زيد المصري - Zaid Al-Masri

الاربعين النووية – حديث جبريل -4

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِين، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الفَضْلُ ولَهُ الثَّناءُ الحَسَن، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان عَلَى سَيِّدِنا محَمَّدٍ رَسُولِ الله الصّادِقِ الوَعْدِ الأَمِين، وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين ومن تبعهم وسار على منوالهم إلى يوم الفصل والدين.

أما بعد:

 

ما زِلْنا فِى الحَدِيث الثّانِي فِى كِتاب الأَرْبَعِين النّوَوِيّة للإِمام أَبِى زَكَرِيّا يَحْيَى بْنِ شَرَف النَّوَوِيّ رَحْمَه الله تعالى، وقد شرحنا من حديث جبريل ما قاله سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلم ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ. حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم: “الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا” قَالَ: صَدَقْت. فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ! .

 

أن تؤمن بالله

ثم قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ. قَالَ: “أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ” قَالَ: صَدَقْت.

وقوله عليه السلام: “أَنْ تُؤْمِنَ بالله” يراد به وجوب التَّصْدِيق بِوجُودِهِ سبحانَه والإِيمان بِأَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِصِفاتِ الكمال اللآئِقَةِ بِهِ وَأَنَّهُ سبحانَهُ ذاتٌ غَيرُ مُشْبِهٍ للذَّوات ولا مُعَطَّلٍ عَنِ الصِّفات،

معناهُ هُوَ سبحانَهُ مَوْصُوفٌ بِصِفاتٍ كاملَة كَالقُدْرَة وَالإِرادَة وَالعِلْم وَالسمع والبصر والحياة والكلام والبَقاء، وَأَنَّهُ سبحانَهُ أَزَلِيٌّ لا ابْتِداءَ لِوُجُودِهِ وَأَنَّهُ سبحانَهُ غَيرُ مُشابِهٍ لِأَحَد وَأَنَّهُ سبحانَهُ غَنِيٌّ عَنْ المخلوقات.

يَعْنِى أَنْ تُصَدِّقَ جازِمًا باللهِ تعالى مِنْ غَيرِ شَكّ، أَيْ أَنْ تَعْتَقِدَ بِقَلْبِك جازِمًا أَنَّ اللهَ ذاتٌ لا يُشْبِهُ الذَّوات، مُتَّصِفٌ بِصِفاتٍ لا تُشْبِهُ الصِّفات، صِفاتُهُ لا تُشْبِهُ صِفاتِ غَيرِهِ كَما أَنَّ ذاتَهُ لا يُشْبِهُ ذاتَ غَيرِهِ. ويجب عليك أن تـَعْقِدَ جازِمًا أَنَّهُ لا أَحَدَ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ إِلّا اللهُ تعالى.

 

الله متصفًا بثلاث عشرة صفة

وأَجْمَعَ أَهْلُ السّنة أَنَّ اللهُ مُتَّصِفًا بِثَلاثَ عَشْرَةَ صِفَة، يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلِّفٍ أَنْ يَعْرِفَها وهذا بالإِجْماع، ليسَ فِيهِ خِلافٌ بينَ العُلَماء إلا أن بعضهم ذَكَرَ ما يَزِيدُ عَنْ ذلِك. وهي الوجود والوحدانية والقدم (أي الأزلية) والبقاء وقيامه بنفسه والقدرة والإرادة والعلم والسمع والبصر والحياة والكلام وتنزهه عن مشتبهة الحوادث. أَيْ أَنَّ اللهَ لا يُشْبِهُ المَخْلُوقات بِأَيِّ وَجْهٍ مِنَ الوُجُوه، وكُلّ شىء تَتَخَيَّلُهُ بِخَيالِكَ فاعلم أن الله لا يُشْبِهُهُ.

إذا كان في المخلوقات أَشياء لا نَستَطِيعُ أَنْ نَتَخَيَّلَها فَكَيْفَ الخالِقُ عَزّ وَجَلّ، لِذلِكَ أقول (ءامَنْتُ بالله الذي لا يُشْبِهُ شيْئًا) قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: “مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك” هذا مَعْنَى الإيمان باللهِ سُبحانَهُ تعالى.

 

الايمان بالملائكة

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: “وَمَلَائِكَتِهِ” معناه لا بد من الإِيمان بالمَلائِكَة والتَّصْدِيق بُوُجُودِهِم، فمن لم يؤمن بهم فقد كذب القرءان ومن كذب القرءان فقد فارق الإسلام.

