زيد المصري - Zaid Al-Masri

قصص وعبر – 26-9-2019

الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي أَجْرَى بِإِنْعَامِهِ لِلْعَامِلِينَ أَجْرًا، وَأَسْبَلَ بِكَرَمِهِ عَلَى الْعَاصِينَ سِتْرًا، وَقَسَّمَ بَنِي ءادَمَ عَبْدًا وَحُرًّا، وَدَبَّرَ أَحْوَالَهُمْ غِنًى وَفَقْرًا، وجعل الْبَسِيطَةَ عَامِرًا وَقَفْرًا، ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا﴾ أَحْمَدُهُ تعالى حَمْدًا يَكُونُ لِي عِنْدَهُ ذُخْرًا، وَأُصَلِّي عَلَى رَسُولِهِ مُقَدَّمِ الأَنْبِيَاءِ فِي الدُّنْيَا وَالأُخْرَى، وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ الَّذِي أَنْفَقَ الْمَالَ عَلَى الإِسْلامِ حَتَّى مَالَ الْكَفُّ صِفْرًا، وَعَلَى عُمَرَ الَّذِي كَسَرَتْ هَيْبَتُهُ كِسْرَى، وَعَلَى عُثْمَانَ الْمَقْتُولِ مِنْ غَيْرِ جُرْمٍ صَبْرًا، وَعَلَى عَلِيٍّ أَعْلاهُمْ فِي النَّسَبِ قَدْرًا.

سلِّم تَسلَم

من تفكر في عظمة الله عز وجل دُهش عقله، وعظمة الله أنه لا يُشبهُ شيئًا من خلقه. وقد فرَقَ سبحانه البحر لبني إسرائيل، وذلك شىء لا يقدر عليه سوى الخالق، صَيَّرَ العصا حية ثم أعادها تلقف ما صنعوا، وهذا دليل عظيم على وجود الخالق سبحانه.

ولما ءامنَ السحرة قدَّرَ سبحانه أن يقتلهم فرعون، والأنبياء عليهم السلام يبتلون بالجوع والقتل، وزكريا يُنْشر، ويحيى قُطِع رأسه، ونبينا ﷺ يقول: “مَنْ يَؤْوِيني؟ مَنْ يَنْصرني؟”

والجاهل الملحد الذي ينكر وجود الله يقول: لو كان موجودًا لنصر أولياءه! فينبغي للعاقل الذي قد ثبت عنده وجوده بالأدلة الظاهرة الجلية ألَّا يعترضَ عليه سبحانه ولو لم يعرف الحكمة.

إذ قد ثبت أنه مالك الملك وهو حكيم، فإذا خفي علينا وجه الحكمة في فعله، نسبنا ذلك العجز إلى فهومنا. وكيف لا وقد حصل من نبي الله موسى عليه السلام أنه لم يعرف حكمة خرق السفينة، وقتل الغلام، فلما بان له حكمة ذلك الفساد في الظاهر أقر.

فمتى رأيت العقل يقول لمَ؟ فقل: ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)﴾ سورة الإسراء. فإِيّاكَ أن تعترضَ على الخالق.

وقد يقول قائل: أي فائدة في الابتلاء وهو قادر أن يثيب ولا بلاء؟ ولماذا ولماذا … نقول: سلِّم لما لا تعلم، فإن أول من اعترض إبليس، رأى فضل النار على الطين فأعرض عن السجود.

وقد رأينا خلقًا كثيرًا وسمعنا عنهم أنهم يقدحون في الحكمة لأنهم يُحكمون العقول على مقتضاها. فسلِّم تَسلَم.

 

حقيقة الشهوة

كثير من الناس لا يرون الأشياءَ بعينها، فإنهم يرون الفانيَ كأنه باقٍ، ولا يَكادون يتخايلونَ زوالَ ما هم فيه وإن علموا ذلك! إلا أن عينَ الحسِّ مشغولة بالنظرِ إلى الحاضر، مع أنهم يرونَ زوالَ اللذةِ وبقاءَ إثمِها!

ولو رأى اللصُّ قطعَ يده، هان عنده المسروق. فمن جمع الأموالَ ولم ينفقها، فما رءاها بعينِها، إذ هي لتحصيل الأغراض، ولا تُرادُ لذاتِها. ومن رأى المعصيةَ بعيني الشهوةِ فما رءاها، إذ فيها من العيوبِ ما شئتَ، ثم عاقبتُها عقوبةٌ ءاجلةٌ، وفضيحةٌ عاجلة.

