الخشية من الله
كان في مكة رجل من الصالحين اسمه طاووس اليماني، وكان من كبار العلماء رضي الله عنه، كان يمر رحمه الله في طريق السوق فيرى رؤوس الغنم تغلي في القدر وتحته النار، فيقع مغشيًا عليه من شدة خوفه من الله، لأنه يتذكر نار جهنم، فمن شدة خوفه من الله تعالى هكذا يصير معه.
أما الآن فكثير من الناس يسمعون عن النار وعن قصص الخائفين والبكائين، ويرون الجنازات والأموات، فيسألون ماذا ترك من الأموال؟! وكم له من العقار؟! ينسون أنفسهم أنهم سيموتون!
فاليوم أنت تَحمل وغدًا أنت المحمول.
فطوبى لمن عمل لآخرته واهتم بنشر علم الدين للصغار والكبار، فالذي يفتح مجلس علم دين في بيته تنزل الرحمات والبركات، وخيرٌ له من أن يأتيه مال كثير وذهب.
والمخلص هو الذي يقوم بأعمال الطاعة من صلاة وصيام وحج وزكاة وقراءة للقرءان وغيرها ابتغاء الثواب من الله وليس طلبًا لممدحة الناس له، فلا خلاص إلا بالإخلاص، فأخلصوا النية لله تعالى في كل عمل صالح.
وروي عن الإمام الجنيد البغدادي رحمه الله تعالى أنه قال:
“اعلم يا ابنَ ءادمَ أنَّ طَلَبَ الآخرةِ أَمرٌ عَظيمٌ لا يُقصِّرُ فيهِ إِلا المحرُومَ الهَالِكَ، فَلَا تركَبِ الغُرُورَ وَأَنتَ تَرَى سَبِيلَهُ، وأخلِص عَمَلَكَ، وإذّا أصبَحتَ فانتَظِرِ المَوتَ وإِذَا أَمسيتَ فَكُن على ذَلِكَ ولا حَولَ وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ، وإِنَّ أَنجَى النَّاسِ مَن عَمِلَ بِمَا أَنزَلَ اللهُ في الرَّخَاءِ والبَلاءِ”
وسئُل أحد الحكماء: من أنعم الناس عيشًا؟ قال: “بدنٌ في التراب قد أمن العقاب ينتظر الجواب”
وقيل لأحد الحكماء: ما هي السعادة؟ قال: “عافية في الدنيا وعفو في الآخرة”.
وروي عن الربيع بن خيثم التابعي رضي الله عنه أنه كان يديم السهر وهو يتفكر في النار خوفًا من الملك الجبار،
فقالت له ابنته يومًا: يا أبت مالي أرى الناس ينامون ولا أراك تنام؟
قال: يا ابنتي نار جهنم لا تدعني أنام.
فقالت له: يا أبتِ من أفضل خلق الله عز وجل؟
فقال: سيدنا محمد ﷺ ،
فقالت له: بحرمة سيدنا محمد ﷺ نمّ هذه الليلة.
فقال: يا رب أنت تعلم أنَّ السهر أحب إليَّ من النوم ولكن لأجل ما أقسمت ابنتي عليَّ بمحمدٍ ﷺ أنام هذه الليلة.
فنام فرأى في المنام أنَّ في البصرة أمةً يقال لها ميمونة تكون زوجته في الجنة، فلما أصبح خرج إلى البصرة، فلما سمع أهل البصرة بقدومه تلقوه،
فلما دخل قال: عندكم امرأة يقال لها ميمونة؟
فقالوا: وما تصنع بميمونة المجنونة! هي ترعى الغنم بالنهار وتشتري بأجرتها تمرًا فتفرقه على الفقراء وتصعد في الليل على سطح لها، فلا ننام من كثرة بكاءها!
فقال لهم: فما تقول؟
قالوا: تقول عجبًا للمحب كيف ينام.
فقال: والله ما هذا بكلام مجانين، دلوني عليها.