والملائكة جَمْعُ مَلَك. والتّاء في (ملائِكة) ليسَت للتَّأْنِيث! بَلْ هذه دِلالَة عَلَى الجَماعَة. أما التاء في كلمة (مُعَلِّمَة) للتَّأْنِيث. أَحيانًا التاء فِى ءاخِر الكَلِمَة تَكون دِلالَة عَلَى الواحِد، فكَلمَة بَقَر جَمْع بَقَرَة، هذه التّاء للتّفريق بينَ الواحِد والجَمْع، والثَّوْر يُسَمّى أَيضًا بَقَرَة فِى اللُّغة، البَقَرَة ليسَ فَقَط للأُنْثَى، يقال أيضًا: (نمل ونملة) هذه التّاء للوَحْدَة، وهُناك تاء للجَماعَة باللغَة العَرَبِيّة مِثْلُ الملائِكَة، هذه التّاء ليسَت للتَّأْنِيث وَلا للوَحْدة، هذه للدِلالَة عَلَى الجَماعَة.

وبَعْضُ الناسِ يقولون: نحن لا نرى الملائِكَة وَبالتّالِي لا نُصدقُ بموجودهِم، والقاعدة عندهم أن كل ما لا يرى العين فلا يمكن إثباتُه! وَهذه قاعِدَةٌ مُعْوَجَّة ليسَ لَها دَليلٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، لأَنَّ الواحِدَ مِنّا يَؤْمِنُ بِأَشْياءَ كَثِيرَة مِنْ غَيرِ أَنْ يَراها بَعَيْنَيْ رَأْسِهِ،

يُؤمِنُ الواحِدُ مِنّا بِوُجُودِ الرُّوحِ فِى جَسَدِه وإِنْ كانَ لا يَرى الرُّوح، هَلْ يَرَى الواحِدُ مِنّا روحَهُ الْمُتَشابِكَةَ بِجَسَدِه؟! لا يراها، وَمَعَ ذلِكَ هوَ مُوقِنٌ بِوُجُودِها فِى جِسْمِهِ. يُؤْمِنُ بَعَقلِهِ وَإِنْ لم يَره يُؤمِنُ أَنَّ فُلانَةَ هِيَ أُمُّهُ التي وَلَدَتْهُ وَيَحْيَى عُمُرَهُ يُنادِيها بِقَوْلِهِ : (أُمِّي أُمِّي) وَهُوَ لَمْ يَرَها حالَةَ وِلادَتِها لَهُ! فَإِذًا هذه قاعِدَة غَيرُ سَلِيمَة.

فالملائِكَةُ وَإِنْ كانَ كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ لا يَرَوْنَهُم حالَ الحَياةِ الدنيا عِيانا، إِلّا أَنَّهُم عِبادٌ للهِ تعالى مَوْجُودُون، وَأَنَّهُم مُكْرَمُون لَهُم شَأْن عِنْدَ اللهِ عزّ وَجَلّ، واللهُ تَعالى وَصَفَهُم فِى القُرْءانِ فَقال ﴿كِرَامٍ بَرَرَةٍ﴾ كِرام يَعْنِى ذَوِي كَرامَة عِنْدَ اللهِ تعالى فَلِذلِكَ نَقُول: “الملائِكَة عِبادٌ مُكْرَمُون” ومَعْنَى” مُكْرَمُون” أي أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَكْرَمَهُم بِالشَّأْنِ العالِي وَالرُّتْبَةِ العَظِيمَة،

وفي هذا الحديث الذي نشرحه فإن جِبريل جاءَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مُتَشَكِّلا على هيئة رَجُل شَدِيدِ بَياضِ الثِّياب شَدِيدِ سَوادِ الشّعْر، وهو دليل عَلَى وُجُودِ الملائِكَة، والنبي صادِقٌ في كل كا جاءَ بِهِ وَبَلَّغَهُ عَنِ الله، هُوَ أَخْبَرَنا أَنَّ جِبريل جاءَهُ فَنُؤْمِنُ بِأَنَّ الملائِكَةَ مَوْجُودُون لأَنَّ جِبريل فَرْدٌ مِنْ هٰذا الجِنْس.

