زيد المصري - Zaid Al-Masri

شرح حديث “إِن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البناتِ..”

الحمد لله رب العالمين، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، والصلاة والسلام على رسول الهدى محمد طه الأمين، وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين ومن تبعهم وسار على منوالهم إلى يوم الفصل والدين.

أما بعد:

 

فعن الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنه قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَمَنْعًا وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا، قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ” رواه البخاري ومسلم. فالأشياءُ الثلاثةُ الأولى أي عقوق الأمهاتِ ووأد البناتِ ومنعًا وهاتِ محرمةٌ من غير تفصيلٍ، وأما الثلاثةُ الأُخرى ففيها تفصيل.

 

عقوق الوالدين

وأَمَّا قوله ﷺ في الحديث المار: “إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ” فيه بيان حرمة عقوق الوالدين، وعقوقُ الأمّهاتِ منَ المحرّماتِ الكبائرِ وكذلكَ عقوقُ الآباءِ لكنْ عقوقُ الأمّهاتِ أشدُّ ذنبًا كَما أنَّ بِرَّ الأمّهاتِ أعظمُ ثوابًا مِن بِرِّ الآباءِ وكِلا الأمرينِ أمرٌ عظيمٌ عندَ اللهِ تعالى. فإِنَّمَا اقْتَصَرَ هُنَا عَلَى الْأُمَّهَاتِ لِأَنَّ حُرْمَتَهُنَّ ءاكَدُ مِنْ حُرْمَةِ الْآبَاءِ،

وَلِهَذَا قَالَ ﷺ حِينَ قَالَ لَهُ السَّائِلُ: مَنْ أَبَرُّ ؟ قَالَ: “أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ” ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ فِي الرَّابِعَةِ: “ثُمَّ أَبَاكَ” وَلِأَنَّ أَكْثَرَ الْعُقُوقِ يَقَعُ لِلْأُمَّهَاتِ وَيَطْمَعُ الْأَوْلَادُ فِيهِنَّ.

ومعنَى العقوقِ إيذاؤُهما أذًى ليسَ بِهَيّنٍ كشَتْمِ الأمّ وشَتْمِ الأبِ أو ضربِ الأمّ أو الأبِ أو كأنْ يُهينَ أمَّهُ أو أباهُ أمامَ النّاسِ.

وعذابُ عقوقِ الوالدَينِ المسلِمَينِ عندَ اللهِ تعالى عظيمٌ حيثُ إنَّ عاقَّهُما لا يدخلُ الجنةَ معَ المسلمِينَ الأوّلِينَ بَل يدخلُها بعدَ عذابٍ شديدٍ معَ الآخِرينَ ، وهذا معنَى كلامِ رسولِ اللهِ ﷺ: “ثلاثةٌ لا يَدخلونَ الجنةَ العاقُّ لوالَديهِ والدَّيُّوثُ ورَجُلَةُ النّساءِ”

وإذا كانَ الأبوانِ كافِرَينِ أصليَّينِ فاللهُ تعالى أمرَنا بالإحسانِ إليهما لكنْ لَا يُطيعُهما فِى كُفرِهما ولا مَعاصيهما وهذا معنَى قولِ اللهِ تعالى فِى سورةِ لُقمان {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}

وإنْ كانَ الأبوانِ مسلمَينِ فقيرَينِ محتاجَينِ ففرضٌ على الابنِ أنْ يدفعَ إليهما نفقتَهما ويَكسُوَهما ويُسْكِنَهما ولا طاعةَ لهما فِى معصيةِ اللهِ. ويجبُ على الابنِ المسلمِ أنْ يُزوّجَ أباهُ المسلمَ الفقيرَ إنْ كانَ محتاجًا للزّواجِ.

ومِن جملةِ العقوقِ أنْ يُطيعَ الولدُ أمّهُ على ظُلمِ أبيهِ أو بالعكسِ ولا يَنفعُهُ عندَ اللهِ تباركَ وتعالى إنْ أطاعَ أمَّهُ فِى ظلمِ أبيهِ. قالَ أحدُ الصّحابةِ: مَنْ أحَقُّ الناس بحُسنِ صَحابَتِى يا رسولَ الله ؟ قالَ: “أمُّكَ” قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: “أمُّكَ” قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: “أمُّكَ” قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: “أبُوكَ” ولا يجوز أنْ تُعينَ أىَّ إنسانٍ على ظُلمِ إنسانٍ ءاخرَ.

وأد البنات

وأمّا قولهُ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ: “ووأدَ البناتِ” فمعناهُ دَفْنُ البناتِ فِى الترابِ وهُنَّ أحياءٌ وهذا الشىءُ كانَ فِى الجاهليةِ وأولُ مَن فعلَ ها قيسُ بنُ عاصمٍ. وقتلُ النفسِ التِى حرَّمَ اللهُ إلا بالحقّ أشدُّ الذنوبِ بعدَ الكفرِ وخاصةً قتلُ المحارمِ كالأبِ أو الأمِ أو البنتِ فهوَ أشدُّ إثمًا مِن قَتلِ غيرِ الـمَحرَمِ.