وانظروا إلى أكبرِ شهوات الحس، وهو الوطءُ (أي الجماع) فإن الماءَ (أي المني) لا يحصلُ إلا بعد مَطعَمٍ ومَشرب، ومن تفكرَ في المطعَمِ، نظر إلى حَرثِ الأرض، وأنها تفتقرُ إلى بقرٍ للحِراثةِ بالمحراثِ، وهو حديدٌ ومعه خشبٌ وتتعلقُ به حبال،

فمن تفكر في عَمل الحبالِ، نظر في صُنعِهِ وفَتلِه، وتفكر في الحديد بجلبِهِ وضربهِ، وتفكرَ بالخشبِ ونباتِهِ ونِجارتِهِ، وتفكرَ في دورانِ الدولابِ وعملهِ، ثم تفكر في استحصادِ الزرع وحصدِه، وتذريتِهِ وطحنِهِ، وعجنِهِ وخبزه، وفي عمل التَّنُّور..!! لذلك لا تُنالُ لُقمةٌ إلا وقد عُمل فيها الكثير.

 فإذا أكل تلك اللقمةَ، فليفكر في خلق الأسنان لقطعِها، والأضراسِ لطحنِها، وعُذوبةِ ماءِ الفمِ لخلطِها، واللسانِ ليُقَلِّبَها، وعضلاتِ الفمِ يَصعَدُ منها شىءٌ ويبقى شىء حتى يَصلُحَ البلعُ،

ثم يتناولُها فتصلُ إلى المعِدَة ثم تصلُ إلى الكبدِ فيقومُ طابخًا لها، فإذا صارت دمًا نَفَتْ رُسوبَها إلى الطِّحال، ومائَها إلى المثانة، واستُخلِصَت من أخلصِ الدمِ وأصفاهُ للكبدِ والدماغِ والقلبِ، وأَخذَت أجودَ ذلك فَحَذَرَتهُ إلى الأنثيينِ لخَلْقِ ءادمي.

فإذا تحركت نيرانُ الشهوةِ، تدفقت تلك النطفةُ، وقد حَكم الشرع بطهارتها، ثم يُخلق منها الآدميُّ، فما جاء هذا الشخصُ إلا بأغلى الغلاء، وبعد عجائبَ أشرنا إليها وعددناها..

فمن فهِم هذا هل يحسُنُ منه أن يَصرِفَ ذلك في حرام؟! فكم يتعلقُ بالزنا مِن محن وخطايا لا تُساوي مِعشارَ عُشرِها بلذةِ لحظة!

منها: هتك ُالعرضِ بين الناس، وكشفُ العورات المحرمة، والخيانةُ وفضيحةُ المزنيِّ بها، وهي كأختٍ له أو بنت. فإن عَلَقَت منه ولها زوج، أَلحَقَتهُ بذلك الزوج، وكان هذا الزاني سببًا في ميراثِ من لا يستحق، ومنعِ من يستحق، ثم يتسلسلُ ذلك من ولد إلى ولد.

وأما سَخَطُ الحق سبحانه فمعلوم، قال تعالى: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا﴾ سورة الإسراء.

وأما من له فَهم فهو يعلمُ أنه لولا تركيبُ الشهوة لم يقع الوطء، فمن طلب الشهوةَ ونسي جنايته بالزنا، فما رأى الأشياء على ما هي. وقس على هذا المطعمَ والمشربَ، وجمعَ المالِ وغيرَ ذلك.

 

ميزان الرجولة

لا يغرنك من الرجل طنطنته وما تراه يفعل، من صلاة وصوم وصدقة وعزلة عن الخلق. إنما الرجل هو الذي يراعي شيئين: حفظ الحدود، وإخلاص العمل

.فكم قد رأينا متعبدًا يخرق الحدود بالغيبة، وفعل ما لا يجوز مما يوافق هواه .أو رجل يظن الناس به أنه متدين وهو يقصد بفعله غير الله تعالى .!!

فالرجل كل الرجل هو الذي يراعي حدود الله، فيؤدي ما فرض الله عليه ويجتنب ما حرم الله، ويعمل ذلك لله، فيكون عمله وقوله خالصًا لله تعالى لا يريد به الخلق ولا تعظيمهم له .

فرُب خاشع ليقال ناسك، وصامت ليقال خائف، وتارك للدنيا ليقال زاهد .وعلامة المخلص أن يكون في جلوته كخلوته ، وربما تكلف بين الناس التبسم والانبساط لينمحي عنه اسم زاهد .فقد كان ابن سيرين يضحك بالنهار، فإذا جنّ الليل فكأنه قتل أهل القرية .

واعلم أن المعمول معه لا يريد الشركاء ، فالمخلص مفرد له بالقصد، والمرائي قد أشرك هذا الشرك الأصغر ليحصل له مدح الناس، وذلك ينقلب، لأن قلوبهم بيد من أشرك معه، فهو يقلبها عليه لا إليه.

فالموفق من كانت معاملته باطنة وأعماله خالصة .وذاك الذي تحبه الناس وإن لم يبالهم، كما يمقتون المرائي وإن زاد تعبده.