وإِذا ءامَنّا بِوُجُودِ هذا الفَرْد الذي هُو جُزءٌ (فَرْدٌ) مِنْ هذا الجِنْس، فإننا نُؤْمِنُ بِوُجُودِ هذا الجنْس، كَما إِذا سَأَلَكَ سائل: ما التَّمْرُ؟ وما كان رآى التمر في حياته! فلن تحضر له كُلّ تَمْر الدُّنيا حَتّى تُبَيِّنَ لَهُ ما التّمر! بل إِنْ أريتَهُ تَمْرَةً واحِدَة وقُلْتَ لَهُ هذا التّمرُ فهو كافٍ لِيَعْرِفَ التّمر، لأَنَّ هذه الحَبَّةَ الواحِدَةَ التي هِيَ فَرْدٌ مِنْ هذا الجِنْسِ الْمُسَمّى التَّمر يَدُلُّ عَلى الجِنْس.

فَإِذا أَيْقَنّا وءامَنّا بِوُجُودِ جِبرِيلَ عَلَيْهِ السلام وَحَدِيثُنا هذا كافٍ فِى إِثْباتِ وُجُودِهِ وَإِنْ كُنّا لَمْ نَرَهُ بِأَعْيُنِنا نَحنُ، إِلّا أَنَّ الرَّسُولَ وَأَصْحابَهُ رَأَوْهُ فَهذا كافٍ كَدَلِيلٍ عَلَى إِثْباتِ وُجُودِ الملائكة، وقد ثبت وجودهم بنصوص كثيرة، وَجاءَ ذِكْرُهُم فِى القُرءانِ مِرارًا وهذا كافٍ فِى إِثْباتِ وُجُودِ الملائِكَةُ.

وَالملائِكَةُ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُم وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُون. قال تعالى ﴿عَلَيْهَا (أَي عَلَى النّار) مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ هذه الآيَةُ وَإِنْ كانَ فِيها ذِكْرُ الملائِكَةِ القائِمِينَ عَلَى جَهَنَّم، إلّا أَنَّهُم فِى وَصْفِهِم هذا كَسائِرِ مَلائِكَةِ الله، ليْسَ كُلُّ الملائِكَةِ قائِمُونَ عَلَى جَهَنَّم!

بَعْضُهُم قائِمٌ عَلَى أَمْرِ الجَنَّة وبَعْضُهُم قائِمٌ عَلَى إِثابَةِ الأَعْمال (أَعْمال بَنِي ءادَم) وبَعْضُهُم قائِمٌ عَلَى سُؤالِ المَيِّتِ فِى قَبرِهِ وهُم مُنْكَرٌ وَنَكِير وبَعْضُهُم قائِمٌ عَلَى تَسْييرِ الرِّياح وَإنْباتِ النّبات وَإِنْزالِ المطر وبَعْضُهُم قائِمٌ عَلَى تَسييرِ أُمُورٍ عَلَى هذه الأَرْض.

هؤلاءِ الملائِكَةُ يَجمَعُهُم وَصْفُ أَنَّهُم ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ والملائِكَةُ لا يأْكُلُونَ وَلا يشْرَبُون وَلا ينامُونَ وَلا يَفْتُرُونَ عَنْ طاعَةِ الله. وهم عُقَلاء بِلا شَهْوَة أَمّا البَشَر والجن فَعُقَلاءُ مَعَ شَهْوَة، وَأَمّا البَهائِمُ فَهُم ذَوِ شَهْوَة بِلا عَقل، إِنَّما فِيهِم حَياةٌ وأَرْواحٌ وَرُكِّبَت فِيهِمُ شَهْوَة، فَمَن لَمْ يَغلِب شَهْوَتَهُ واسْتَرْسَلَ فِى الشَّهْوَةِ فَوَقَعَ فِى المحَرَّماتِ بِسَبَبِ شَهْوَتِهِ أَشْبَهَ ما يَكُونُ بالبَهائِم، أَمّا الذي يَغْلِبُ شَهْوَتَهُ وَيَلْتَزِمُ طاعَةَ اللهِ عَزَّ وَجَلّ وَلا يَعْصِي اللهَ تعالى بَشَهْوَتِه، فَهذا أَشْبَهَ الملائِكَةَ فِى تَرْكِهِ عِصْيانَ اللهِ عَزَّ وَجَلّ والْتِزامِهِ ما أَمَرَ الله.

