ إمارَتُهُ رحمةً، ولقدْ رأيْتُنَا ومَا نَسْتَطيعُ أنْ نصليَ فِي البيتِ حتَّى أسلمَ عمرُ فلمَّا أسلمَ عمرُ قاتَلَهُم حتَّى تركونَا فَصَلَّيْنَا.

وروى ابنُ الأثيرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: “مَا عَلِمْتُ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ هَاجَرَ إِلا مُخْتَفِيًا، إِلا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ”

 

 ومِنَ العبرِ فِي ذلكَ:

القوةُ فِي الحقِّ والثباتُ عليهِ والجهرُ بهِ وأنْ لَا يخافَ قائلُ الحقِّ فِي اللهِ لومةَ لائمٍ، والدفاعُ عنِ المستضعفينَ، وإظهارُ عزةِ المسلمِ وعدمُ الذلِّ للكافرينَ،

ولنَا عبرةٌ أخرَى مِنْ ذلكَ وهيَ أنَّ مَنْ فتحَ اللهُ قلبَه للإيمانِ وجعلَه مِنْ أوليائِه وأهلِ طاعتِه يتغيرُ حالُهُ، فقدْ كانَ قبلَ الإسلامِ يعادي رسولَ اللهِ ﷺ ويعادي المسلمينَ وبعدَ أنْ فتحَ اللهُ قلبَه للإيمانِ تجدُه مِنْ أكبرِ المدافعينَ عنْ هذا الدينِ وتجري على يديهِ الكراماتُ فسبحانَ الفتاحِ العظيمِ،

فَعمرُ بنُ الخطابِ رضي الله عنه قبلَ الإسلامِ كانَ يجلدُ بعضَ المسلمينَ ممنْ ءامنَ برسولِ اللهِ ﷺ ليصدَّهم عنْ دينِهِم، ولكنَّ اللهَ تعالى فتحَ قلبَه بنورِ الهدايةِ وشرحَ صدرَه للإيمانِ فكانَ بعدَ ذلكَ الفاروقَ عمرَ رضيَ اللهُ عنهُ وهوَ أفضلُ وليٍّ فِي هذهِ الأمةِ بعدَ أبي بكرٍ رضيَ اللهُ عنهُمَا.

 

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

مواقيت صلوات اليوم

    عمان, الأردن
    الصلاةالوقت
    الفجر2:58 AM
    شروق الشمس4:40 AM
    الظهر11:33 AM
    العصر3:13 PM
    المغرب6:25 PM
    العشاء7:56 PM

إن المعرفة الحقيقية لدخول أوقات الصلاة تقوم على المراقبة، أما ما نذكره هنا فمن باب الاستئناس

إن أوقات الصلاة الظاهرة هي فقط لمدينة عمان، الأردن

قنوات التواصل الاجتماعي