ثم إن الرجل الموصوف بهذه الخصال لا يتناهى عن كمال العلوم ولا يقصر عن طلب الفضائل .فهو يملأ الزمان بأكثر ما يسمعه من الخير ، وقلبه لا يفتر عن العمل المحسوب له، لأن شغله بما يرضي الله سبحانه وتعالى .

 

ماتت أمه

يقول أحد الشباب: كنت أسهر لساعات متأخرة خارج البيت وكان ذلك يغضب أمي كثيرا، وكنت لا ءاكل في البيت وأقضي معظم النهار نائما ولا أعود ليلا إلا متأخرا بعدما تنام أمي فكنت لا أراها ولا أجلسُ معها، فصارت تترك لي قبل أن تنام رسالة على باب الثلاجة،

وهي عبارة عن إرشادات لمكان الطعام ونوعه، ومع مرور الأيام صارت تكتب لي في الرسالة أن أضع الملابس المتسخة في الغسيل وتذكرني بالمواعيد، وهكذا مرت فترة طويلة على هذا الحال،

وذات ليلة، عدت إلى البيت فوجدت الرسالة المعتادة على الثلاجة، فتكاسلت عن قراءتها وذهبت للنوم، وفي الصباح فوجئت بأبي يوقظني والدموع في عينيه، لقد ماتت أمي، كم ءالمني الخبر وتماسكت حتى دفناها وتقبلنا العزاء،

وفي المساء عدت للبيت وفي صدري بقايا قلب من كثرة الأحزان، وفجأة قمت منتفضا، لقد تذكرت رسالة أمي التي على الثلاجة، فأسرعت نحو المطبخ، وخطفت الورقة وقرأتها، فأصابني حزن شديد هذه المرة،

لم يكن بالرسالة أوامر ولا تعليمات ولا نصائح ، فقط كان مكتوبا فيها: أشعر أني متعبة، فعندما تأتي أيقظني لتأخذني للمشفى!!!.

قال الله تعالى ﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ فأحسن معاملتك لوالديك قبل فوات الأوان .

 

ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل

والله تعالى يقول: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ﴾ سورة الحجر.

كم مُداومٍ على الزَّلَلِ، خُتِمَ له بسوءِ العملِ، نـزَل به الموتُ فيا هولَ ما نزَل، هذا مصيرُ العبدِ إذا غفَلَ ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ﴾

 كم نائمٍ على فراشِ التقصيرِ، مُغْتَرٍّ بعمْرٍ قصيرٍ، صاح به فلم يُبالِ النذيرُ، فاستلبَهُ الخطأُ والتبذيرُ، فلمّا أحسَّ البأْسَ ثارتْ من نِيْراتِ الندمِ شُعَلٌ ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ﴾

 كم مُسْـتَحْلٍ شرابَ الهوى، شَرِبَ من كأسِهِ حتى ارتوى، فما نــفَعَه عندَ الموتِ ما حوى، ولا ما شرِب ولا ما أكل ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ﴾

لا تغتَرَّ بنعيمِ القومِ، فإنّ غدًا بعدَ اليومِ، دعْهُم فما يؤثِّرُ فيهِمُ اللومُ، وهل ينفعُ التحريكَ مَيـْتـًا وهل ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ﴾

يجمعون الحُطامَ بكَسْبِ الحرامِ، ويتفكّرون في نَصْبِ شَرَكِ الآثامِ والناسُ نِيامٌ، يرقُدون في الليلِ وفِكْرُهُم في الوَيـْلِ طويلٌ لا ينامُ، والأقدامُ فيما لا يَحِلُّ إقْدامٌ، تسعى في هواها سَعْيَ الرَّمْلِ ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ﴾

ما عندهم خبرٌ من الساعةِ والعمرُ يمضي ساعةً فساعةً، خسِروا في أشرفِ تجارةٍ وأغلى بِضاعةٍ ، يتثاقلون ويتململون في الطاعةِ، و لسانُ الحالِ يقولُ أنا الغريقُ فما خوفي من البلَلِ ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ﴾.

 

اللهم أحسن خاتِمتنا وتوفنا وأنت راضٍ عنا ولا تجعل هذه الدنيا أكبرَ همنا ولا مبلغَ عِلمنا واغفر اللهم لنا وارحمنا يا أكرم الأكرمين وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين وسلام على المرسلين وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مواقيت صلوات اليوم

    عمان, الأردن
    الصلاةالوقت
    الفجر2:52 AM
    شروق الشمس4:36 AM
    الظهر11:33 AM
    العصر3:13 PM
    المغرب6:30 PM
    العشاء8:02 PM

إن المعرفة الحقيقية لدخول أوقات الصلاة تقوم على المراقبة، أما ما نذكره هنا فمن باب الاستئناس

إن أوقات الصلاة الظاهرة هي فقط لمدينة عمان، الأردن

قنوات التواصل الاجتماعي