 

هاروت وماروت

ويجب الحذر من قصة مكذوبة ذكرها البعض عن ملكين كريمين هما هاروت وماروت عليهما السلام

فقيل في هذه القصة المكذوبة: إنَّ الله أَنْزَلَهُما إِلَى الأَرْض وَرَكَّبَ فِيهِما الشَّهْوَة فَفُتِنا بامْرَأَةٍ يُقالُ لَها الزُّهَرَة، فَشَرِبا الخَمْرَ وَزَنَيا بِها وَقَتَلا نفسا، فهِيَ خُرافَةٌ لا أَساسَ لَها مِنَ الصِّحَّة، وهي مِنَ الإِسرائيلِيّات وَبَعْضُهُم يَزِيدُ وَالعياذُ باللهِ فَيَقُول: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلّ نَزَّلَهُما مِنْ أَرجُلِهِما فِى بِئْرٍ يُقالُ لَها بِئْرُ البُرْهُوت فَهُما فِى هذه البِئٍر إِلَى يوْمِ القِيامة، وَأَمّا المرأةُ التي زَنيا بِها على زَعْمِهِم فحَوَّلَها الله نَجْمًا فِى السّماءِ يُقالُ لَهُ الزُّهرة.

فهذه قِصَّةٌ مَكْذُوبَةٌ وَإِنْ كُنْتُم قَدْ تَجِدُونَها فِى بَعْضِ كُتُب التَّفْسِير وَبَعْضِ كُتُب السِّيَر، فَليسَ كُلُّ شىءٍ نَجِدُهُ فِى كِتابٍ نَعْتَقِدُهُ وَنَأْخُذُ بِهِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ المفاسِدِ تَجِدُونَها فِى بَعْضِ الكُتُب، نسأَلُ اللهَ السلامَة والأمان.

قال تعالى: “وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ  وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ  وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ  فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ  وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ” سورة البقرة.

فيجب الاعتقاد بأن هاروت وماروت عليهما السلام نزلا إلى الأرض لتحذير الناس من السحر ومن العمل به، وليبينا الفرق بين معجزات الأنبياء التي هي تأييد من الله وليست سحرًا لأن السحر يعارض بمثله أو أقوى، وبين السحر الذي هو إما كفر وإما فسق وكبيرة وهو عمل خبيث.

وليس صحيحا أن هاروت وماروت كانا يشتغلان بالسحر بدليل قوله تعالى: “وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ” وقال الرازي في تفسيره “القصة الخبيثة التي يذكرونها في حق هاروت وماروت كلام باطل فإن الله تعالى وهو أصدق القائلين لما شهد في هذه الآية على عصمة الملائكة وبرائتهم عن كل ذنب، وجب القطع بأن تلك القصة كاذبة باطلة” اهــ.

فهذه الأخبار إنما أخذت من اليهود وقد علم افتراءهم على الأنبياء والملائكة عليهم السلام وقد ذكر الله عز وجل في هذه الآيات افتراء اليهود على سليمان عليه السلام أولا ثم عطف ذلك على قصة هاروت وماروت.

الايمان بالكتب السماوية

إذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سأله سيدنا جبريل أخبرني عن الإيمان: “أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ” قال: “وَكُتُبِهِ” والكِتاب سُمِّيَ كِتابًا مِنَ الكَتْب، والكَتْبُ الجَمْع. فالكاتب يَجْمَعُ الكَلام بَعْضهُ إِلَى بَعْض فلذلك سُمِّيَ كِتابًا، ويقال عِنْد العَسْكَر (كَتِيبَة) لأَنَّهُم يَجْتَمِعُوا مَعَ بَعْضِهِم. والمَقْصُودُ هُنا بِكُتُبِهِ أي الكُتُبِ التي أَنْزَلَها اللهُ تعالى عَلَى أَنْبِيائِهِ.

فيجب الإِيمان والتَّصْدِيقُ بِالكُتُب التي أَنْزَلَها اللهُ تعالى عَلَى بَعْضِ الرسل، وهِيَ مائَةٌ وأَربَعَةُ كُتُب، أَنْزَلَ اللهُ تعالى عَلَى نَبِيِّ اللهِ شِيث خمسين كتابا، وأنزلَ عَلَى إِدْريس ثلاثين كتابا، وَهُوَ الذي يُقالُ لَهُ أَيْضًا “أَخْنُوخ” وَعَشَرَةٌ نُزِّلَت عَلَى سيِّدِنا إِبْراهِيم وَعَشَرَةٌ نُزِّلَت عَلَى سيِّدِنا موسَى قَبْلَ نُزُولِ التَّوْراةِ عَلَيْهِ،

كما قال ربنا في القرءان الكريم: “إِنَّ هَٰذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَىٰ (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ (19)” سورة الأعلى. وأَشْهَرُها التَّوراةُ وَالإِنْجِيلُ وَالزَّبورُ وَالقُرءان.