 

منعا وهات

وأمّا قولُه عليه السلام: “ومَنعًا وهاتِ” فالمرادُ بهِ مَنعُ الواجباتِ مثلِ الزكاةِ فإذا إنسانٌ مَنَعَها فهوَ عاصٍ معصيةً مِنَ الكبائرِ، كذلكَ إذا كانَ لإنسانٍ دَيْنٌ على ءاخرَ فمنعَهُ بعدَ حُلولِ الأجلِ فهوَ عاصٍ معصيةً كبيرةً إنْ كانَ قادرًا على دَفعهِ،

كذلكَ الإنسانُ المسلمُ الذي لهُ أبوانِ مسلمانِ محتاجانِ فمنعَهما النفقةَ فقد عصَى اللهَ، ومَنْعُ النّفقةِ عَن مَن يجبُ عليهِ الإنفاقُ عليهِ كبيرةٌ، ولو لم يَكن عندَه غيرَ هذا الذنبِ لكفاهُ.

والنّفقةِ للزّوجةِ تكونُ بحسبِ ما يَسَعُهُ مالُ الزّوجِ. والذي يَعرِفُ مِنْ نفسهِ أنهُ لا يعدِلُ بينَ نسائهِ إنْ كنَّ اثنتَينِ فأكثرَ فحرامٌ عليهِ الزّواجُ بأكثرَ مِن واحدةٍ. ومَن يَعدِلُ فِى المبيتِ ولا يُسَوِّى فِى عددِ الجماعِ بينَهنَّ لا يَكونُ ظالـمًا،

وتسويةُ المحبّةِ فِى القلبِ ليسَت فرضًا لأنَّ الميلَ القلبِىَّ ليسَ بيَدهِ، قالَ تعالى فِى سورةِ النّساءِ { وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} معناهُ لَن تَستطيعُوا مِنْ جميعِ الوجوهِ فِى الميلِ القلبِىِّ وفِى الأمورِ الظاهرةِ مثلِ الكِسوةِ والنَّفقةِ والمبيتِ {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} فاعدِلوا فِى ما يجبُ العدلُ فيهِ أىْ مِنَ الأمورِ الظاهرةِ.

ومِن جملةِ ما يدلُّ عليهِ قولُ رسولِ اللهِ ﷺ  “ومَنعًا وهاتِ” أنَّ اللهَ حرَّمَ أن يطلُبَ الشّخصُ ما لا يَحِلُّ لهُ، فمَن يطلُبُ مِن مالِ الزّكاةِ وليسَ مِنَ المستحقّينَ ومَنْ يطلُبُ مِنْ مالِ الوَقفِ وليسَ هوَ مِنْ أهلِهِ فقَد عصَى اللهَ.

 

قيل وقال

وأما قوله عليه الصلاة والسلام: “كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ” المقصودُ بهذا الكلامُ الذِى لا فائدةَ فيهِ وقَد يكونُ حَرامًا أو مَكروهًا.

 

كثرة السؤال

وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ” معناهُ أنَّ الإنسانَ لا ينبَغِى لهُ أنْ يسألَ عَن مسائلَ لا حاجةَ لهُ فيهَا فهذا شىءٌ مَكرُوهٌ عندَ اللهِ، أمَّا ما يَحتاجُ إليهِ فِى الدّينِ فالسُّؤالُ عنهُ فرضٌ.

 

اضاعة المال

وقوله “وَإِضَاعَةَ الْمَالِ” أىْ صرفَهُ فِى غيرِ أوجُهِ البِرِّ فإنْ صَرَفَهُ لزيادةِ التّنعُّم بالحلالِ فلا معصيةَ عليهِ، ولكنْ هذا أى الإكثارُ مِنَ التّنَعُّمِ ليسَ مِنْ شِيمةِ المتَّقينَ، أمَّا إنْ صرَفهُ فِى غيرِ طاعةِ اللهِ بل فِى مَعْصِيتِهِ كالذِى يَشترِى بهِ ءالاتِ اللهوِ المحرّمةَ ليَلهُوَ بها فهذا إضاعَةٌ للمالِ.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين وسلام على المرسلين وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مواقيت صلوات اليوم

    عمان, الأردن
    الصلاةالوقت
    الفجر4:00 AM
    شروق الشمس5:29 AM
    الظهر11:41 AM
    العصر3:12 PM
    المغرب5:53 PM
    العشاء7:13 PM

إن المعرفة الحقيقية لدخول أوقات الصلاة تقوم على المراقبة، أما ما نذكره هنا فمن باب الاستئناس

إن أوقات الصلاة الظاهرة هي فقط لمدينة عمان، الأردن

قنوات التواصل الاجتماعي