فقالوا: هي في البراري ترعى الأغنام، فخرج إليها فوجدها قد اتخذت محرابًا وهي تصلي فيه ورأى الغنم ترعى والذئاب تحرسها فتعجب من ذلك
فقال الربيع: فلما فرغت من صلاتها قلت: السلام عليك يا ميمونة،
قالت: وعليك السلام يا ربيع،
قلت: كيف عرفت اسمي؟
قالت: سبحان الله، عرَّفني باسمك الذي أخبرك البارحة في المنام أني زوجتك ولكن ليس الموعد ها هنا، الموعد بيننا غدًا في الجنة،
فقلت لها: كيف اجتماع الذئاب بالغنم؟
فقالت: لما تعلق حبه بقلبي تركت الدنيا عن قلبي، فأصلح ما بين الذئاب والغنم. ثم قالت: يا ربيع أسمعني شيئًا من كلام الله،
قال فقرأتُ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْءانَ تَرْتِيلًا (4)﴾ سورة المزمل. وهي تسمع وتبكي وتطرب إلى أن وصلتُ إلى قوله تعالى: ﴿إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13)﴾ سورة المزمل.
فصرخت صرخة وخرت ميتة! فتَحَيَّرْتُ في أمرها،
فجاءت جماعة من النساء فقلن: نحن نغسلُها ونجهزها!
فقلتُ: من أين عرفتن بموتها؟
قلن: كنا نسمع دعائها وهي تقول: اللهم لا تمتني إلا بين يدي الربيع. فلما سمعنا بحضورك إليها عرفنا أن الله استجاب دعاءها.
طاعة الله فيها النجاة
قال العلماء: المؤمن إذا استحضر في قلبه الخوف من الله، أي خوف الإجلال والتعظيم، واستحضر في قلبه محبة الله، ثم دعا الله فقد يستجاب له الدعاء.
وقال مالك بن دينار رحمه الله: “اتخِذ طاعة الله تجارة، تأتيك الأرباح من غير خسارة”
وقال أحد الأكابر: “إن مشقة الطاعة تذهب ويبقى ثوابها، وإن لذة المعصية تذهب ويبقى عِقابها، فانظر أيهما تختار لنفسك”.
من أسرار إجابة الدعاء
وروى الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: “مَنْ أَرَادَ أَنْ تُسْتَجَابَ دَعْوَتُهُ، وَأَنْ تُكْشَفَ كُرْبَتُهُ، فَلْيُفَرجْ عَنْ مُعْسِرٍ”
لذا قال أهل الفضل: “من سار بين الناس جابرًا للخواطر، أدركه الله في المخاطر”
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “من لَقي أخاه المسلم بما يحبُّ ليَسُرَّهُ بذلك سَرَّهُ اللهُ عز وجل يوم القيامة” رواه الطبراني.
وخيرُ النّاس من ينتفع به النّاس. فاصنع الخير ما استطعت وإن كنت لا تحيط بكله، فمتى تصنع الكثير إذا كنت تاركا لأقله.
وأكثروا من هذا الدعاء: “الحمدُ للهِ وصلى اللهُ على رسولِ اللهِ اللَّهُمَّ إني أسأَلُكَ بأنَّ لكَ الحمدُ لا إله إلا أنت الحنَّانُ المنَّانُ بديعُ السَّمواتِ والأرض يا ذا الجلالِ والإكرام يا حيُّ يا قيومُ” ثم تذكر حاجتك ثم تقول الحمد لله وصلى الله على رسول الله ﷺ.
خير زاد
عن أنسٍ رضي الله عنه قال: جاءَ رجلٌ إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول اللهِ، إنِّي أُريدُ سفرًا فزودني، قال: “زَوَّدَكَ اللهُ التَّقوى” قال: زدني. قال: “وَغَفَرَ ذَنبَكَ” قال: زدني بأبي أنت وأمي. قال: “ويَسَّرَ لك الخيرَ حَيثُمَا كُنتَ” رواه الترمذي.
قال الله تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ﴾ سورة البقرة.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.