فالتَّوْراةُ أنزلت عَلَى موسَى والزَّبُورُ على داود والإِنْجِيل على عِيسَى عَلَيْهِم صلاةُ اللهِ وَسَلامُهُ، ثُمَّ القُرءان وهو ءاخِر الكُتُب التي أنزَلَها الله، وقد أُنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

والقرءانُ هُوَ المسَيْطِرُ عَلَيْها والْمُهَيْمِنُ عَلَيْها كما وَصَفُهُ اللهُ تعالى فِى القُرءان ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ أَي أَنَّ القرءانَ مُسَيْطِرٌ وَمُهَيْمِنٌ عَلى سائِرِ الكُتُبِ السماوِيّة لأَنَّهُ أَعْظَمُ الكُتُب، وهُناكَ أُمُور نَصَّ اللهُ تَعالى عَلَيها فِى القُرءان وليسَت مَذكُورَةً فِى الكُتُب القَدِيمة، هذه الكُتُبُ يَجِبُ عَلَيْنا أَنْ نُصَدِّقَ بِأَنَّها أُنْزِلَت عَلى بعض الرسل.

وَكُلُّ كِتاب مِنْ هذه الكُتُب يُقالُ لَهُ كَلامُ الله، لأنه عبارة عن كلام الله الذي هو صفتُهُ، الذي ليس حرفًا ولا صوتًا وليس ككلام المخلوقين.

وللتقريب نقول: لو كتب على لوح لفظ الجلالة (الله) فقيل ما هذا؟ يقال: (الله) فليس المراد أن هذه الكتابة وهذه الحروف الذات المقدس الذي نعبده، وإنما يراد من ذلك أن هذه العبارة تدل على الله تدل على الذات المقدس الذي نعبده.

وللتَّقْرِيب أيضا: لو قيل: سقطت طائرة روسِيَّة فقال الرُّوس: ما زالَ التَّحْقِيقُ مُسْتَمِرًّا. لَكِنْ الرُّوس لَمْ يَقُولوا ذلِك، بَلْ قالُوا كَلاما بِلُغَتِهِم، لَكِنْ نحنُ نَعْتَبِرُهُ كَلامُهُم وَقَوْلهم. لماذا؟ لأَنّهُ يَدُلُّ عَلَى كَلامِهِم.

وكذلكَ القُرءان كَلامُ الله لأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى كَلامِهِ الذّاتِيّ. فاللهُ لا يتكلَّمُ كَما نحنُ نتكَّلم، فكلامه تعالى بلا حرف ولا صوت ولا لغة عربية ولا غيرها، وإنما يُنْزِلُ كتابًا باللُّغَة التي يَفْهَمُها القَوْم، ويَدُلُّ عَلَى كَلامِهِ الذي لا يُشْبِهُ كَلامَنا.

ماذا قالَ سيدنا إِبراهِيم وَماذا قالَ سيدنا إِسماعِيل ﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ  قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ  سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)﴾ سورة الصافات. ونحنُ نَعْلَمُ أَنَّ إِبراهِيم وَإِسماعِيل كانا يَتَكَلَّما غَيرَ العَرَبِيّة! وَهذا يَدُلُّ عَلَى كَلامِهِما. سَيِّدُنا إِسماعِيل كانَ يَتَكَلَّمُ اللغَة العَربِيَّة بَعْدَ ذلِك، أَمّا لَمّا كانَ مَعَ أَبيهِ صَغِيرًا، كانَ يَتَكَلَّمُ السُّرْيانِيّة.

 

الايمان برسل الله

ثم قالَ صلى الله عليه وسلم: “وَرُسُلِهِ” فيَجِبُ التَّصْدِيقُ والإيمان بِرُسِلِ الله، وَمَعْنَى رُسُلِ الله أُناسٌ أَرْسَلَهُمُ اللهُ لِيُبَلِّغُوا للناسِ دِينَهُم.

وهُناكَ فائِدَةٌ وهي أَنَّ اللهَ تَعالى ذَكَرَ الملائِكَةَ ثُمَّ ذَكَرَ الكُتُب ثُمَّ ذَكَرَ الرُّسُل فقال تعالى: “ءامَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ  كُلٌّ ءامَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ” سورة البقرة. وكذلك قال عليه السلام في هذا الحديث: “أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِه” قالَ أَهْلُ العِلْمِ ذَكَرَهُم فِى هذا التّرتِيبِ فِى حَدِيثِهِ هذا لأَنَّ اللهَ أَرْسَلَ الملائِكَةَ بِالكُتُبِ عَلَى الرُّسُلِ فِلذلِكَ جاءَت مُرَتَّبَةً عَلَى هذا النَّحُو.

وهذا لا يَعنِى أَنَّ الملائِكَةَ أَفْضَلُ مِنَ الرُّسُل، لا! هذا التّرتيب لا يقتَضِي أَنَّ الرّسُولَ أَرادَ مِنّا أَنْ نَفْهَمَ أَنَّ الملائِكَةَ أَفْضَلَ مِنَ الرُّسُل بَلِ إِنَّ رُسُلَ الله أَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ علَى الإِطْلاق. فَأَنبياءُ الله أَفْضَلُ من الملائكة وأفضل أيضًا مِنْ رُؤَساءِ وَخَواصِّ الملائِكَة كَجِبريلَ وَميكائِيلَ وَإِسْرافِيلَ وَعَزرئِيل، وأمّا من يزعُمُ أَنَّ الملائِكَةَ أَفْضَلُ مِن سَيِّدِنا محمَّدٍ أَوْ أَفْضَلُ مِن سَيِّدِنا موسَى وَعِيسَى وَإِبراهيم وَنُوح فَإِنّما هِيَ بِدْعَةٌ اعتِزالِيّة فتنبَّهوا.

أَيْ أَنَّ المعتَزِلَة وَهِيَ هذه الطّائِفَة الضّالّة التي تَنتَسِبُ للإِسلام فِى الظّاهِر وهُم أَصْحابُ عَقائِد فاسدة، خالَفُوا أَهْلَ السُّنة والجماعَة. بَعْضُ عَقائِدِهِم أَوْصَلَتْهُم إِلَى الكُفُر والعياذ بالله. وممّا خالَفُوا فِيه أَهْلَ السُّنةِ والجماعَة قَوْلُهُم إِنَّ خَواصَّ الملائِكَة كِجِبريل وَميكائِيل أَفْضَلُ مِنَ خَواصِّ الأَنبياءِ والرُّسُل كإِبراهِيمَ وَموسَى وَعِيسَى وَنُوح!! والأُمَّةُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَ خَلْقِ الله هُوَ نَبِيُّنا محمَّدٌ صلوات ربي وسلامه عليه.

 

أولوا العزم

فَإِذًا يَجِبُ عَلَيْنا الإيمانُ بِالملائِكَةِ والإيمانُ بالكُتُب والإيمانُ بالرُّسُل. وَرُسُلُ الله أَفْضَلُهُم خَمْسَة وَهُمُ أولوا العَزْم يَعْنِى أَصْحاب العَزْم. ما مَعنَى العَزم؟ أَي أَنَّهُم بَلَغُوا الغايَةَ فِى الصّبرِ عَلَى أَقْوامِهِم. كُلُّ الأَنبياءِ مِنْ أَصْحاب الصّبر لَكِنْ هؤلاءِ الخَمْسَة أطلق عليهم هذا الاسم وهو أولوا العَزْم لأَنَّهُم بَلَغُوا الغايَةَ. بَلَغُوا دَرَجَة عالِيَة جِدًا فِى الصبرِ وتَحَمُّلِ وَإِيذاءِ أَقْوامِهِم، وَهُم: محمَّد وَإِبراهِيم وَموسَى وَعِيسَى وَنوح عليهم الصلاة والسلام. علَى هذا التّرتِيبِ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ الفَضل. فَأَفْضَلُ الأَنبياءِ والرُّسُل هُوَ نَبِيُّنا ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ إِبراهِيم ثُمَّ موسَى ثُمَّ عِيسَى ثُمَّ نُوح.

 

نسأل الله تعالى أن يثبتنا على نهج الأنبياء والمرسلين وأن يجعلنا من أهل العلم واليقين إنه على كل شىء قدير وإنه بعباده لطيف خبير وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

مواقيت صلوات اليوم

    عمان, الأردن
    الصلاةالوقت
    الفجر2:52 AM
    شروق الشمس4:36 AM
    الظهر11:33 AM
    العصر3:13 PM
    المغرب6:30 PM
    العشاء8:02 PM

إن المعرفة الحقيقية لدخول أوقات الصلاة تقوم على المراقبة، أما ما نذكره هنا فمن باب الاستئناس

إن أوقات الصلاة الظاهرة هي فقط لمدينة عمان، الأردن

قنوات التواصل الاجتماعي